الجمعة، 22 مايو 2009

الأزمة المالية مكابح لقاطرة العمل الخيري

ا
يتوقع البعض أن تصبح المؤسسات الإغاثية والخيرية ضحية أخرى من ضحايا الأزمة المالية وتداعياتها، مما يعني أن الأزمة لن تتوقف تداعياتها عند انهيار البورصات، وسقوط المؤسسات المالية، وركود الأسواق، بل ربما ستطول الأزمة منظمات العمل الخيري والإغاثي.

فبشكل مباشر أثر سقوط مؤسسات بنكية أو إفلاس أخرى، على ودائع واستثمارات كثيرة لمؤسسات عربية وإسلامية تمثل رافداً هاماً للعمل الخيري والإنساني، وبتأثير غير مباشر حيث سيقل مساهمة الأفراد العاديين في أعمال البر، إن طالتهم الأزمة نتيجة لركود في الأسواق، أو تفشي للبطالة وعندها ربما ستطغى القاعدة المصرية الشعبية المشهورة "اللي يعوزه البيت، يحرم علي الجامع".

القاطرة الخيرية

هناك عشرات الجمعيات الخيرية والإغاثية الإسلامية التي تنفق ملايين الدولارات في الأعمال الإغاثية والخيرية في الدول العربية والإسلامية، بل والدول الغير إسلامية حيث يمتد نشاطها إلي العمل الإغاثي أو الدعوي كإنشاء المساجد والمراكز إسلامية، والإشراف عليها لخدمة الجاليات الإسلامية هناك، كل تلك المؤسسات مهدده أنشطتها بالتراجع في حال توحشت الأزمة المالية وضيقت الخناق علي المؤسسات الإغاثية والخيرية ..!

فنظره سريعة علي أنشطة بعض المؤسسات الخيرية والإغاثية، هناك مؤسسة " الندوة العالمية للشباب الإسلامي " التي يقع مقرها الرئيسي بالسعودية، وبلغت ميزانية إنفاقها علي الأعمال الخيرية خلال عام 2006 (59.547.016) ريالا سعوديا (الدولار= ريال سعودي ) وفقا للتقرير السنوي الصادر عن المؤسسة عام 2007، توزعت ما بين برامج إغاثية وموسمية، ورعاية أسر وحفر آبار، وإقامة مخيمات وتقديم مساعدات طبية.
هناك "مؤسسة الإغاثة الإسلامية بلندن"، وهي منظمة إسلامية دولية غير حكومية كبرى، تعتمد أنشطتها -كما يقول إلهامي الميرغني الاستشاري الاقتصادي لمؤسسات إغاثية وخيرية- علي مساعدات تنموية من المنظمات الدولية والحكومات، بجانب تبرعات الأفراد، ويصل نشاط الهيئة لأكثر من 62 دولة وإنفاق أكثر من 94.2 مليون دولار في أكثر من 1623 مشروع.

هناك أيضا "جمعية الدعوة العالمية الإسلامية"، بلغ إجمالي ما صرفته على الإغاثة وشؤون اللاجئين خلال الفترة بين عامي 2000 -2004 ( 5.793.000 ) دولار، وما تم توزيعه بعد ذلك على القوافل الطبية بلغ 1.703.000 دولار، أما برامج الإغاثة فقد بلغ ما أُنفق عليها 4.090.000 دولار وفقاُ لكلام الدكتور عبد السلام السويسي المشرف على البرامج الإغاثية بجمعية الدعوة الإسلامية العالمية في حوار أجراه معه موقع جمعية الدعوة الإسلامية العالمية.

أما مؤسسة " ائتلاف الخير "، فهي جهة تنسيقية تنسق بين المؤسسات الخيرية العاملة لفلسطين في الخارج وبين المؤسسات الخيرية الفلسطينية في داخل فلسطين، أو مناطق تواجد الشتات الفلسطيني في لبنان والأردن والعراق والسودان، ويشرف علي مجلس أمناءه الشيخ يوسف القرضاوي، حيث دعمت المشاريع الخيرية المتنوعة التي يرعاها الائتلاف بمبلغ إجمالي أربعة وعشرين مليون دولار، وفقاً لكلام الدكتور عصام يوسف الأمين العام لائتلاف الخير في الاجتماع الرابع للجنة التأسيسية لائتلاف الخير التي عقدت بالبحرين .

في مصر وحدها يوجد أكثر من خمسة عشرة ألف جمعية خيرية، أبرزها وأهمها علي الإطلاق الجمعية الشرعية التي تقوم بالإشراف على تعليم وكفالة أكثر من مائة وثلاثين ألف طفل يتيم،لجنة الطوارئ والإغاثة بنقابة الأطباء بالقاهرة بلغت قيمة المشروعات التي نفذتها للأراضي الفلسطينية وحدها من يناير حتى سبتمبر 2008 ما يزيد عن ثلاثة ملايين دولار على المشاريع الصحية والإغاثية والتنموية والموسمية والاجتماعية وترميم الأقصى، وتمتد المساعدات لتشمل المخيمات الفلسطينية في لبنان وغيرها، وفقاً لكلام الدكتور جمال عبد السلام مدير لجنة الإغاثة والطوارئ باتحاد الأطباء العرب.

العمل الخيري إلى أين ؟

يري ياسر خليل مدير مكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي، أن المنظومة الاجتماعية مثلها المنظومة السياسية كلاهما مرتبطتان بالمنظومة الاقتصادية، وبالتالي عند حدوث أزمة اقتصادية تتأثر مباشرة المؤسسات الاجتماعية القائمة علي العمل الخيري والإغاثي .
والموارد التي تدخل للمؤسسات الخيرية من وجهة نظره ستتأثر كأحد تداعيات الأزمة المالية، حيث سترتفع تكلفة المشروعات الخيرية، وتقل الأموال نتيجة لركود الأسواق، أو نتيجة للتضخم الاقتصادي، ويلفت النظر أن ذلك سيمثل ذلك عقبة أمام العمل الخيري، ويشير إلي أنه يجب الانتباه إليه خصوصاً وأن البلاد الإسلامية تحتوي علي مناطق هي الأكثر فقرا في العالم .

الباحث الجيواستراتيجي والخبير في العمل الإغاثي ياسر الغرباوي، يري أنه على المدى القريب يبدو التأثير متواضعا، ولكن مع تمدد الأزمة المالية وانتشارها حتماً ستؤثر بشكل كبير على أعمال هذه المؤسسات بحكم تأثير ميزانيات الأفراد الداعمين لها.

ويشاركهما في الرأي إلهامي الميرغني الذي يري أن الأزمة المالية سيصبح لها تأثير كبير علي العمل الأهلي، نتيجة لحجم الخسائر التي ستواجه الشركات ورجال الأعمال، خصوصا في منطقة الخليج التي تمتلك ودائع كبيرة في البورصة والبنوك الأمريكية؛ حيث ستتقلص الأموال التي توجه للعمل الخيري والمنظمات الإنسانية.

يضيف الميرغني :" استثمارات الخليج تتجاوز التريليون دولار، مُستثمر جزء كبير منها في المصارف الغربية، وجزء من المشكلة أن معظم المؤسسات الخيرية - وأغلبها في دول الخليج - تتنافس علي نفس القاعدة من الأفراد أو الشركات التي تأخذ منها التبرعات، وبالتالي ستواجه المؤسسات الإغاثية والخيرية صعوبات في تلبية التزاماتها إذا تأثرت هذه القاعدة.
لكنه يري أن تداعيات الأزمة علي المؤسسات الخيرية والإغاثية، سيصعب تقييمها حالياً بسبب عدم وجود بيانات وأرقام يسهل حصرها .

علمني كيف أصطاد

عن كيفية مواجهة تداعيات الأزمة يري إلهامي الميرغني أن المؤسسات الخيرية لابد أن تقوم بوضع خطة طوارئ لمواجهة تغيرات وظروف الأزمة، أولها أن تقوم بالبحث عن مصادر تمويلية جديدة، وثانيها أن تقوم بإعادة هيكلة أنظمتها الإدارية والمالية لكي تتوافق مع شروط ومعايير دولية لمؤسسات إغاثية عالمية، كمؤسسة فورد واليونسكو واليونيسيف والتي تعطي منحا وتبرعات ولكن بشروط معينة .

والنقطة الثالثة والأهم من وجهة نظر الميرغني؛ هي أن تقوم المنظمات الخيرية بإعادة النظر في الفكرة الجوهرية للعمل الخيري والإنساني، بأن يتحول العمل الإنساني الذي يتبلور معظمه في صورة إعانات وتبرعات فقط إلي دعم تنموي لمشاريع صغيرة أو متناهية في الصغر، لتساعد الفقراء علي الخروج من دائرة الفقر.

يقول الميرغني :"تطبيق المشاريع الصغيرة ودعمها، أو دعم تعليمها هو ما حث عليه الإٍسلام، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال:" والذي نفسي بيده لأن يأخذَ أحدُكم حَبلَه فيحتطب على ظهره خيرٌ له من أن يأتيَ رجلاً فيسأله أعطاهُ أو منعه ".
بينما يري الغرباوي أن حلول مواجهة الأزمة يكمن في عدة محاور، أولها إستراتيجية توسيع دوائر الدعم بأن تقوم المنظمات الخيرية والإغاثية بتوسيع دائرة الداعمين لها والمتعاطفين معها، مما يعنى توسيع قاعدتها المالية من خلال مساهمات الأفراد فيها .
والمسار التالي وهو إستراتيجية التطوع، وهو مسار يكفل استمرار هذه المؤسسات الخيرية في أعمالها بشكل ممتاز، ولكن هذا المسار من وجهة نظره يحتاج إلى تخطيط دقيق وعميق، ووضع جداول زمنية للمتطوعين بما لا يتعارض مع ظروفهم الحياتية .
ثم المسار الثالث إستراتيجية الوقف، وهو دعم اتجاه الجمعيات الخيرية نحو إستراتيجية عمل أوقاف خاصة بها تؤمن لها قدرا ًمن الاستقرار المالي والإداري، خاصة في المنطقة الإسلامية والعربية التي تمتلك ثقافة هائلة في مسألة الأوقاف، والتجربة الإسلامية في بعض فتراتها التاريخية كانت رائدة في هذا المضمار .

الحكومية الأكثر تضررًا

يري الدكتور جمال عبد السلام أن أموال المؤسسات الخيرية التي ليس لها أموال في الخارج، كهيئة الإغاثة الإسلامية، ولجنة الإغاثة باتحاد الأطباء العرب سيصبح الضرر عليها بدرجة أقل.
فيما يري الغرباوي أن منظمات العمل الخيري التي تعتمد على تمويل من الجهات الحكومية أو منح دولية تأثرت بشكل أسرع وكبير، عكس المنظمات التي تتنوع مصادر دخلها بين التمويل الحكومي والدعم الشعبي، وهناك منظمات متخصصة في العمل الإغاثي فقط مثل التي تعمل في مناطق الزلازل والأعاصير وغيرها من الظواهر الطبيعة، وهذه تأثرها بالأزمة المالية سيكون أكبر بحكم أن العديد من هذه المؤسسات تعتمد على التمويل الدولي والأممي.

ويضيف الغرباوي :" هناك منظمات أخرى كانت لها رؤية إستراتيجية كبيرة نحو الاعتماد على أوقاف خاصة بها في شكل استثمارات عقارية ونحوها توفر لها سيولة مالية بعيدة عن تذبذب السوق المالي واضطراب الدعم الشعبي، وهناك العديد من مؤسسات العمل الخيري خاصة في منطقة الخليج قطعت شوطا كبيرا في هذا المضمار (الأوقاف ) ".
بينما يشير ياسر خليل إلي أن المؤسسات الخيرية الغير حكومية أقل تضررا من المؤسسات الرسمية، نظرا لأن الأخيرة ليس لديها وقف إسلامي، أو وحدات استثمارية منفصلة تعوض قليلا الخسارة التي ستلحق بهما جراء موارد ستقل من الأفراد أو الشركات الاقتصادية.

فيما يري الدكتور عبد القادر حجازي مسئول لجنة الإغاثة بنقابة الأطباء أن المؤسسات الإغاثية الغير حكومية تنفق أموالها مباشرة، ولا يتبقي لديها فائض لتبقيه في بنك أمريكي أو أوروبي، بينما المؤسسات الخيرية الحكومية قد تكون ضررت من الأزمة لأنها كما يقول: " تعمل على تجميع فوائض مادية ضخمة، وتنفق بالقطارة، وتضعها في البنوك والمصارف المالية، والضرر الأكيد أكبر علي من وضع أمواله في بنوك غربية".

ليست هناك تعليقات: