"إنسان بمعنى الكلمة، لم يتغير مسار حياته تقريبا، فقد تحول من طبيب يداوي المرضى، إلى رجل يخفف آلام الجوع والمعاناة عن آلاف المحتاجين". انطباع أخذته وأنا خارج من القاعة التي ضمتني مع مجموعة من زملائي بموقع إسلام أون لاين في مقابلة مع الدكتور هاني البنا مؤسس "منظمة الإغاثة الإسلامية بلندن" Islamic Relief Worldwide (UK)، ومدير "المنتدى الإنساني العالمي" والذي كان ضيفا على الموقع. أسلوب الرجل البسيط في الكلام، واتصالاته المتعددة، وحكايته لمواقف تصرف فيها لصالح مؤسسة الإغاثة أو المنتدى الإنساني كل ذلك صب فيَّ هذا الانطباع. تحدث البنا في اللقاء عن تجربته الشخصية في العمل الإغاثي والخيري وعن مؤسسة الإغاثة الإسلامية، وخطوات إنشاء مؤسسة يجتمع تحتها كل المؤسسات الإغاثية والخيرية على مستوى العالم والتي عُرفت بعدها باسم "المنتدى الإنساني العالمي". فكرة المنتدى كما يقول الدكتور البنا بدأت كمظلة إنسانية واحدة تجمع مؤسسات العمل الخيري والإغاثي على مستوى العالم، حيث بدأ هو ورفاقه بمؤسسة الإغاثة الإسلامية بمراسلة المؤسسات الخيرية والإغاثية المدنية والرسمية، والتحرك لعقد ورش عمل ومقابلات لإيجاد صيغة توافقية بين هذه المنظمات الإنسانية لتكوين شراكات غير منحازة لدين أو عرق تعمل في النهاية لخدمة الإنسانية وحدها. وبالفعل استجاب لدعوة الدكتور هاني البنا مؤسسات عدة وصل عددها إلى 22 مؤسسة في الهيئة التأسيسية وحدها، كمنظمة الصليب الأحمر البريطاني، وأوكسفام (وهي ائتلاف دولي من 13 منظمة) والندوة العالمية للشباب الإسلامي وغيرها من المؤسسات الإنسانية غربية وإسلامية. الدين والإغاثة وعن كيفية الدمج في "المنتدى الإنساني" بين مؤسسات غربية منها "مؤسسات خيرية كنسية" ومؤسسات إسلامية، في ظل هاجسين يطلان دائما على عمل كثير من المؤسسات الإغاثية والخيرية، وهما التنصير والدعوة، أجاب البنا أنه عند إنشاء "المنتدى الإنساني العالمي" اتفقنا مع كل المؤسسات الداخلة تحت مظلة المنتدى على أنه "لا دعوة، ولا تنصير" في العمل الخيري الإنساني، وبالتالي كان الهدف الذي نبغيه هو إقامة الحياة الإنسانية للفرد، ثم يبحث هو كما يشاء عن دين يعتنقه أو يؤمن به. وبالنسبة لمؤسسة الإغاثة الإسلامية شدد الدكتور البنا على أن المؤسسة لا تدفع أحدا لاعتناق الدين، أو تستغل ضعف الفقير لتعرض عليه دينا معينا. وأضاف: "الإغاثة الإسلامية هي المؤسسة الوحيدة التي أسهمت في تقديم المساعدات العاجلة للشعب الصيني في كارثة فيضانات 2002، كما عملت مع الكاثوليك في فيضانات هندوراس وأيضا الكاثوليك في بريطانيا، وتعاونت مع عدة مؤسسات كنسية، مثل العون الكاثوليكي والعون المسيحي، ومنظمة الصليب الأحمر". وعلى الجانب الآخر ألمح إلى أنه يصعب تعميم مسألة التبشير وسوء النية واستحضار نظرية المؤامرة على كل المؤسسات الغربية، فعلى العكس قال بأن هناك كنائس عديدة في أوروبا أعطت مؤسسة الإغاثة الإسلامية أموالا لتقديم مساعدات إلى أفغانستان وباكستان وكوسوفا، واتبعت المؤسسة نفس المنطق فقامت بحفر ما يقارب من 170 بئرًا للمياه في منطقة "واو" وهي مدينة مسيحية بالكامل تقع جنوب السودان، وتعرف بأنها منطقة صحراوية شديدة الجفاف، وعدد سكانها أكثر من 600 ألف نسمة كانوا يخرجون في رحلات للتنقيب والبحث عن مياه من أماكن بعيدة قد تتجاوز الرحلة أسابيع تتغيب فيها أسر بأكملها عن المنزل. ويتذكر البنا في هذا الإطار كلمات الحاكم المسيحي الذي كان يقول لهم "من غيركم كنا لا نقدر على العيش". كما لم تفته الإشارة لكلمات المسئول الأمني عن منطقة جنوب السودان "إدوارد لينو" وهو من حركة "المؤتمر الشعبية" في مؤتمر دارفور الذي احتضنه، وقال له على مسمع من الجميع إن مؤسسة الإغاثة الإسلامية هي المؤسسة الوحيدة التي تعمل في جنوب السودان لغرض إنساني بمعنى الكلمة. ويضيف البنا: "بل إن ما يحمي أفراد ومؤسسة الإغاثة الإسلامية في هذه المناطق هم أفراد مسيحيون يعلمون ضمنا مدى نزاهة القضية التي تتبناها مؤسسة الإغاثة الإسلامية ". الملف الأمني ولم يخل عمل المؤسسات الإنسانية من الصعوبات، حيث واجهت تداعيات الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر مثلها مثل كل الشعوب المقهورة التي طالتها آتون الحرب. حيث أُغلقت بعض المؤسسات الخيرية والإغاثية، وصودرت أموال أخرى، وتعدى الضرر أن صار بعض أفرادها أسرى أقفاص معتقل "جوانتانمو". وحول كيفية تعامل المؤسسة مع هذه الصعوبات يقول الدكتور البنا : "بعد أحداث 11 سبتمبر كان رأي بعض العاملين بالمؤسسة هو تقليل الجهود قليلا حتى تخف وطأة الإعصار الهائج ضد كل ما هو إسلامي، وكان ردي على زملائي بالمؤسسة إننا في النهاية جزء من المجتمع المسلم الصغير الموجود بالمجتمع الغربي، ولن نختبئ لمواجهة الأزمة التي مرت علينا، ولا بد أن نكون جزءا من المنظومة المدافعة عن الصورة المشوهة التي تم إلصاقها بالإسلام عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فقمنا بلقاءات مع مجموعة كبيرة من السفراء لتوضيح قضية أفغانستان والسلبيات التي حدثت عقب الحرب التي شنتها أمريكا عليها". وأضاف أن المؤسسة قامت بعدة خطوات لعدم إعطاء الغير الفرصة لتقييدها، أو وضع علامات استفهام عليها، يذكر منها الاختيار الجيد والدقيق للأفراد المتطوعين أو العاملين بها داخل المناطق المتفجرة كالشيشان أو كوسوفا مثلا، والتنبيه على العاملين بهذه المناطق بعدم الخطأ ولو بحسن نية للحفاظ على صورة المؤسسة. ويذكر -أيضا- في هذا الإطار أنهم عندما فتحوا فرعا للمؤسسة في فلسطين قاموا بتوزيع الأموال بأنفسهم درءا لشبهات قد تعطل العمل الخيري الذي يقدمونه للشعب الفلسطيني، وكانت النقطة الأهم التي أخذتها المؤسسة في حسبانها هي الشفافية الكاملة في الأرقام التي تدخل وتخرج منها، وهي نقطة -كما يقول البنا- إن تمت الغفلة عنها قد تغلق المؤسسة في أقل من يوم واحد !. الأزمة المالية والإغاثة ومن أزمة الملف الأمني إلى الأزمة المالية وتداعياتها على العمل الخيري، رد البنا على مخاوف أن تصبح المؤسسات الإغاثية والخيرية ضحية أخرى من ضحايا الأزمة المالية بالإشارة إلى نوعين من العمل الخيري: الأول المعتمد على موارد دول وهو -كما أوضح البنا- سيتأثر تأثرًا كبيرًا، أما المعتمد على صغار المتبرعين سيكون تأثره أقل. ويضيف البنا: "من المهم، بعيدا حتى عن موضوع الأزمة، أن تكون لدى المؤسسة الخيرية إستراتيجية لتكوين قاعدة من آلاف المتبرعين، وألا يكون اعتمادها الأساسي على السياسة والدولة، السياسة قد تعطيني اليوم، ولكنها لن تعطيني غدا، وفي السياسة أنت اليوم صديق لوزير، غدا لن يصبح وزيرا ". التخطيط الجيد وعن تفسيره لواقع العالم الإسلامي المرير مع ظاهرة الفقر برغم كثرة المؤسسات الخيرية والإغاثية، عزا الدكتور البنا هذا الوضع إلى القدرات الضعيفة الموجود بهيكل المؤسسات، والتي مثلها مثل أي مؤسسة عربية تتواجد في المحيط العربي، تفتقد للتخطيط الجيد، ومصابة بالعشوائية في البناء والتي تنتهي بعشوائية في التنفيذ، وتفتقد للتدريب وبناء القدرات، وبالتالي تَضيع جهود وأموال وأوقات بلا طائل، وفي النهاية الخاسر الوحيد هم الشعوب الفقيرة. ولذلك عندما طُرحت فرضية تواجد مؤسسة الإغاثة الإسلامية في العالم العربي، وهل كانت ستحقق نفس النجاح الذي حققته الآن عندما تم تأسيسها في لندن، أجاب بأن مؤسسة الإغاثة استفادت من وجودها في بريطانيا، والمناخ الليبرالي الذي وفر لها ظروفا سياسية وأمنية ومناخا جيدا حققت من خلاله مشاريعها وطموحاتها. وألمح إلى أن العمل الإغاثي الإسلامي ما زال يحبو في سنواته الأولى، ويحاول أن يلحق بركب المؤسسات الغربية العريقة وذات الخبرة الكبيرة. |
تعليم الأطفال في اليابان..صناعة البشر
قبل 13 عامًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق