وتغيير رؤساء تحرير الصحف القومية يلحق بالتبعية بجملة المرادفات السابقة التي حتى وقت قريب كانت أشبه بجمهوريات صغيرة التغيير فيها أشبه بالتغيير الرئاسي.. أندر المشاهد في مصر على الإطلاق. لكن على خلاف المعهود قدم التغيير والذي اعتبره البعض أنه ملمح إيجابي - حتى ولو كان تغييرا محدودا لعدة صحف ومجلات قومية - عازين السبب لقدوم وجوه جديدة بعضها ذات كفاءة مهنية عالية، أو غير محسوبة على النظام، والبعض الآخر اعتبره ملمح من ملامح سيناريو "التوريث" القادم، خاصة أنه قادم من مطبخ "لجنة السياسات". تقارير الجهاز الأمني رئيس تحرير جريدة صوت الأمة السابق الدكتور عبد الحليم قنديل - والذي أقيل منذ أيام قليلة نتيجة ضغوط مريرة مورست على صاحب الجريدة وفقا للدكتور قنديل - اعتبر أنه لا التدرج المهني الوظيفي، ولا الموهبة، ولا الكفاءة الإدارية هي التي تحدد من يشغل رئاسة تحرير جريدة قومية، إنما المعيار الأساسي الذي يؤهل هو مزيج بين معيارين على حد وصفه، الأول معيار الولاء لمباحث أمن الدولة، والمعيار الثاني هو الولاء للجنة السياسات؛ والذي يمكن في ضوئهما تحديد أفضل رئيس تحرير جريدة قومية صغرت أم كبرت. وأشار قنديل إلى أن التعديلات المحدودة في رئاسة الصحف الأخيرة تدخل في إطار السيناريو المعد لترتيب نقل الرئاسة من "شكلها الفعلي" إلى "شكلها الرسمي"، حيث يشير قنديل إلى أن "جمال مبارك" يدير فعليا البلاد، وهذه التمهيدات كما يشير هي تمهيدات متصلة بدأت بتولية جمال مبارك رئاسة لجنة السياسات في 2002، وتغييرات الدستور في 2007، خصوصا المادة 76، والمادة 88 التي تنزع الإشراف القضائي عن الانتخابات، ومن بعدها التطورات التي حدثت في هيكل الحزب الوطني أواخر 2007 وإدخال جمال مبارك في أعلى سلم الهيكل التنظيمي للحزب. وتواصلت التمهيدات لنقل الرئاسة حتى الآن – كما يقول قنديل - ومنها الزيارة الأخيرة لجمال مبارك لإيجاد "صيغة رضا وقبول" من الإدارة الأمريكية عن شخصيته. ورأى قنديل أن الوجوه الجديدة التي جاءت هي وجوه شديدة الولاء الأمني والسياسي للحزب لحاكم حيث يقول: "من يتحدث عن وجود شخصيات مارست دور المعارضة نوعا ما هو خاطئ، "أنور الهواري" رغم أنه شخصية تتميز باستقلال مهني، واستقلال شخصي فإن دوره معروف في حرب غزة الأخيرة حينما أعلن تأييده لنظام مبارك فيما أخذ من مواقف، أما عن حمدي رزق فهو لم ينسب نفسه يوما للمعارضة، ولم يتحدث أحد عن أنه معارض، بل يعرف الجميع ولاءه". غير صالحة
وافقه الناشر والناشط الحقوقي وأحد أهم صانعي الصحف في مصر هشام قاسم، والذي تحدث عن أن رئاسة التحرير منذ قيام الثورة و"الرئاسة" ومعها بعض الأجهزة الأخرى مثل "الاتحاد الاشتراكي" و"التنظيم الطليعي"، تلك الأجهزة هي التي تتدخل لاختيار من يشغل هذا المنصب، لكن من وجهة نظره أن هذا الأمر تم حصره الآن فقط في "المؤسسة الرئاسية" التي تحدد "رئيس التحرير" وفق ما يتم تصعيده إليها من تقارير أمنية. ويرى قاسم أن الوجوه التي يقال عنها جيدة، والتي جاءت في "التغيير المحدود"، غير صالحة وجاءت كمكافأة من النظام لمواقف معينة لهم. الولاء يشاركهما الرأي عبد العظيم حماد، رئيس تحرير جريدة الشروق، الذي رأى أن المعيار الأساسي الذي يتم عليه اختيار رئيس تحرير جريدة أو مجلة قومية هو الولاء الكامل للحزب الوطني، والصلة المباشرة بالأمن، مضيفا: "لا كفاءة شخصية ولا مهنية في موضوع اختيار رئيس التحرير لجريدة قومية، الاختيار عبارة عن صلة بلجنة السياسات، أما موضوع حرس جديد أو قديم، لا يوجد الآن إلا حرس واحد فقط هو حرس لجنة السياسات ". المسئول الملوث فيما رأى خالد البلشي، رئيس تحرير جريدة البديل، أن هناك أسماء جيدة تم اختيارها كأنور الهواري وحمدي رزق، وكلاهما من وجهة نظره اسمان يمثلان كفاءة صحفية ومهنية عالية، لكنه اعتبر أن فقدان المعايير التي يتم على أساسها اختيار رئيس تحرير الصحف والمجلات القومية هو الذي يؤدي إلى التعريض بكفاءة من تم اختيارهم حتى ولو كانوا بالفعل أكفاء، وأضاف أن الكارثة الحقيقية أن النظام يختار من يدين له بالولاء، ثم يجمل بعد ذلك الاختيار بواحد أو اثنين وجوههم مقبولة لدى الشارع.
واعتبر البلشي المشكلة الثانية تكمن في الهاجس الموجود لدى الجميع باعتباره شديد السوء في كل اختياراته مضيفا: "لا تزال هناك مقولات شهيرة يحفظها الناس تبين مدى الصورة السلبية الموجود في أذهانهم عن شكل اختيار النظام لأفراد على رءوس المؤسسات أشهرها مقولة (قبل أن تأتي بفلان لمنصب وسخه قبل أن تأتي به)". وأبدى البلشي اعتراضه على موضوع "الموافقة الأمنية" على رؤساء التحرير قبل اختيارهم، رافضا أن يُعمم هذا التصور حتى لا يتم ظلم أسماء صحفية كبيرة. واعتبر البلشي أن المعايير التي لابد أن تكون موجودة لكي يؤسس عليها اختيار جاد وحقيقي هي المهنية العالية، والكفاءة الإدارية. فيما وافقه الدكتور عزازي علي عزازي، رئيس تحرير جريدة الكرامة، الذي أشار إلى الشروط الواجب توافرها لاختيار رئيس تحرير، ومنها أن يظل رئيس التحرير المختار تحت الاختبار ستة أشهر أو سنة يتم فيها مراقبة حجم التوزيع، ومكاسب وخسائر المؤسسة، مبديا اعتراضه على مؤسسات قومية تخسر بالملايين فيما يظل نفس الشخص الذي تسبب بتلك الخسائر جالسا على كرسيها 15 أو 20 عاما. وصاية مجلس الشورى ورأى عزازي أنه لن يحدث تطور حقيقي في الصحف والمجلات القومية ما لم تتحقق شروط أهمها نسف وصاية مجلس الشورى، وأن تدار الإدارات العليا ويتم اختيارها ذاتيا من داخل الصحف، وأن تنفصل تبعية المؤسسات الإعلامية القومية عن السلطة. وأشار إلى أن السلطة السياسية الموجودة حاليا عندما تختار صحفي وتكافئه لكي يشغل منصب رئيس تحرير تتوقع منه في الوقت نفسه أن يدافع عنها وعن مصالحها، ولو على حساب المهنية والمصداقية قائلا: "نظامنا السياسي بلا مشروع ولا رؤية يمكن لأحد الدفاع عنها، ونأمل لزملائنا النجاة من زنزانة النظام، وأمام زملائنا فرصة لكي يثبتوا أهلية مهنية ومصداقية مع القارئ، وإذا لم يثبتوها فهم والنظام إلى الجحيم". في حين أشار إلى نقطة أخرى، وهي تنافس الصحف القومية مع الصحف المستقلة، خصوصا أن الأخيرة شهدت طفرة غير مسبوقة، وتوزيعها يتعدى بكثير توزيع الصحف والمجلات القومية، ذاكرا السبب بأنه يعود إلى المسافة التي أوجدتها الصحف المستقلة بينها وبين النظام. نظرية "جمال مبارك"
الكاتب الصحفي صلاح عيسي رفض الهجوم الذي يشن على الاختيار الأخير، واصفا رؤساء التحرير الذين تم اختيارهم بأنهم زملاء مهنيون محترمون، واعتبر كل من يدفع في ذلك هم من تضايقوا لعدم اختيارهم. وأضاف: "للأسف الناس لا يعجبها شيء، طالبوا بدماء وأجيال جديدة فإذا جاءت الأجيال الجديدة يقولون إن تصعيدهم جاء بناء على تقارير أمنية، أو لهم صلة بجمال مبارك، شيء فج.. إذا حدثت صغيرة وكبيرة يقولون جمال مبارك، بالأمس كانت نظرية (المؤامرة)، واليوم نظرية (جمال مبارك)". |
تعليم الأطفال في اليابان..صناعة البشر
قبل 13 عامًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق