الخميس، 21 مايو 2009

علي الغتيت: المحكمة قادرة علي إبطال عقود البيع لليهود

Image
أحمد عبد الحميد يحاور دكتور الغتيت
إسلام أون لاين

لم يكن دم الغزاويين قد جف بعد حين أجابت إسرائيل عن السؤال الأهم الذي تردد أثناء المذابح طويلا.. ماذا بعد غزة؟ إنها القدس إذن بالتهجير القسري والإرهاب وهدم البيوت على رؤوس أصحابها وأخير أعلن الإسرائيليون عن نيتهم هدم ألف وثمانمائة بيت في القدس ضمن خطة تهويدها وتغيير واقعها ويرمي مشروع "التهويد" إلى محاصرة العرب مسلميهم ومسيحييهم، وتضييق الخناق عليهم مع تهجيرهم، وتوسيع حدود القدس الغربية، وطمس معالم القدس الشرقية بعمليات الاستيطان والبيع حتى تضيع الهوية المقدسية في مشروع ما يسمى بـ"القدس الكبرى"!.

التقينا الدكتور علي الغتيت نائب رئيس الجمعية المصرية للقانون الدولي ومحامي المفكر الفرنسي روجيه جارودي والممثل الإقليمي للمجموعة العربية بالنقابة الدولية للمحامين الذي حدثنا عن الخطوات القانونية اللازمة لاسترداد الحقوق المسلوبة في أرض 48 وأراضي القدس الشريف، وعن الدور العربي السلبي الواهن الذي يساعد إسرائيل كثيراً في استكمال مخططها لتهويد وإحكام السيطرة على مدينة القدس.

* في تقرير سري للاتحاد الأوروبي -نشرته الجارديان البريطانية قبل عدة أيام- اتهم التقرير الحكومة الإسرائيلية باستخدام التوسع الاستيطاني وهدم المنازل والسياسات الإسكانية العنصرية وإجبار السكان العرب على بيع أراضيهم ومنازلهم كوسيلة "للعمل المكثف على استيلاء غير قانوني" على القدس الشرقية، هل يمكن التشكيك في عقود بيع أراضي العرب -التي تم بيعها كرهًا أو غصبًا- لليهود، وما هي العوائق في هذا المجال؟

- يمكن المطالبة بهذه الحقوق طبقاً للقوانين الدولية، عن طريق وضع عقود بيع أراضي العرب لليهود محل التشكيك في دوائر العلوم السياسية والعلاقات الدولية؛ وذلك بالحديث عن أراضي تم بيعها تحت الضغط، والإكراه، والابتزاز، والإجبار، وهو أمر ممكن واقعيًّا فهناك حالات شبيهة حدثت بالفعل منها ما حدث في البوسنة والهرسك، عندما تم إرجاع أراضٍ للمسلمين البوسنيين التي استولى عليها الصرب والكروات بنفس الطريقة.

ولو استطاع العرب والفلسطينيون أن يثبتوا أن هناك ابتزازًا أو إجبارًا حدث عند بيع هذه الأراضي فهذا أمر يمكن ملاحقته، ولن نصل اليوم لاسترداده، لكن سنصل على الأقل لتثبيته وتوثيقه حين يأتي أوانه.

* وهل ثمة جدوى في الالتجاء إلى محكمة العدل الدولية الفرع «القانوني/القضائي» للأمم المتحدة، للمطالبة بهذه الحقوق، أو على الأقل إثبات وتفعيل القضية؟ إذا كان هناك جدوى فلماذا لا نجد موقفا عربيا رسميا يعمل على متابعة هذه القضايا؟

- بالطبع هناك أهمية في اللجوء لمحكمة العدل الدولية، ورفع قضايا بهذا الشأن حتى ولو امتدت لعشرات السنين، فالقضية ليست صغيرة إنما هي قضية أمة وشعب بأكمله لا يمكن التغاضي عنها.

‏الموقف الأمريكي

* جاء في خطاب الرئيس الأمريكي "كارتر" في 22 سبتمبر (1978) أن "الموقف الأمريكي من القدس هو عدم الاعتراف بالإجراءات لتغيير موقع مدينة القدس"، لكن الموقف تغير، حينما اتخذ مجلس الشيوخ الأمريكي قراراً ينص على الاعتراف الرسمي بالقدس عاصمة لإسرائيل، مع إلزام الحكومة الأمريكية بنقل سفارتها إلى القدس، هل يؤثر فعلاً القرار الأمريكي على وضعية وملف القدس؟

- التغير حدث بسبب الهرولة وراء استرضاء اللوبي الصهيوني، والاسترضاء يزداد مع كل إدارة أمريكية تأتي للسلطة سواءً كانت ديمقراطية أو جمهورية، لكن لن يغير أي قرار أمريكي من وضعية القدس، أو انتسابها للشعب الفلسطيني، وها هي أمريكا اتخذت قراراً بنقل سفارتها إلى القدس فهل تجرؤ فعلا على تنفيذ القرار.

* وهل وجود أوباما على رأس الإدارة الأمريكية الجديدة يمكن أن يغير الموقف تجاه قضية القدس؟

- في رأيي لن يتغير؛ لأن القضية الفلسطينية ومعها بالتالي "ملف القدس" تمثل للإدارة الأمريكية - سواءً كانت ديمقراطية أو جمهورية – موقفا ثابتا تتفق فيه كلتا الإدارتان على كونه ثابت إستراتيجي.

* هل تقل القيمة القانونية لمصطلح "القدس الشرقية" في القرارات الدولية بسبب تغيير الواقع على الأرض في القدس في مرحلة المفاوضات النهائية؟

- منذ العدوان الإسرائيلي على القدس عام 1967م وحتى الآن، لم يوجد قرار خرج من أروقة الأمم المتحدة إلا وذكر مسمى "القدس الشرقية"، وهو مصطلح وارد في قرارات مجلس الأمن، والجمعية العمومية للأمم المتحدة، واحتمالية أن تتأثر القيمة القانونية لعبارة "القدس الشرقية" كبيرة إذا كانت إسرائيل تقوم بإفراغ القدس الشرقية من سكانها بعد طردهم، وإحلال مستوطنين يهود مكانهم، ووجود عناصر تتخلى طوعاً عن مساحات من القدس الشرقية على النحو الذي يمكن لإسرائيل أن تتملك القدس الشرقية، ما لم يكن هناك رد فعل فلسطيني وعربي واضح.

* كيف يتم قانونًا وقف الصفقات المشبوهة التي قد تتم بين أفراد أو مؤسسات وإسرائيل؟

- لا نستطيع أن نوقف عمليات البيع للأسف؛ لأننا لا نستطيع أن نقول للمستثمرين الصهاينة أوقفوا الإغراءات التي تقومون بها لأجل الشراء، لكن من يعقد الصفقة يجب أن يمتنع عن البيع، كما أن على أصحاب الأرض كممثلين في السلطة الفلسطينية، وكذلك الفلسطينيين الموجودين بالقدس عليهم أن يسجلوا اعتراضهم على عمليات البيع.

يجب أن يتم إثبات أن هذا التصرف هو تصرف غير مقبول، وتستطيع السلطة الفلسطينية ومعها ممثلون من الشعب الفلسطيني بالقدس المتضررون من عملية البيع أن يرسلوا برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أو ممثله في فلسطين شاكين له بأن العقود التي تم إبرامها بين أناس قبلوا البيع -كما حدث مثلاًَ من الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية- أو من أناس تم إجبارهم على البيع، أو تم ابتزازهم هي عقود باطلة، وإثبات موقف يتم توثيقه والإعداد فيما بعد لحين مجيء مفاوضات نهائية وحاسمة، أو لحين نصبح مؤهلين بشكل كامل على استرداد حقوقنا المسلوبة سواءً في أراضي 48 أو في القدس الشريف.

العقل العربي

* و إذا كان هناك حرية في البيع والشراء بهذه الكيفية من قبل بعض الأشخاص أو المؤسسات، فلماذا لا تقوم الدول العربية تحت مظلة الجامعة العربية بإنشاء لجنة تقنن من هذا الوضع أو على الأقل تعمل على شراء الأراضي المبيعة؟

- العقل العربي الآن هو عقل كسلان، لا يتعلم، تالف، مغيب، منوم مغناطيسيًّا، ولذلك يسهل التوهيم والخلط عليه، ويسعده من يعفيه من الجهد، أصبح متقبلاً وبرغبة كاملة لخطط العدو، بل وأحياناً منفذا ومستجيبا لها حتى ضد أخيه!!.

وهناك واقعة تبين مدى التفاوت الذي أصبحنا عليه بين الأمس واليوم، في عام 1946م، قبل حوالي 9 أشهر من إنشاء جامعة الدول العربية، كانت هناك جماعة وطنية، اسمها "النهضة القومية"، وكانت هذه الجماعة تضم أسماء لامعة سياسية وقانونية واجتماعية في حينها، منهم الدكتور إبراهيم البيومي مدكور، ومارييت غالي أخو بطرس غالي رئيس وزراء مصر في أوائل القرن العشرين، ومحمد رشدي، والدكتور وحيد رأفت، ومحمد علي الغتيت، وتم إنشاء هذه الجماعة على أساس أن تأخذ على عاتقها وضع رؤية إستراتيجية لحلول مشاكل الأمة المصرية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فوضعوا حلولاً لكيفية استلام قناة السويس، وإلغاء الامتيازات، وعملية للإصلاح الزراعي، لكن ليس بنفس الشكل الذي حدث بعض ثورة 1952م.

من ضمن هذه المسائل المهمة، أنهم اقترحوا إنشاء "بنك عقاري عربي" يعمل على شقين، الشق الأول تمويل أصحاب الأراضي الفلسطينية الذين يعجزون- بسبب الأعباء الاقتصادية والمعيشية- عن الاستمرار في الزراعة.

والشق الثاني: شراء الأراضي التي يحاول اليهود شراءها، وتمويل شراء الأراضي من العرب الذين يريدون بيعها اضطرارا أو احتياجًا أو رغبة في الرحيل، وبالفعل بعد إنشاء الجامعة العربية أخذت بهذه التوصية فتم إنشاء بنك عربي تحت مسمى "البنك العربي العقاري" تكون مهمته هي تمويل شراء الأراضي من العرب الفلسطينيين، وللأسف تم إنشاء البنك لكن لم يتم أي إجراء لتنفيذ المهمة التي أنشئ من أجلها، وتحولت مهمة البنك لنشاط تجاري بحت.

* قواعد القانون الدولي لا تخوّل دولة الاحتلال إلا سلطات محدودة من أجل تمكينها من إدارة الإقليم الخاضع لها، هل هذا يعني ضمنيًّا بطلان أي إجراءات تشريعية أو إدارية تقوم بها سلطات الاحتلال لتغيير الأمر الواقع في القدس وفقا لتلك القوانين؟

- من الأصول الدستورية العامة في القانون الدولي، وأعني المسائل المقطوع بها ولا يحتاج في شأن إقرارها أو تنفيذها أن يَصدُر قرار دولي، أو حتى تُبرم معاهدة لإنهائها لأنها صارت من المسائل المستقرة في النظم الدستورية الدولية، ومن هذه المسائل أنه لا حق لمغتصب أو محتل، لا حق له في أن يجني ثمار ما اغتصبه أو يكتسب حق ما عليه، وهذا القانون مبدأ أساسي موجود في كل الشرائع سواءً في الشريعة الإسلامية، أو الفقه المقارن، أو القانون الروماني، أو حتى في الشريعة المسيحية التي تنص على أنه (لا تغفر الذنوب إلا برد المسلوب).

وبالتالي لا يجوز للمحتل الإسرائيلي أن يغير من أوضاع أو معالم الأراضي المحتلة، ومقتضى هذا أن أرض فلسطين كاملة ما وقع بها من استيلاء واستيطان وطرد لفلسطينيين أمر لا يمكن أن يترتب عليه أثراً قانونيًّا لصالح إسرائيل.

سلطة الاحتلال العسكرية هي سلطة غاصبة وعليها الالتزام بعدم العدوان على الحقوق، وبرغم أن الاحتلال له سلطة فعلية فإنه ليس له سلطة مشروعية، فلا يجوز له إعطاء حق التصرف فيما تحت يديه، لذلك فكل العقود المبرمة هي عقود باطلة حتى ولو قام الفلسطيني بالإمضاء عليها، واستلم على ذلك مالا.

وبمعنى آخر لا تُهدر الحقوق المحفوظة، ولا يوجد فيها تفاوض، بل إن الحقوق الأساسية إن حصل تنازل عنها فهو أمر غير منتج لآثاره، لكن كل ذلك مرتبط بأمر مهم وهو الجهة المطالبة بالحقوق التي تستطيع تفعيل الإجراءات لاستعادة ما سلب من حقوق، لدينا في القانون قاعدة تقول إن "الحق هو الدعوى"، فإن لم تتواجد دعوى، بالتالي لن يصير هناك حق يمكن استرداده!.

* لماذا يتم الربط دائما بين الإعمار والاعتراف بإسرائيل؟

هم يريدون أن تعترف المقاومة بإسرائيل، ومعنى الاعتراف أن نلغي حق الفلسطينيين في أراضي 48، والأهم إلغاء الحق في "شرعية المقاومة"، فعند مقاومتك لإسرائيل وأنت غير معترف بها عندئذٍ أنت تقاوم محتلا، ولك كامل الحق في ذلك، لكن عندما تعترف به عندها يسقط حقك كمقاوم؛ لذلك فهم يربطون بين الإعمار والشرعية.

*وهل يمكن إقامة ورفع دعاوى أمام المحكمة العليا الدستورية الإسرائيلية لاسترداد أراضي مسلوبة، أو بطلان عقود معينة؟

ما نصحنا به إخواننا الفلسطينيين دائمًا هو أهمية أن تُثار هذه المسائل أمام القضاء الإسرائيلي، وبالطبع لن يحكم القضاء الإسرائيلي لصالح الفلسطينيين، لكن على أقل تقدير يجب أن نثبت أن القضاء الإسرائيلي اعترض على إرجاع الحقوق للفلسطينيين، ولا بد من إثبات رسمي بأننا تحركنا ورفعنا دعاوى وخسرناها نتيجة تزمت قضاء السلطة المحتلة، حتى إن أتينا بعد عشر سنوات أو حتى بعد ألف سنة ونجلس في مفاوضات نهائية وحاسمة نستطيع المطالبة بحقنا؛ لأننا قمنا بعمل "إثبات حالة"، وأستطيع عندها المطالبة بهذا الحق ما دمت أمتلك الوثائق والسندات التي تثبت أني لم أتنازل عنه

ليست هناك تعليقات: