الخميس، 21 مايو 2009

آخر ما قال محمود أمين العالم ...المناضل اليساري

- إسلام أون لاين " إضغط هنا " .

الراحل دكتور محمود أمين العالم
الراحل دكتور محمود أمين العالم

كان موعدنا يوم الإثنين 12-1-2009 لإجراء حوار شامل حول موقف المثقفين العرب من العدوان الوحشي على غزة، وموقف الأنظمة العربية، وكان كريما كعادته فلم يشأ أن ينهي الاتصال التليفوني دون أن يتحدث في الموضوع كأنه شعر أن الموعد لن يتم.. وبالفعل لم يتم فقد رحل أمس السبت 10-1-2009 المفكر والناقد اليساري المصري محمود أمين العالم، الذي فارق الحياة إثر أزمة قلبية داهمته فجرا عن عمر ناهز الـ 87 عاما، بعد حياة حافلة بالمعارك السياسية والفكرية، تقلد فيها العديد من المناصب ذات الصلة بالشأن الثقافي والفكري، كما تعرض للسجن أكثر من مرة والفصل من عمله بالجامعة، فضلا عن تعرضه للهجرة القسرية إلى فرنسا، وسحب الجنسية المصرية منه أثناء حكم الرئيس السادات.

القضية الرئيسية

أكد "محمود أمين العالم" أن القضية الفلسطينية ستظل دائما القضية الرئيسية والمحورية، سواء عند الشعوب أو عند المثقفين العرب، كما اعتبر أن من يسيطر على الدولة الفلسطينية يسيطر على العالم العربي بأكمله؛ لكونها قلب المنطقة.

وأضاف قائلا: "في الوقت الذي فشل فيه المشروع الصهيو- أمريكي في العراق، حاول تعويض هزيمته في فلسطين، عن طريق رأس الحربة الأمريكية، والوكيل الرسمي لأمريكا بالمنطقة وهي إسرائيل التي ليس لها قيمة بالأساس بدون السند الأمريكي، فهي ليست بلدة كبيرة لا من حيث السكان ولا الموارد، لكنها مدعومة أمريكيا؛ لأنها رسول الطليعة الأولى للإمبريالية الأمريكية للسيطرة على المنطقة بأكملها، كما أن جوهر إسرائيل هو جوهر النظام الرأسمالي، والبقاء عليها والدفاع عنها هو لخدمة هذا النظام".

ورفض "العالم" أن تكون القضية الفلسطينية قد تراجعت على أجندة المثقفين، معتبرا أن الكتابات الثقافية والفكرية ضد الصهيونية لم تتوقف، ونضالات المثقفين العرب لأجل القضية الفلسطينية لم تتراجع، ودلل بعدم غياب المثقفين العرب عن التواجد داخل الحركات السياسية المساندة للنضال الفلسطيني.

ورأى المفكر الراحل أن المثقفين كانوا في طليعة المواجهة مع المحتل الصهيوني، ويذكر في ذلك تجربته الشخصية حيث يقول: "الانكسار الذي حدث لمصر بعد هزيمة 67 أعقبه صحوة تمثلت في حرب استنزاف طُمست معالمها، وتم تجاهل تاريخها فيما بعد كأنها لم تكن، كما حشدت قوات من المثقفين تم إرسالهم للاتحاد السوفييتي وألمانيا الشرقية تمهيدا لتغيير فكر سياسي شامل للوطن".

يضيف "العالم": "لكن حدث تراجع حاد في دعم القضية الفلسطينية خصوصا بعد "الجريمة الساداتية"؛ حيث اعترف بإسرائيل، وزار تل أبيب، وتم إجهاض المشروع القومي العربي على يد السادات الذي قام بعملية استئصال، لكن من يعادي سياسته! فأنا مثلا سحب جنسيتي وأنا في باريس، وقام بطرد زوجتي المرحومة "سميرة الكيلاني" من التلفزيون المصري، وهو ما أصابها بهم ضاغط عجل بوفاتها".

واعتبر أن عدم الوقوف مع المقاومة هو رضوخ وخنوع عربي، وأن الأنظمة العربية المتواطئة مع المحتل الصهيوني سيأتي اليوم الذي تقف فيه أمام شعوبها تحاسب فيه حسابا عسيرا جراء ما اقترفته من عمالة، ووقوف ضد مصالح الشعب الفلسطيني المناضل وهو ما أسماه: "الخيانة الكبرى".

كما أكد "العالم" أن المعركة ليست مع اليهود بأي حال من الأحوال، بل اعتبر المعركة مع الصهيونية العالمية التي عدها أختا ووجها من وجوه الرأسمالية والإمبريالية العالمية؛ حيث قال: "اليهود فيهم أناس في غاية الاحترام، ومنهم من قاوم الصهيونية ورفض قيام كيان عبري، والصهيونية في الأساس فكرة علمانية، ومؤسسوها ملحدون، لكنهم استغلوا نصوصا من العهد القديم للتغطية على مشروعهم القميء".

السكرية

العالم من مواليد حي الدرب الأحمر 18 فبراير عام 1922، بدأ دراسته الأولى في كتّاب بحارة السكرية، ثم في مدرسة الرضوانية الأولية في حي القرية، ثم في مدرسة النحاسين الابتدائية بحي الجمالية، ثم في مدرسة الإسماعيلية الثانوية الأهلية بحي السيدة زينب، ثم مدرسة الحلمية الثانوية بالقرب من حي القلعة، والتحق العالم بعد شهادة الثانوية (البكالوريا) بكلية الآداب -قسم الفلسفة- جامعة فؤاد الأول (القاهرة اليوم)، وحصل على شهادة الليسانس.

حصل على درجة الماجستير من الكلية نفسها في موضوع (فلسفة المصادفة الموضوعية في الفيزياء الحديثة ودلالتها الفلسفية) والتي حصل بها على جائزة الشيخ مصطفى عبد الرازق في الفلسفة، وسجل بحثا للدكتوراه حول الضرورة في العلوم الإنسانية، وتم تعيينه في قسم الفلسفة بعد حصوله على الماجستير مدرسا مساعدا للمنطق ومناهج العلوم.

وتم فصله في نفس العام أي 1954 مع عدد آخر من الأساتذة والمدرسين من مختلف كليات جامعة القاهرة لأسباب سياسية، كما تم فصله من الإعداد لرسالة الدكتوراه.

بعد فصله عمل في إعطاء دروس خاصة في الفلسفة والمنطق واللغتين الإنجليزية والفرنسية حتى التحق بمجلة روزاليوسف مسئولا عن افتتاحيتها السياسية التي كان يغلب عليها الطابع النقدي للأوضاع غير الديمقراطية، كما أخذ يكتب فيها مقالات في النقد الأدبي التي كان قد بدأها قبل فصله من الجامعة في جريدة الوفد المصري بمقال مشترك مع صديقه د.عبد العظيم أنيس ردا على مقال الدكتور طه حسين في جريدة الجمهورية حول مفهوم الأدب، وبهذا المقال بدأت معركة نظرية في مجال الأدب كان لها تأثير على المستوى العربي عامة وفي تنمية الاتجاه الواقعي الجدلي في النقد الأدبي.

وحياة "العالم" حياة حافلة بالنضال الحركي والفكري والثقافي؛ حيث اعتقل محمود أمين العالم في عهدي الرئيسين المصريين الراحلين جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات أكثر من مرة؛ كانت أطولها فترة اعتقال امتدت من عام 1959 إلى عام 1964 انتقل فيها بين عدة معتقلات؛ حيث انتهت إقامته في معتقل الواحات مع عدد كبير من قيادات اليسار في تلك الفترة.

وبعد الإفراج عنه تولى عدة مناصب بينها الإدارة العامة للمسرح؛ حيث شهدت فترة توليه هذا المنصب تقدما كبيرا في الحركة المسرحية، ثم تولى مجلس إدارة مؤسسة "الأخبار" الصحفية، والتي كانت تعتبر الصحيفة الناطقة باسم الدولة حينها، وفي الستينيات رفض حل الحزب الشيوعي قبل أن يوافق على حله، والدخول ضمن إطار "الاتحاد الاشتراكي" الذي أسسه الضباط الأحرار، بعد الدعم الذي حصل عليه النظام من الاتحاد السوفييتي، وبعد البدء ببناء السد العالي.

وبعد اعتقاله في فترة حكم الرئيس السادات سافر إلى باريس؛ حيث عمل مدرسا للفكر العربي المعاصر في جامعة باريس 8، وبقي هناك بشكل قسري منفيا لمدة عشر سنوات ساهم خلالها بإطلاق مجلة "اليسار العربي" من هناك، وبعد عودته إلى مصر (في الثمانينيات) أصدر مجلة "قضايا معاصرة" المستمرة الصدور حتى الآن.


صحفي مصري

ليست هناك تعليقات: