الجمعة، 22 مايو 2009

جمعية عمارة الأرض ..رفاهية القش

Image
بيت الصدفجي بالدرب الأحمر

قد تفاجأ إذا علمت أن بيتا بسيطا مبنيا في منطقة شعبية يحقق بعض رفاهية مسكن أغلى ثمنا، وأعلى في المستوى، فالقاعدة التي تقول: "إن المسكن الأعلى رفاهية هو دائما الأعلى ثمنا" قد لا تتحقق علي الدوام.

مجموعة من المهندسين المصريين استطاعوا أن يؤسسوا جمعية حملت اسم " الجمعية المصرية لعمارة الأرض" تأثروا بفكر المعماري المصري "حسن فتحي" صاحب الأطروحات والأفكار الأشهر في عالم العمارة المرتبطة بالبيئة والمحلية، ولكن كان تأثيرهم الأكبر والأهم هو تحويل هذه الأفكار لمشروعات حقيقية، لبناء مساكن أكثر ملائمة في المعيشة وأقل في التكلفة لسكان المناطق العشوائية والمهمشة والطبقة الوسطى التي تكاد تنمحي تحت وطأة الغلاء.

وجاءت الأحداث المأساوية لانهيار صخور من جبل المقطم على منطقة الدويقة العشوائية، وقبلها ارتفاع أسعار الحديد ومواد البناء، لتصبح أطروحاتهم ومشروعاتهم، تجربة تستحق أن توضع في بؤرة الاهتمام.

بناء أكثر أناقة بتكلفة أقل

فكرة الجمعية نشأت كما تقول المعمارية "نشوى إبراهيم" عضو مجلس إدارة جمعية عمارة الأرض، حينما كانت هي ومجموعة من زملائها المعماريين في ورشة عمل عن "البناء بالأساليب المتوافقة"، وكان المحاضرون مجموعة من الألمان يتبعون مؤسسة "Basin" الألمانية، وهي شبكة معلومات مهمتها الأساسية نشر هذه الثقافة.

تضيف نشوى: "كنا حينها 11 مهندسا معماريا، فكرنا في عمل شيء مقارب لفكر الجمعية الألمانية، أو على الأقل يمشي على نفس نسق ومنهج المعماري المصري "حسن فتحي"، فخرج ذلك في صورة جمعية أهلية تم إنشاؤها في عام 1997 والآن تجاوز عدد أعضائها الثمانين".

ويأخذ المهندس وائل صبري –أحد مؤسسي الجمعية- طرف الحديث منها فيقول: "فكرة الجمعية ببساطة قامت على أساس أن 90% من المعماريين يخدمون بشكل جيد 5% من سكان مصر وهم الطبقة العليا، بينما الطبقة المتوسطة التي تدفع ربع راتبها الشهري كإيجار في مسكن لا تمتلكه، أو الطبقات الفقيرة التي تعيش في بيوت غير ملائمة يمثلون 95% من السكان، وهم غير قادرين على الدفع لمعماريين يمكنوهم من امتلاك بيت جيد ومناسب".

منطقة الشرق الأوسط تاريخيا حتى القرن العشرين كانت تضع نصب أعينها عامل المناخ، فيتم اختيار من مواد البناء ما يعزل عنها الحرارة وما يمتصها، حسب مناخ المنطقة التي سيقام بها البناء. كما كان يربط المعماري شكل البناء بالمنطقة التي سيتم البناء فيها، وفي النهاية كان يخرج المبنى متناسقا مع ثقافة وشكل البيئة التي بُني فيها.

وتضرب نشوى مثالا على هذا بالفلاحين في الريف المصري، حيث كانوا يبنون في بيوتهم فرنًا ليست مهمته فقط صنع الخبز، ولكن كان يتم تشغيله في ليالي الشتاء شديدة البرودة لتدفئة البيوت. ومباني النوبة كلها كانت مبنية بالطوب اللبن، ومطلية باللون الأبيض لعكس أشعة الشمس، كل هذه الأشياء صارت لا توضع في البال، الناس الآن تقوم ببناء مساكن عشوائية التصميم والشكل، ومكلفة جدًا لدرجة أنك تسير في الريف أو في منطقة عشوائية تشعر كأنك تسير في "غابة أسمنت".

تضيف نشوى: "نستخدم في مشاريعنا كل الطاقات الطبيعية من رياح وشمس ومياه في استكمال شكل المبني"، وضربت مثالا بالمباني التي قاموا بإنشائها في المناطق الشعبية بالدرب الأحمر بقلب القاهرة التاريخية، ومنطقة سانت كاترين بجنوب سيناء والخاصة بالبدو.

فلمعالجة البرودة الشديدة بمنطقة دير سانت كاترين، يقومون بوضع خزان مياه على سطح البيت يمتص أشعة الشمس الحارة نهارا فتسخن مياه الخزان، وفي الليل يتم فتح محبس يقوم بإنزال المياه الساخنة، لتسير في مواسير يتم وضعها تحت أرض المسكن بمسافة كافية تعمل على نشر الحرارة بشكل جيد داخل المنزل.

كما يقومون ببناء مساكن البدو أو المساكن العشوائية بطوب غير أسمنتي، يتم صنعها من المواد المحلية كالطينة الصحراوية والطفلة والرمل والجير مضافا إليها نسبة مياه خفيفة ويتم دكها يدويا، أو بمدكات كهربية لصنع طوب "أرخص وأفضل جودة من الطوب العادي" كما يقول المهندس صبري.

ولمعالجة مشكلة التهوية في البيوت الضيقة والمعزولة خصوصا في المناطق الشعبية، يقول المهندس صبري: "نستخدم ملقف الهواء لجلب التهوية من الخارج، وهو عبارة عن شكل أسطوانة ملتوية توضع في جزء من البناء المعرض للهواء، أو "منور" يقوم بنقل التهوية إلى المنطقة الداخلية المعزولة، كما نعيد استخدام المشربية في تصميم البيوت للتغلب على مشكلات التهوية، والإطلال على الخارج لكن في التطبيق الأخير تُراعى إمكانيات العميل.

وهكذا يسيرون علي نفس المنوال في الديكورات، وشكل الأسقف والأبواب، في استخدام مواد أو تصميمات ملائمة للبيئة وأرخص ثمنا.

لكن المشكلة التي تقابل جمعية عمارة الأرض هي عدم معرفة عدد كبير من الناس بما يقدمون من خدمة، حتى يمكنهم الاستفادة بالمساعدة والاستشارة والتي تكون شبه مجانية، كما يواجهون صعوبة في تنفيذ كم أكبر من مشروعاتهم، بسبب نقص الدعم المادي لديهم، فليس لديهم أي دعم مستمر من أي هيئة حكومية أو غير حكومية، والدعم الضعيف الذي تسير به الجمعية يأتي مقابل المعونة الفنية، أو المقترحات التي يقدمونها للمشروعات، أو عمليات البناء التي يشرفون عليها.

عمارة الأرض توعية ومشاريع

بخلاف بناء المساكن وتقديم الاستشارات والدعم الفني لشركات المقاولات، استطاع المهندسون بجمعية "عمارة الأرض" تنفيذ برامج تثقيفية وتدريبية لنشر ثقافة وفكر "البناء الموائم للبيئة"، فقاموا بعدة مشروعات تدريبية، وأجروا سلسلة من الحلقات الدراسية للتوعية العامة بشأن "بناء وإصلاح القاهرة التاريخية".

كما قاموا بتنفيذ برنامج تدريبي لإنتاج طوب مضغوط من الطين كبديل عن مواد البناء بمدينة العاشر من رمضان، والمشاركة في التخطيط لمنطقة بولاق، وتنفيذ برنامج لدعم مشروع تدريب الحرفيين والسكان لإعادة بناء المساكن والمنازل بشكل ملائم للبيئة.

ومن المشاريع الجيدة التي قامت بها الجمعية مشروع "المعماري الصغير"، وهو برنامج تثقيفي وعملي، حيث قاموا بعمل ورشة اشترك فيها الأطفال من داخل منطقة الدرب الأحمر، وقاموا من خلالها بإعادة ترميم وبناء بيت "الصدفجي" بالدرب الأحمر بالقاهرة التاريخية، وهو بيت معماري أثري تجاوز عمره المائة عام ومقر الجمعية بهذا البيت الكائن بشارع أبو حريبة بالدرب الأحمر.

أبنية القش

يذكر أن هناك تجارب سباقة تعدت أيضا مرحلة التنظير لمفهوم "البيوت الملائمة" إلى درجة تبني بعض الحكومات لها، فألمانيا علي سبيل المثال عاودت استخدام مادتي القش والطين في تشييد البيوت الحديثة كونها صديقة للبيئة، وكبديل لخفض التكاليف وتوفيرا للطاقة، كما تم استخدام القش كمادة للبناء يوفر عزلا أفضل من مواد البناء.

ووجد الألمان أن البناء بحزم القش الجديدة يهيئ كل سبل الراحة التي يتطلبها البيت العصري، فالألواح الشمسية المركبة على السقف توفر المياه الساخنة والكهرباء، وعزلا فعالا جدا بحيث لا تكون هناك حاجة لوسائل التدفئة الإضافية سوى في أشهر الشتاء القارس، كما وجد العلماء الألمان أن حزم القش المضغوطة أقل عرضة للاحتراق من مواد العزل الأخرى.

هناك أيضا ولكن على المستوي التدريبي والتعليمي "معهد الحياة الشمسية" بولاية سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة، والمعهد هو مؤسسة تعليمية غير ربحية تعمل على تدريب وتعليم الراغبين في تعلم تقنيات ومهارات وثقافة العيش الملائم للبيئة سواء في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة، أو الزراعة العضوية، أو البناء الملائم للبيئة.

الأردن من البلاد العربية المهتمة بتصميم وبناء الأبنية الملائمة للبيئة، وكان لها تجربة عربية رائدة حيث تبنت وزارة الأشغال العامة والإٍسكان هناك بناء أبنية موافقة للبيئة عُرفت باسم "الأبنية الخضراء".


الموضوع علي إسلام أون لاين

ليست هناك تعليقات: