الخميس، 21 مايو 2009

المقاطعة العربية ..مقاطعة " الطق حنك "



Image

بعدما قرر الخبراء فشل استخدام سلاحي النفط والسيولة التي تعالت الأصوات مطالبة الدول العربية باستخدامهما، خلصوا إلى أهمية استخدام المقاطعة الشعبية كسلاح للضغط ليس على الاحتلال وحده، وإنما عليه وعلى حلفائه.. ومن يساندونه في حربه ضد شعب سُلبت أرضه، وقُتل أطفاله.. وتشردت نساؤه.

والمقاطعة معركة تركها رجال المقاومة للشعوب تديرها وحدها خالصة بعيداً عن دوي المدافع، وهي كأي حرب لكي تنجح لابد لها من هدف واضح، وتحديد للخصم الذي سيُوَاجَه، وإلا فستُصْبح مثلها مثل كل المعارك الحنجورية .. لن تخرج عن عنوان " الطق حنك " كما يقول الشاميون .

موقع إسلام أون لاين استضاف الناشط السياسي أحمد بهاء الدين شعبان، عضو لجنة تنسيق الحركة الشعبية المصرية لمقاطعة السلع والشركات الأمريكية والصهيونية، والمقرر المؤقت للحركة الشعبية العربية للمقاطعة؛ حيث حدد بهاء الدين في حواره كيف يكون سلاح المقاطعة فعالا ومؤثرا بشرط إجادة استخدامه وترشيده؟.

جدوى المقاطعة

في البداية نوه المهندس بهاء الدين على مبدأ استخدام سلاح المقاطعة كسلاح فاعل في المواجهة؛ حيث اعتبره فكرة ليست وليدة اليوم، وإنما هي حركة عميقة التاريخ –على حد وصفه- وضرب أمثلة ناجحة للمقاطعة، فأشار إلى أن المصريين استخدموها في مواجهة الاحتلال الإنجليزي، حينما نادوا بمقاطعة البضائع الإنجليزية، وبناء مؤسسات اقتصادية مصرية خالصة، منها: مؤسسة بنك مصر، وما تفرع منها من هيئات وشركات، وكذلك حينما قاطعوا العمل في معسكرات الإنجليز.

كما أضاف أنها كانت السلاح الفعال في استقلال الهند؛ حيث لم تخض الهند معارك أو ثورات معروفة ضد الاستعمار الإنجليزي اللهم إلا ما عُرف باسم "الثورة السلبية" التي قادها رمزها الكبير المهاتما غاندي الزعيم الهندي؛ حيث كان سلاحها الأساسي مقاطعة المنتجات الإنجليزية، ومن ثم انتهت تلك الثورة بتحقيق الاستقلال للهند، وطرد المحتل البريطاني.

ثم يعقب بهاء الدين على نشاط حركة المقاطعة خلال مرحلة حرب 56 في مصر فيقول: "وقف العمال العرب في صف المقاومة الشعبية المصرية، وقاطعوا تحميل البضائع الأمريكية، والعمل في خطوط أنابيب البترول التي تنقله إلى الأعداء".

ثم أمثلة لحركات المقاطعة الحديثة في الوطن العربي، أهمها: حركة المقاطعة التي تصاعدت بعد الانتفاضة الثانية، حينما تعرض الشعب الفلسطيني لحملة إبادة متصاعدة شبيهة بما يحدث في غزة، وأيضا بعد احتلال العراق، وبعد اجتياح مدينة جنين الفلسطينية؛ حيث قاطعت الشعوب العربية والإسلامية في تلك الآونة مجموعة من البضائع والمنتجات الأمريكية ردا على الدعم الأمريكي غير المحدود للعدو الصهيوني.

ورد بهاء الدين على الفكرة التي تقول بعدم جدية وفاعلية "المقاطعة الاقتصادية"، حيث أكد على أن المقاطعة شديدة الجدوى، وأنها أثبتت فعاليتها بشكل كبير، واستشهد بالخسائر التي حدثت لشركة كوكاكولا إبان "الانتفاضة الثانية"؛ حيث خسرت الشركة في مصر وحدها ما يقارب نصف رأس مالها، بحسب إعلان للشركة نشر في الأهرام في تلك الفترة، وعزا بهاء الدين تلك الخسارة بسبب "حركة المقاطعة"، وأشار إلى أن تلك الحركة كانت ستودي بفرع الشركة في مصر لولا تدخل الفرع الأم في الولايات المتحدة.

ويذكر بهاء موقفا شخصيا له حينما زاره في تلك الفترة أعضاء مجلس إدارة شركة بروكتل آند جامبل التي تنتج مسحوق (إريال) للغسيل؛ وأبلغوه أن الشركة تعرضت لخسائر هائلة؛ بسبب موضوع المقاطعة، وأنهم على استعداد للقيام بأي خطوة مقبولة، حتى يمكن تجنبهم الموقف المقاطع.

يضيف بهاء: "طلبت موعدا آخر حضره عدد كبير من الناشطين في موضوع المقاطعة، وقدمنا مطالب للشركة كلها تصب في إعلان إدانتهم للعدوان الصهيوني، ودعم الشعب الفلسطيني في بيانات واضحة تنشر على منتجاتها، وأيضا تخصيص جانب من دخل الشركة لمساعدة أبناء الشعب الفلسطيني، فرفضوا بالطبع، وانتهى اللقاء بدون التوصل إلى أي نتيجة، وكنا نعرف أن هذا الأمر لن يقبل، لكنا أردنا أن نضعهم أمام تحد يكشفهم، ويعري انحيازاتهم".

الطريق لمقاطعة فاعلة

وحتى لا تكون حملات المقاطعة كالمواسم تطل وقت الأزمات والحروب، ثم تخبو، نوه المهندس أحمد بهاء الدين إلى أن حركة المقاطعة تحتاج إلى العديد من العناصر حتى يمكن ضمان نجاحها، أهمها: وضع أسس ومنهج منظم، ووضع خطة عمل مستمرة؛ لكي لا تصبح المقاطعة حركة موسمية ترتفع إلى القمة ثم تهبط إلى القاع.

وأكد بهاء الدين على أهمية شن حملات منظمة ومستمرة للمقاطعة تنشط في كل مكان، وتستهدف ليس فقط مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، وإنما رفع وعي الجماهير بضرورة التمسك بالروح الوطنية، واعتبار المقاطعة حركة لتأسيس وعي جديد يتم الاستغناء فيه عن السلع الاستهلاكية التي لا طائل من ورائها من أجل كرامة "المواطن العربي".

ووضح بهاء الدين أنه من الضروري الاتفاق على معايير موضوعية للشركات التي سيتم مقاطعتها؛ حيث يقول: "لا بد من تجنب الأخطاء التي تم ارتكابها في السنوات السابقة، ومنها: مقاطعة شركات نظن أنها على علاقة بالعدو الصهيوني والأمريكي، دون امتلاك وثائق حقيقية تؤكد هذا الأمر، ومنها: وضع شركات ضمن قوائم المقاطعة لمجرد أن أصحابها من النصارى، وهذا الأمر شديد الخطورة، ويمس مبدأ الوحدة الوطنية الجامعة.

المقاطعة على الطريقة الغربية

ويدعو بهاء الدين إلى الاستفادة من تجربة المقاطعة في الغرب معتبرا إياها أكثر تنظيما واستقرارا وعقلانية من تجربة العالم العربي، التي يعيب عليها النفس القصير، والانفعال ثم الخفوت؛ حيث يقول: "مشكلة المشاكل لدينا هي قصر النفس، وعدم القدرة على الاستمرار، وأعداؤنا يدركون جيدا هذه الآفة، ويراهنون على أننا سريعو الزهق، غير قادرين على بناء عمل مستمر، وسرعان ما تخفت حماستنا لأي قضية نتحدث عنها".

لكنه يشير إلى أن حركات شعبية مصرية استفادت من بعض التجارب؛ حيث يقول: "استفدنا من تجربة المقاطعة في الغرب عبر دراسة بعض نماذجها، وأشير في هذا السياق إلى دور عظيم لسيدة أمريكية اسمها "كريستن شايد"، وهي زوجة لأحد قادة حركة المقاطعة في لبنان، وهو الدكتور سماح إدريس، وهذه السيدة العظيمة تتولى ترجمة كل ما يتعلق بالشركات المقاطعة، وأرشفتها، وإعداد الدراسات الموثقة عن علاقاتها بالكيان الصهيوني".

وتنشر هذه الدراسات في مجلة "قاطعوا" التي تصدر عن حملات المقاطعة العربية بإشراف حملة "مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان".

مقاطعة الفرانشيز

ولا تقتصر عيوب حملات المقاطعة العربية على النفس القصير فقط، لكنها -أيضا- تقع في خطأ التعميم؛ حيث تضع كل المنتجات في خانة واحدة، غير ملتفتة إلى الفرق بين منتجات بأموال واستثمارات تحمل جنسية البلد المراد مقاطعتها (أمريكا أو إسرائيل مثلا)، ومنتجات تأخذ العلامة التجارية لشركات أمريكية وأوروبية، لكنها باستثمارات عربية، ولا تعتبر من فروع المنتج الرئيسي، لكنها تعطي الشركة الأم هامشا ضئيلا جدا من الربح لأجل استغلال "العلامة التجارية"، وهي ما تسمى بمنتجات الفرانشيز، ومقاطعة سلعة بهذا الشكل يعود ضرره على المستثمر والعامل العربي، ولا يتأثر المستثمر أو السوق الأجنبية إلا بضرر خفيف.

وينوه بهاء الدين في هذا الصدد على أهمية تحديد واختيار من تتم مقاطعته، حتى يتم توصيل هذه الرسالة بكفاءة، كما أكد أهمية وضع معايير موضوعية للمقاطعة، وأن يتم الاعتماد في ذلك على معلومات دقيقة، "حتى لا تصبح مقاطعة عشوائية تؤذينا أكثر مما تؤذي عدونا"، كما يقول.

-الموضوع علي إسلام أون لاين.



ليست هناك تعليقات: