الجمعة، 22 مايو 2009

اليهود العرب عزلة أم إنتماء



Image
أحدى جلسات المؤتمر برئاسة المسيري
عقدت الجمعية المصرية للدراسات التاريخية الثلاثاء 22/ 4/ 2008 مؤتمرا عن اليهود في العالم العربي تحت عنوان (اليهود العرب.. عزلة أم انتماء؟).

ناقش المؤتمر على مدى ثلاثة أيام خمسة وثلاثين بحثا تناولت بزوايا عدة الحياة العامة لليهود في مصر والوطن العربي.

رأس المؤتمر الدكتور رءوف عباس أستاذ التاريخ ورئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، وشارك فيه عدد من المفكرين وأساتذة التاريخ واللغة العبرية والمثقفين منهم: دكتور عبد الوهاب المسيري، عبد الله الأشعل، ودكتور محمد أبو الغار، محمد أبو غدير، محمد الهواري، أحمد بهاء الدين شعبان.

الصهيونية واليهودية

احتلت فكرة الصهيونية مكان الصدارة في محاولة للتفريق بينها وبين اليهودية الديانة، حيث أكد أحمد بهاء الدين شعبان في ورقته البحثية التي تحمل عنوان (يهود مصريون بين الوطنية والصهيونية) صعوبة اتهام اليهود جميعهم بالعمل تحت لواء المشروع الصهيوني، خصوصا أن هذه التهمة تشبه لحد كبير تهمة الإرهاب التي يصم بها الغرب المسلمين دون تفريق بينهم.

وأشار بهاء الدين أنه يوجد بالفعل يهود أصحاب مشروع معاد للصهيونية أمثال يوسف درويش، وشحاتة هارون المعروف بنضاله الوطني، ومعاناته من أجل فقط أن يبقى على أرض مصر رافضا الهجرة لإسرائيل رغم كل ما تعرض له من ضغوط من قبل النظام الناصري... لكن هذه المقاومة كانت مقاومة محدودة للغاية بسبب أن الأغلبية اليهودية كانت مهيأة للانعزال الذي فرضه عليها المحتل، بالإضافة إلى أن المشروع الصهيوني ارتكز على مصر باعتبارها أقرب للأرض الموعودة، وتمتلك إمكانيات بشرية ومادية يهودية جيدة.. وقال إن الحفاظ على النسيج الوطني المصري بطوائفه لا يمنعه أن يقول إنه كان هناك نشاطا عارما للحركة الصهيونية وسط اليهود المصريين، فمؤسسة "الجماعة الصهيونية" في مصر نشأت على يد أحد أصدقاء هرتزل، ونشطت نشاطا عارما في القاهرة حتى قبل أن تتبلور الأفكار الرئيسية للصهيونية لدى هرتزل نفسه.

الصهيونية فكرة طفيلية

في حين قدم الدكتور عبد الوهاب المسيري تأريخا للدولة الصهيونية وعوامل قيامها، واصفا إياها بأنها دولة وظيفية تم غرسها لتؤدي غرضا ما، ثم ستنتهي مثل كل المجموعات الوظيفية والطفيلية التي مصيرها حتما إلى الفناء والانقراض.

واعتبر المسيري في كلمته أن المجتمع الطفيلي الوظيفي له نفس المواصفات على مدار التاريخ، فهو مجتمع يشعر بالعزلة والغربة، مجتمع مستورد معدوم الهوية والانتماء، يشعر بالغربة وسط محيط يكرهه ويمقته، جاء ليقوم بمهمة ما وينتهي مثله مثل مجتمع المماليك داخل الدولة المصرية، الذين ما شعروا يوما بأنهم من الشعب المصري، يتكلمون الشركسية، يلبسون لبسا غير لبس المصريين، ولا يتزوجون من المصريات، تم استيرادهم فقط ليكونوا جيشا يدفع عن البلاد، وعندما فقدوا أهميتهم ووظيفتهم انتهوا واندثروا وتم نسيانهم..

وألمح المسيري إلى دور قوى الاستعمار الغربي في دعم الدولة الصهيونية حتى قبل قيامها، إذ نجحت في عزل الجماعات اليهودية في الدول العربية ثقافيا عن الثقافة العربية الإسلامية، وربطها بمصالحه الاقتصادية ورؤيته الثقافية، ومن ثم تحول أعضاؤها إلى مادة بشرية استيطانية لها قابلية عالية للهجرة، وهذا ما حدث بعد تأسيس إسرائيل إذ اختفى اليهود من البلاد العربية تقريبا.

اليهود العرب

وأضاف المسيري أنه "كان من أبرز المؤسسات اليهودية الغربية التي عملت داخل العالم العربي والإسلامي مؤسسة الأليانس ذات الاتجاه الصهيوني، فأسست الأليانس سلسلة من المدارس في كل أنحاء العالم العربي والإسلامي دخلها أبناء اليهود من كل الجماعات سواء المحلية أو الوافدة، ولم يتعلموا في هذه البلاد لغة بلادهم (العربية) وإنما تعلموا الفرنسية أساسا ولغات أوروبية أخرى، وهو ما أدى إلى صبغ اليهودية بصبغة فرنسية فاقعة، وإلى عزلهم عن بني أوطانهم وتهميشهم من الناحية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، لذا نجد أن مصير أعضاء الجماعات اليهودية ارتبط بمصير الاستعمار في المنطقة فتحسنت أحوالهم المادية وازدادت هامشيتهم البنيوية مع تزايد الهيمنة الاستعمارية والتغلغل الأجنبي".

ورأى أن الأقلية اليهودية في العالم العربي مهيأة للعب دور "السنيد" للمشروع الغربي الاستعماري، وتم استغلالها إما من الحركة الصهيونية، أو من القوى الاستعمارية حينها كبريطانيا وفرنسا.

صحافة اليهود

ناقش المؤتمر أحوال اليهود في مصر

فيما قدمت الدكتورة سهام نصار رئيس قسم الإعلام بالجامعة الحديثة دراسة بعنوان "صحافة اليهود في مصر بين ادعاء الانتماء وتكريس العزلة"، أشارت فيها إلى أن علاقة اليهود بالصحافة المصرية بدأت مبكرا حينما أصدر "يعقوب صنوع" صحيفتين أحدهما باللغة الفرنسية، والأخرى جريدة هزلية وهي المعروفة باسم "أبو نضارة"، وقد تنوعت أهداف اليهود من وراء إصدار هذه الصحف ما بين صحف صدرت مدعومة من بريطانيا أو فرنسا كصحيفة "الحقيقة" التي صدرت عام 1889م، كما سعى بعض اليهود في الوقت نفسه لإصدار بعض الصحف لكسب ثقة الحركة الوطنية حينها، فقد أصدر ليون كاسترو رئيس فرع المنظمة الصهيونية العالمية في مصر جريدة حملت اسم "الحرية" في عام 1921 باللغة الفرنسية، صدرت لتكون ناطقة بلسان حزب الوفد في أوساط الأجانب في مصر وفي أوروبا، ولخلق رابطة بين الحركة الوطنية في مصر والحركة الصهيونية باعتبارها حركة وطنية تحارب عدوا مشتركا هو بريطانيا.

كما صدرت بعض الصحف فقط لدعم المشروع الصهيوني ولتكوين أرضية جيدة له داخل الطائفة اليهودية، وكان بعضها يتبنى المشروع القومي اليهودي حتى قبل مولد الحركة الصهيونية رسميا في بازل عام 1897، ومن أهم تلك الصحف صحيفة "نهضة إسرائيل" التي صدرت عام 1890، و"الرسول الصهيوني" عام 1902، و"مصرايم" عام 1904، وبعدها توالى العديد من الصحف الصهيونية: "الشمس" و"المجلة الصهيونية" و"الفجر" و"كاديما" و"هاتكفا" و"الصوت اليهودي" و"المنبر اليهودي".. وغيرها.

وأشارت نصار إلى أن الصحف الأخيرة اهتمت بالدعوة إلى إصلاح أوضاع الطوائف اليهودية في مصر والشرق حتى تكون قادرة على القيام بمسئوليتها تجاه الوطن القومي اليهودي في فلسطين، وقامت تلك الصحف بنشر الوعي بالفكرة الصهيونية، والدعوة إلى الهجرة إلى فلسطين، كما ساهمت بشكل كبير في الدعوة إلى جمع التبرعات للصناديق اليهودية المختلفة، وسعت إلى تحقيق التفاهم والتعاون بين العرب واليهود لمنع معارضتهم للمشروع الصهيوني.

اقتصاد اليهود

في حين ألقت الباحثة مني محمود منازع في ورقتها البحثية الضوء على البعد الاقتصادي لتواجد اليهود في مصر والتي حملت عنوان "اليهود والاستثمارات الأجنبية في مصر"، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي تعرض فيه يهود أوروبا لمضايقات واضطهادات خلال القرن التاسع عشر كانت المجتمعات العربية تعطي الفرصة كاملة أمام الطوائف اليهودية للعيش مثلها مثل مسلمي ومسيحيي هذه البلدان، بل ربما -وهو الأغلب- أن أغلبية السكان اشتاقوا أن يحصلوا على ربع الميزات التي تمتعت بها الطائفة اليهودية التي وصلت لدرجة أنهم كانوا مواطنين من النخبة خصوصا الثقافية والاقتصادية يكفي الذكر مثلا أن اليهود قبل ثورة 52 كانوا يملكون 103 شركات من إجمالي 308 شركات مسجلة في مصر.

وأكدت الباحثة أن العائلات اليهودية قطاوي وسوارس ومنسي وموصيري في مصر على سبيل المثال كانت الركيزة الأهم في ميدان النشاط الاقتصادي، فتولوا إنشاء البنوك وشركات الأوراق المالية والاتجار في العقارات والأراضي الزراعية وامتلاكها وتمويل المشروعات الصناعية والتجارية، وعلى هذا فقد لعبت العائلات اليهودية -من وجهة نظر الباحثة- دور الوسيط لرأس المال الأوروبي في المجتمع المصري أي دور الجماعة الوظيفية المرتبطة بالاستعمار الأجنبي؛ ولهذا فمع تزايد القوى الوطنية ونشاطها في القطاع الاقتصادي تراجع نشاط الجاليات الأجنبية بما في ذلك نشاط العائلات اليهودية جاء ذلك مع إلغاء الامتيازات الأجنبية وصدور قوانين التمصير 1947، ثم قيام ثورة 52 بتوجهاتها الاقتصادية القومية التي تبلورت بشكل واضح في قرارات التأميم التي كانت موجهه ضد الممولين الأجانب والمصريين الذين كانت تري الثورة أن نشاطهم يربط الاقتصاد المصري بعجلة الاستثمار الأجنبي ، ويعوق عمليات التنمية من خلال الدولة.

وأوضحت الباحثة أن ذلك كان السبب في هجرة أغلب أفراد العائلات اليهودية عام 1957 إلي أوروبا وليس إسرائيل بعدما شعروا بتضاؤل الأرباح و انكماش المناخ الاستثماري في مصر.

التغطية علي إسلام أون لاين .

ليست هناك تعليقات: