الجمعة، 22 مايو 2009

وانطفأ "القنديلان" في ظلمة الإعلام العربي

-إسلام أون لاين- ثقافة وفن

القنديلان ممنوعان بأمر الحكومة
القنديلان ممنوعان بأمر الحكومة
اختفى قنديلان أحدهما من الصحافة المكتوبة، وآخر من الصحافة المرئية، لم تستطع كل الأنظمة العربية بمؤسساتها الإعلامية الضخمة، وجيوشها من المخبرين والصحفيين، ومانشيتات الأجهزة الأمنية أن تقف أمام رجلين، خيف أن يُسِقط أحدهما قصرا، وأن يوقظ الآخر جيشا.

رفُعت الأقلام وطُويت الصحف، انفض السامر، وكُشفت الأوراق، وحانت ساعة الفصل.. رفعت الأقلام وطويت الصحف، انفض السامر، وكشفت أوراق العرب، وحانت ساعة الفصل.. رفعت الأقلام وطُويت الصحف.. (توقف)..

بعدها انقطع الإرسال مباشرة عن برنامج "رئيس التحرير" ومقدمه الإعلامي الشهير "حمدي قنديل"، لينقطع نهائيا وإلى أجل غير مسمى عن "التليفزيون المصري" بعد أن ضاق الخناق عليه، ومن قضاياه التي كانت تطرح بجرأة شديدة على تلفزيون لم يتعود على الجرأة إلا في "أفلام المقاولات"، قبلها كان قد طُرد من قناة "ART" حينما استضاف "الرئيس القذافي" الذي أفاض بما يعف اللسان عن ذكره في حق الحكام العرب، بعد توقف طويل تلا فعلة التلفزيون المصري معه انتقل "قنديل" إلى قناة "دريم"، حيث بدأ في تقديم برنامجه بنفس الشكل والمضمون، إلى أن ضغط "الضاغط المجهول" على القناة الخاصة ليطفأ "القنديل" حتى إشعار آخر.


الذي جاء هذه المرة من قناة "دبي" –الأكثر حرية وانفتاحا على حد وصفه– ليعرض في برنامجه الشهير "قلم رصاص" أهم القضايا العربية بجرأة أغضبت الكثيرين هنا وهناك، وكانت الحادثة الأشهر التي انتهت بخروجه من "دبي" والتي تناولتها المواقع والمنتديات بسخرية وهي تعليقه على زيارة "سمير جعجع" للإمارات واستقباله فيها استقبال الأبطال، حينها عقد "قنديل" في برنامجه مقارنة بين "جعجع" و"حسن نصر" أنهاها بجملة "نحن أمة مهند.. لا أمة محمد"، في إشارة لاستقبال أميرة في الإمارات الممثل التركي بطل مسلسل "نور" الشهير، البعض تحدث عن ضغوطات تلقتها القناة من قصور عربية لوقف البرنامج أو بالأحرى وقف هذا "المشاغب نهائيا"، وكان قنديل قد هيأ باكرا لطرده بهجومه على الرئيس أبو مازن، وشيخ الأزهر الذي قد تدخل بعدة وساطات لإقصاء "قنديل" بعد أن هاجمه الأخير بقسوة في الفضيحة الشهيرة "سلام بيريز".


يُطرد قنديل من قناة "دبي" ليرفض بعدها عرضا من الجزيرة، بسبب انتقاده لرئيس وزراء قطر والذي وصفه بأنه "يلعب على الحبلين"، وتعرض عليه قناة "التلفزيون الجديد" اللبنانية عرضا، لكنه يشترط تسجيل البرنامج في مصر وإرساله إلى لبنان لبثه؛ خوفا على حياة عائلته بسبب الأوضاع في لبنان على الأقل حتى تستقر الأوضاع ليخبره أحد المسئولين، بأن السلطات المصرية لن تسمح بخروج الحلقات من مصر، ليستقر ببرنامجه على القناة الفضائية الليبية.. لكن من يدري ربما فقط حتى إشعار آخر.

الشارع من جديد

"وها أنا ذا أعود إلى الشارع مجددا، لا أطلب عملا، فلدي من العمل ما يكفي ويزيد، وربما لا تكون لي فرصة عودة كريمة للصحافة المصرية إلى مدى مقدور، وربما إلى موعد خروج الرئيس مبارك نهائيا من الحياة أو الحكم، أيهما أقرب، وربما أنتظر طويلا، أو ربما تكون أقدار الله أسرع مما يظنون، المهم أن تتوافر لي راحة الضمير وسكينة القلب، وأن أرضى باختياري وبدفع ضرائبه".


بتلك الكلمات المؤلمة ختم الدكتور عبد الحليم قنديل رئيس تحرير جريدة "صوت الأمة" السابق مقاله الذي نشره بجريدة "القدس العربي" والذي يصف فيه خروجه المأساوي والدرامي من جريدة "صوت الأمة" بعد ضغوط وصفها بالأمنية والسياسية على رئيس مجلس إدارة الجريدة "عصام إسماعيل فهمي"..


يروي قنديل في مقاله "جريمة صحفي مصري" كيف أن الملاحقات والضغوط قد نالت مجالس إدارات صحيفتي "الكرامة" و"صوت الأمة" التي انتقل إليهما من جريدة "العربي"، أما الأولى "الكرامة" حيث الرفاق الناصريون فلم يتحملوا الضغط أكثر من عام ونصف، لينتقل بعدها إلى جريدة "صوت الأمة"، وهنا تبدأ المعركة بشكل أكثر عنفا، فبعد توليه رئاسة تحرير الجريدة بشهور عام 2007 نقل "هشام طلعت مصطفي" أبرز رجال لجنة السياسات المقربين إلى البيت الرئاسي -وذلك قبل تورطه في جريمة قتل سوزان تميم- "رسالة تحذير إلى "عصام إسماعيل فهمي" من البيت الرئاسي مباشرة بأن "الريس زعلان من عصام" لوجود عبد الحليم قنديل على رأس جريدته.


وتتوالى بعد "التحذير الرئاسي الشفهي" أدوار الضغط فيصدر حكم بالسجن على صاحب الجريدة لثلاث سنوات ونصف في قضية ضرائب مفتعلة، وبعد خمسة أسابيع لا غير من بدء رئاسته لتحرير الجريدة، بدأت المقايضة في الكواليس المكشوفة بأدوار بطولة مطلقة لزكريا عزمي رئيس ديوان الرئيس، ومرة أخرى من مباحث أمن الدولة -كما يقول قنديل- والوعد بإلغاء حكم السجن مقابل إلغاء وجوده في الجريدة، ثم انتهى المشهد برفع ثلاث مقالات لـ"قنديل" قبل أن يتم طرده نهائيا من الجريدة، ليتكرر المشهد بجميع تفاصيله وبنفس أبطاله للمرة الثانية كما حدث بالمرة الأولى في جريدة "الكرامة" لينطفئ صوت حر آخر يدافع عن الحريات والكرامة وتكلس الوضع السياسي في مصر ليلحق بـ"الشعب"، و"مجدي حسين"، وصحفيي "آفاق عربية"، وجرائد ممزقة، وأقلام مكسورة، في عصر قال حاكمه إنه لن يُكسر في عهده قلم، فانكسر ليس قلما واحدا، وإنما مصنع أقلام.


انطفأ قنديل آخر للحرية لأنه طالب "المعارضة الصامتة" أو الـ"مغلوبة على أمرها" بموقف إزاء ملف التوريث الذي تمضي تمهيداته وترتيباته معلنة انتقال مقاليد الأمور من عصر أبوي فقدت مصر فيه أي سمات بلد حقيقي إلى عصر "الابن" لتصبح بلدا بلا أية سمات.

عصر انتقلت فيه مصر من بلد المركز والمحور إلى بلد القطارات المحروقة، والسفن الغارقة، والمثقفين الموتى بنيران الإهمال، إلى عصر بدأت معالمه الأولى بـ"الرجال الأمريكان"، و"مجموعات البيزنس"، وشلة "لجنة السياسات"، ووكلاء "صندوق النقد الدولي"، وسماسرة "شركات القرصنة الاقتصادية" الذين أودوا البلد من حالق إلى فالق، ومن درجات إلى دركات حينما اغترفوا من أراضي وأموال الدولة، بمثل ما اغترفوا من كراسيها ومناصبها.


صحفي مصري

ليست هناك تعليقات: