-الموضوع علي إسلام أون لاين. | ||
مشروع الأبعاد الحضارية للعلاقات الدولية حمل عنوان "التأصيل النظري للدراسات الحضارية" لمجموعة دراسات خرجت في سبعة أجزاء، شارك في وضعها فريق بحثي من تخصصات مختلفة؛ ما بين باحثين في العلوم السياسية، والاجتماعية، والدراسات الإسلامية، ومقارنة الأديان، والفلسفة، والثقافة. في البداية نوهت الدكتورة نادية مصطفى مديرة الندوة، ومحررة المجموعة، إلى أن هذا المشروع عبر عن زيادة وزن الأبعاد الثقافية والحضارية، وقبلهما الأبعاد الدينية والاجتماعية على مسار العلاقات الدولية، بحيث طفت الأمور المرتبطة ارتباطا وثيقا بالثقافة والحضارة والعلم على السطح بقوة، مختلطة ومؤثرة بفاعلية في الأبعاد السياسية والعسكرية والاقتصادية. وضربت الدكتورة نادية مثالا بالحرب على الإرهاب، والتي اعتبرتها في الأصل قضية فكرية، كان من تداعياتها هذا الحراك السياسي والعسكري، كما اعتبرت أيضا الحوار بين العالم الإسلامي والغربي لا يدخل فقط تحت لافتة الثقافة، وإنما يحمل في تكوينه وامتداداته أبعادا سياسية. ولهذا رأت أن برنامج "تأصيل الدراسات الحضارية" الذي تبلور في مجموعة أجزاء سبعة والصادر عن "دار الفكر العربي بدمشق"، برنامج يعمل على تأصيل علاقة واضحة ومفهومة بين الدين والثقافة والحضارة. العولمة والإسلام رؤيتان للعالم الدكتور سيف الدين عبد الفتاح أستاذ النظرية السياسية بكلية العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومؤلف الجزء السابع من المجموعة، والذي حمل عنوان "العولمة والإسلام رؤيتان للعالم" أكد في قراءته لبحثه على أن العولمة ليست مفهوما فقط، وإنما هي عملية تجري بشكل ممنهج على أرض الواقع؛ حيث يقول: "كلمة العولمة باللغة الإنجليزية وهي globalization"" تحتوي على المقطع ization، والذي يفيد بالضرورة أنها عملية يحاول معتنقوها والمؤمنون أن يمكنوا لها على الأرض مثلها مثل أي دين، وبالتالي فالعالم يُراد له أن يُنمط على شاكلة واحدة، والغالب يريد أن يُغلب منظومته الفكرية الأساسية على الجميع". والعولمة -من وجهة نظره- "مفهوم مكتسح" يعمل على تنميط العالم والكون والإنسان، يريد أن يُقدم رؤية تُفرض فرضا على البشرية بما يمتلك من قدرات ووسائل؛ مفهوم يساعده ويقف من ورائه مؤسسات ضخمة وصناعات فكرية، واقتصادية، وسياسية، وكثير من المؤسسات التي يُشار إليها بالبنان وتُعد واحدة تُلو الأخرى على حد وصفه. وفي هذا الإطار يرى أنه لا بد علينا أن نقدم شكلا ومنظورا للحياة مختلفا ومتميزا، ويطرح الدكتور سيف الإسلام كبديل وكمفهوم يرتبط بالذاكرة الحضارية، والذي برأيه ليس لافتة لدين فقط، وإنما هو عنوان على الدين والثقافة والحضارة، ومن ثم فهو جدير أن ينتج رؤية معتبرة بديلة عن رؤية العولمة. المفاهيم.. كالعرض والأرض يوضح الدكتور سيف أنه في بحثه وضع ثلاث قراءات في العلاقة بين المفاهيم، وقبلها نوه على أهمية "عالم المفاهيم"؛ حيث استشهد بكلمة الأديب مصطفى صادق الرافعي الذي قال: "المفاهيم كالعرض والأرض"، واعتبر أيضا المفاهيم تأتي كالجيوش؛ لذا نوه أنه لابد أن يوضع الاعتبار اللائق لها. والثلاث قراءات الموجودة ببحثه, والتي تحكم العلاقة بين الإسلام والعولمة كان أولها هي "الدواعي" التي تؤدي إلى تكوين رؤية واضحة للعلاقة بين الإسلام والعولمة، ثم القراءة الثانية وهي قراءة "التشريح والترشيح"، ويعني بها تشريح العولمة وتشريح العلاقة بينها وبين الإسلام، والترشيح ويعني به ترشيح هذه العلاقة التي يمكن أن تؤدي إلى اتخاذ موقف بصير ومتين. والقراءة الثالثة هي القراءة "الكاشفة والناقدة"؛ حيث يقول سيف فيها: "علينا أن نتعود على القراءة الكاشفة الناقدة، نحن لسنا بلاعات نبتلع كل ما يأتي إلينا، سواء أتى من الشرق أو من الغرب، يجب علينا أن نمتلك رؤية كاشفة ناقدة لكل ما يأتي إلينا، حتى ولو جاء إلينا من التراث، يجب أن ننظر إلى هذه المفاهيم رؤية نقدية نستطيع بها أن نقف موقفا بصيرا من هذه المفاهيم". يشير الدكتور سيف إلى أن المواقف المأخوذة الآن من العولمة لم تخرج عن إطار "علم كلام العولمة"، وما يُقال في الندوات والمحاضرات والملتقيات الفكرية والثقافية التي تتحدث عن العولمة وتأثيراتها، واتفاقية الجات وتأثيراتها؛ كلام أشبه -برأيه- بالمساجلات الشعرية، ولم ينتقل بعد إلى علم "عمل العولمة". ويضيف: "للأسف نتعامل الآن مع العولمة وكأننا نستعرض الأغراض الشعرية التي تعلمناها قديما في كتب الأدب، فنؤلف في "هجاء العولمة"، و"رثاء العولمة"، و"الفخر والعولمة". وفكرة علم "عمل العولمة" من وجهة نظره هي حالة من حالات الموقف التي يتم بها النظر إلى العولمة ليس باعتبارها خطرا فحسب، ولكن باعتبارها فرصة تُمكن لهذا الأمة الحفاظ على هويتها، وكرامتها؛ حيث يرى سيف الدين أهمية أن ينظر للعولمة بنظرة نقدية وعملية، بحيث يُعاد النظر في هذا المفهوم الذي يقوم على قاعدة ومفتاح اقتصادي، هذه القاعدة تقوم على أن 80% من سكان العالم يستهلكون 20% من إنتاجه، بينما20% فقط من سكانه يستهلكون 80% من ثرواته وإنتاجه. ومن ثم فهو يرى أنه يجب أن يعاد النظر إلى تلك الرؤية العولمية التي تريد تنميط العالم على هذه الشاكلة من الظلم، وتقديم رؤية مختلفة ومتميزة ترى في العولمة مخاطر كما ترى فيها فرصة يمكن استغلالها. وفي النهاية يختم الدكتور سيف حديثه بأن المشكلة من وجهة نظره ليست فقط في الدخول في عصر العولمة، وهي مسألة مهمة، وإنما أهميتها تكمن في التعرف على هذا القادم على الأمة والتعامل معه. توظيف مفهوم "الأمة" قبل أن تبدأ الدكتورة أماني صالح أستاذة العلوم السياسية بجامعة مصر الدولية، قراءتها لبحثها شكرت "دار الفكر" بدمشق على إخراجها عملا يعد -على حد وصفها- من الصناعات الثقيلة، وأكدت على أنه عمل علمي يحتكم للعقل في إطار ما أسمته انتشارا للخطابات الغوغائية والخطابات العاطفية التي ملأت سماء المنطقة العربية، كما اعتبرت الدكتورة أماني أن المشروع يسهم في تدعيم الحوار بين الثقافات والتعايش في ظل هيمنة خطابين هما خطاب التطرف، وخطاب النفاق والسد الظاهري للفجوات. كما نوهت على أن بحثها الذي اشترك معها فيه الدكتور عبد الخبير عطا أستاذ العلوم السياسية، والذي حمل عنوان "العلاقات الدولية.. البعد الديني والحضاري" يعني بالأساس بالاستفادة من أحد المفاهيم الحضارية، وهو مفهوم "الأمة" واستخدامه كمستوى للتحليل والتفسير في مجال "العلاقات الدولية"، وإحلاله محل مفاهيم أخرى مستخدمة، وضربت نموذجا لمفهوم "الدولة القومية" وهو مفهوم أوروبي بامتياز، لكن نتيجة لثقافته الإقليمية هذه –كما تشير للدكتورة أماني– فهو يعاني من مشاكل عدم الملاءمة والتطبيق، سواء في مجال الدراسات السياسية، أو في مجال تطبيقه على الخريطة السياسية، نتيجة لقدومه من عالم مختلف، فضلا عن محاولة فرضه خلال الفترة الاستعمار وما بعدها، وهو ما أدى إلى الصراعات الطائفية والدولية خصوصا في دول إفريقيا ودول العالم الثالث على العموم التي لم تتكيف مع "مفهوم القومية" بشكلها المعروف. وعزت الدكتورة أماني فكرة البحث عن مستويات تحليلية جديدة إلى اعتراف دارسي العلاقات الدولية بعدم كفاية المستويات المستخدمة حاليا في العلاقات الدولية، سواء في المستويات الجزئية مثل "الدولة القومية"، أو في المستويات الكلية مثل "النظام الدولي" أو "النظام الإقليمي". وتضيف الدكتورة أماني أن مفهوم "الأمة" بحسب تعريفه والذي ينص على أن الأمة هي جماعة بشرية ترتبط بمنهج معين، سواء كان هذا المنهج تصورا اعتقاديا أو أسلوب أو طريقة حياة، وتسعى هذه الجماعة من خلال فضاء غير محدود من السلوكيات والتفاعلات الاجتماعية والحياتية الداخلية والخارجية للحفاظ على هذا النهج، بالدفاع عنه أو العمل على نشره والجهر به. تعتبر الدكتورة أماني أن مفهوم "الأمة" بتعريفه هذا يمهد لاستخدامه كمستوى تحليلي داخل منظومة العلاقات الدولية؛ حيث سيعطي بعدا جديدا وهو المستوي غير المؤسس، والذي تمثله الجماعة بعكس مفهوم "الدولة القومية" الذي لا ينطبق إلا على "الدولة والمؤسسة"، وبذلك فإن مفهوم الأمة كمستوى تحليلي سد ثغرة هامة في العلاقات الدولية، وهو مستوى التفاعل مع الجماعات الكبرى المرتبطة بشكل غير مؤسسي بنظام منهجي ما في الحياة. تضيف الدكتورة أماني: "تغليب مستوى تحليلي ما يضعف القدرة على التحليل في العلاقات الدولية، فعلى سبيل المثال ظهور الجماعات المسيحية الصهيونية، ومعها المحافظين الجدد، وهي فرع من جماعات الصهيومسيحية، وسيطرة هذه الجماعات على القرار السياسي في أقوى وأكبر دولة في العالم نتج عن ذلك "صدام الحضارات" الذي صار أحد المعالم الأساسية في النظام الدولي المعاصر، ودخل العالم بسبب هذا التيار ثلاث حروب فقط مع بداية القرن، وهي الحروب في أفغانستان والعراق وفلسطين، فضلا عن الحرب الباردة بين العالم الإسلامي والعالم الغربي". كما تؤكد الباحثة على أن هذه القوى لا يمكن دراستها بمستويات التحليل الراهنة في العلاقات الدولية، ولكن قد يشملها مستوى تحليلي كمستوى مفهوم "الأمة". وتضيف أن هناك نموذجا آخر وهو نموذج التحول الحادث في قضايا المنطقة العربية والإسلامية تحت ضغط حروب العراق وأفغانستان وفلسطين؛ حيث تعتبر أنه حدث أفول للبعد القومي والإقليمي الداخلي نتيجة لدخول المؤسسة الرسمية في تحالفات وتعاقدات تتسم بالتبعية مع النظام الدولي، الذي هو بالأساس مصدر هذه الأزمات والعقبات التي تقابل المنطقة. فأدى هذا إلى عجز هذه المؤسسات والتنظيمات على التفاعل بشكل جيد مع التحديات التي تواجه العالمين العربي والإسلامي، فبرز دور "الأمة" في محاولة لسد هذه الثغرة؛ حيث جاءت انتفاضات الشوارع التي نشهدها من جنوب شرق آسيا، إلى المحيط الأطلنطي؛ كل هذه الانتفاضات من وجهة نظر الباحثة أدت إلى تجلي لمفهوم "الأمة". |
تعليم الأطفال في اليابان..صناعة البشر
قبل 13 عامًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق