- إسلام أون لاين -" هنا "
أطل اليمين الأوروبي على مدينة "العطر" و"الشيكولاتة".. مدينة كولونيا الألمانية، مستلهمًا نفس خطوات سابقيه.. "فرديناند" و"إيزابيلا" و"شارل مارتل"، أسماء يذكرها التاريخ جيدًا، يعرفهم بأماكنهم المتفرقة، لكن وإن بعد العهد بين هنا وهناك كان الخصم والعدو واحدًا في كل مرة.. يبرز في صورة "المسلمين".
انتهى مؤتمر "مكافحة الأسلمة" الذي عقد بمدينة "كولونيا" الألمانية منذ أيام قليلة تاركاً مئات الأسئلة عن موقف المجتمع الأوروبي من الإسلام والمسلمين، وعن الديمقراطية والمساواة وهل تستطيع أوروبا أن تحافظ عليهما، أم تتخلى عنهما لأجل الحفاظ على "الكينونة المسيحية" لأوروبا.
مكافحة المد الأخضر
الدكتور سعيد اللاوندي خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، رأى أن مسألة "مكافحة الأسلمة" تجذرت في أوروبا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتنامى معها شعور بأن هناك تياراً من الجاليات العربية والإسلامية لا هدف لها سوى إدخال المجتمع الأوروبي في الحظيرة الإسلامية، ورأى اللاوندي أن هذا الشعور اٌستخدم كورقة سياسية يروج لها اليمين المتطرف وسانده في ذلك المؤسسة الدينية مؤخراً حينما نبه سكرتير بابا الفاتيكان من خطر أسلمة أوروبا، وقبلها كان اتهام البابا للإسلام بأنه دين عنف انتشر بحد السيف، ولا يدعو لاستخدام العقل.
وأشار اللاوندي إلى أن الشعوب الأوروبية بدأت تحت تأثير هذه الدعاوى تشعر بأن الجاليات الإسلامية التي تعيش بينها جواسيس في الغرب تعمل لصالح شعوبها وحكوماتها في العالم العربي والإسلامي.
يضيف قائلاً: "للأسف المؤتمر خرج بتوصيات بطرد العرب والمسلمين من أوروبا، وبدأت تظهر نعرات عنصرية كبيرة تنادي بعودة المهاجرين لأوطانهم، وأن أوروبا ليست مستودعاً للجائعين أو صوامع للغلال يتم توزيعها علي الفقراء القادمين من الجنوب".
ويضيف قائلا: "الأخطر أن معتنقي "الإسلاموفوبيا" يستخدمون الأرقام التي تخرج من مراكز الأبحاث كـ"فزاعة" للشعب الأوروبي والتخويف من الإسلام والمسلمين، على سبيل المثال الـ27 دولة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يوجد فيها 26 مليون مواطن ذوو جذور عربية وإسلامية، ومكتب الهجرة في فيينا نوه في تقارير عدة إلى أن هناك 63 أوروبيا يعتنقون الإسلام يوميًّا، ودراسات أخرى تؤكد أن فرنسا ستصبح دولة إسلامية، وسيصبح رئيس الدولة مسلما؛ نتيجة للتزايد الضخم لعدد المسلمين في أوروبا، وإنجابهم الكثيف والمتزايد على حساب الفرنسيين الأصليين الذي يعانون من نقص في المواليد واضح، كل هذه المؤشرات تجعل الغرب يصك أسنانه اصطكاكاً شديداً خوفاً من المد الإسلامي أو "المد الأخضر" كمقابل وبديل للخطر الأحمر الشيوعي..!".
لعن الله السياسة
الدكتور علي السمان عضو لجنة "المائة" للحوار بين الثقافات بمنتدى دافوس، ونائب اللجنة الدائمة لحوار الأديان بالأزهر، وجه النظر لدور السياسية السلبي في تعميق الهوة بين المسلمين والغرب؛ حيث وضح أنها أخذت الأديان رهينة لتحقيق أهدافها المدمرة، ويضرب السمان المثل بفرنسا حيث يقول: "فرنسا وهي أكبر دولة داخل المجموعة الأوربية تقف في تحدٍّ سافر وظالم ضد دخول تركيا الاتحاد الأوربي؛ لأنها لا تنسى وليست مستعدة لأن تنسى أن تركيا والدولة العثمانية وصلت لأبواب فيينا وهما عند الفرنسيين شيء واحد".
بينما رأى نبيل شبيب الخبير بالشئون الأوروبية أن ما قام به اليمين الأوربي في كولونيا يكرر محاولة سابقة قبل عام تقريبًا، وقد أخفقت آنذاك -كما يقول- إخفاقا ذريعًا بسبب المعارضة الشعبية والرسمية لحشد تجمع يطالب بوقف بناء المصليات والمساجد وما شابه ذلك من ميادين تلبية حقوق المسلمين المواطنين في الدول الأوروبية.
يقول شبيب: "الدعوة الماضية أخفقت تمامًا، والدعوة الأخيرة لم تجد صدى إلا عند بضع مئات قدموا للمشاركة من أنحاء أوروبا وبعد إعداد طويل، وهو ما يشير إلى ضآلة حجم هذه المجموعة، بينما تقع بعض الجهات الإعلامية في مزلق تضخيمها عند كثرة الحديث عنها، والواقع أن العكس هو الصحيح فردود الفعل من جانب منظمات مدنية وكنسية وشعبية من اليسار وعموم أهل مدينة كولونيا جمعت الألوف بشكل سريع نسبيا، ومنعت من انعقاد التجمع على الوجه الذي أراد أصحابه، وضاعفت بذلك من نشر تفهم الوجود الإسلامي في البلاد".
كما رأى شبيب أن تقييد الحريات والتعصب ضد الآخر في أوروبا مصدره راجع إلى ما أثير تحت عنوان "مكافحة الإرهاب"، وانطوى واقعيًّا في محاولة الحد من ظاهرة انتشار الإسلام بين أهل البلاد الأصليين في الغرب، وانتشار الصحوة الإسلامية على مستوى المسلمين الوافدين ولاسيما الجيل الثاني والثالث الذي يعتبر في حكم المواطنين.
بينما يرى الكاتب الإسلامي جاسم سلطان، أن المؤتمر لا يمثل توجها عاما، وهناك قوى كثيرة تعارضه الآن وغدا، ولكنه يرى أن عودة الحيوية إليه في ظروف معينة واردة!.
ويضيف قائلاً: "اليمين العنصري لهم وجود ضعيف في أوروبا، ولكن لا ننسى أنهم في بعض المرات في بعض الدول وصلوا للحكم في الانتخابات، ولا ننسى قصة هايدر بالنمسا، وكيف اعترضت عليه أوروبا حينها حتى قامت بعزله".
وأوضح أن "العنصرية في أوروبا لها ذكريات مؤلمة من خلال استدعاء ما قام به هتلر، وموسوليني، ومحارق اليهود والناس تخاف منها، ولكنها أحيانا تلجأ لها في مقابل الآخر، وفي أوقات الخطر كما هو شأن كل المجتمعات، ولا ننسى القانون الذي سنته أمريكا بعد أحداث سبتمبر وهو قانون الباتريوتك أكت".
الرهاب الأوروبي
عزا الدكتور السيد عمر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، الرهاب المجتمعي الأوروبي من الإسلام إلى أسباب عدة جزء منها ناتج من جذور تاريخية مثل الحروب الصليبية، وفترة حكم المسلمين بالأندلس، وجزء منه كبير ناتج من الصورة السلبية التي يمثلها قطاع كبير من المسلمين في العالم لا يمثلون صورة حقيقية للإسلام؛ وبالتالي يحدث الخلط بين الإسلام الدين وبين معتنقيه.
يقول عمر: "منذ بداية الثمانينيات، وبالخصوص منذ قدوم تاتشر إلى الحكم، تسود اتجاهات محافظة أوروبية ترى أن الجالية الإسلامية في أوروبا غير قادرة علي الدخول بالمنظومة الثقافية الغربية؛ وبالتالي فمن وجهة نظرهم يكمن الحل في التخلص من هذه الجاليات، وإخراجها من "القارة العجوز" مرة أخرى، والتحذير من زيادة وزن هذه الجاليات، بل وتحذير المجتمع الأوروبي من الانفتاح على المسلمين أو على ثقافتهم، ويتم وصف الإسلام دائمًا بأنه دين ذو دوائر حمراء، لا يتصل به أحد إلا واعتبره عدوا".
وعن نسبة تأثير اليمين الأوروبي في السياسة والمجتمع الأوروبي ككل قال عمر: "نفرق في العلوم السياسية بين الأغلبية الصامتة، والأقلية السياسية المسيطرة صاحبة التأثير والنفوذ وذات الصوت الأعلى، موضوع الأغلبية الشعبية لا يهمنا كثيراً بقدر ما يهمنا الموجهون والمنفذون وهم هنا الساسة، وجزء منهم اليمين الأوروبي".
دول اليمين
ألمانيا، بلجيكا، هولندا تظهر أسماء هذه الدول دائماً عند الحديث عن ظاهرة "الإسلاموفيا"، فسر هذا الأمر نبيل شبيب الذي عزاها إلى نسب المسلمين المرتفعة في هذه البلدان الأوروبية الغربية وتزايدها باطّراد، مضيفاً: "الواقع ينبغي إضافة فرنسا إليها فالظاهرة فيها موجودة أيضا ونسبة المسلمين مرتفعة أيضا".
سبب آخر يضيفه شبيب وهو التواجد القوي والفعال لليمين المتطرف الموجود في هذه البلدان وإن بقي كما هو الحال مع سواها من الدول الأوربية -باستثناء النمسا- محدوداً من حيث العدد أو النسبة المئوية، ومن الأسباب أيضا التي أشار إليها شبيب التعرف المتأخر على الإسلام بين عامة المواطنين في البلدان الثلاثة المذكورة، نتيجة تركيز الجهود الإسلامية لفترة طويلة على ما حققته الصحوة، ولكن بشيء من الانعزالية، وينوه شبيب أن الاستطلاعات تؤكد انحسار نسبة "الخوف من الإسلام" على صعيد جيل الشبيبة بالمقارنة مع الجيل الأكبر سنًّا، مما يؤكد أن هذا الانحسار سيأخذ مدى أبعد تدريجيا مع مرور الزمن.
عدو عدوي صديقي
تحت هذا العنوان فسر البعض ارتفاع أعلام اليمين الإسرائيلي في مؤتمر "مكافحة الأسلمة" الذي عقد بكولونيا، والبعض الآخر أرجعه لـ "الشو الإعلامي" فقط لا غير.
لا يستغرب الدكتور السيد عمر من تواجد اليمين الإسرائيلي في المؤتمر، واعتبر ذلك راجع للتحالف المعروف بين الصهاينة وبين التيار المحافظ المسيحي واللذين يلتقيان في نقطة أيدلوجية مهمة وهي "عودة المسيح" بالنسبة إلى التيار المسيحي المحافظ، وظهور المسيح "المخلص" بالنسبة لليهود وكلاهما يؤمنان أنه لن يتحقق إلا بوجود كيان صهيوني علي أرض فلسطين.
يضيف قائلاً: "بالتالي فمساعدة اليهود على التمكن من أرض فلسطين من جانب اليمين المسيحي المتطرف يساعد كل واحد فيهما على تحقيق نبوءته، مع اختلاف مسيح كل منهما، الأولون يرون أنه عيسى عليه السلام، والآخرون يرونه "المخلص" القادم لأول مرة".
بينما الدكتور جاسم يرى أن اليمين الإسرائيلي يقوم بدور مضاد للدور الذي يلعبه الوجود الإسلامي في أوروبا فهو يقول: "الوجود المسلم في أوروبا مثلا في أحداث غزة قاد حراكا إعلاميا كبيرا لصالح القضية الفلسطينية، وكل ما يمكن أن يؤثر على هذا الوجود سيقوم به اليمين الإسرائيلي.. وسيستفيد من أعدى أعدائه لو كانوا سيقومون بهذه المهمة".
نبيل شبيب أشار إلى أن اليمين الإسرائيلي لم يكن حاضرا بقوة، ولكن كان بعض أفراده حاضرين بصورة جزئية مضيفاً: "الانطباع الوارد في وسائل الإعلام يعود إلى شدة الاستغراب من مثل هذا الحضور حتى ولو كان ضئيلا، وتعمل عدسات التصوير على التركيز عليه لإبرازه وتضخيمه، أما الجهات التي تمثل اليهود في أوروبا عموما وفي ألمانيا تخصيصا بصورة رسميا فتنأى بنفسها بشدة عن أنشطة اليمين المتطرف، بما في ذلك ما يقوم به من حملات ضد الأجانب والوافدين عموما، مع التركيز على الإسلام والمسلمين تخصيصاً".
العبء على المسلمين
الدكتور حسن وجيه أستاذ اللغويات بجامعة الأزهر، واستشاري بمركز دراسات الحضارة والحوار بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، يرى أن العبء الأكبر يقع على المسلمين الذين من وجهة نظره يمثلون صورة ليست جيدة من خلال أنظمة الحكم المستبدة، أو التخلف المجتمعي الذي تعيشه بلدانهم، أو من خلال توجيه خطاب ضبابي غير مدرك لأبعاد الذهنية الغربية، ويضرب مثالاً علي ذلك فيقول: "حتى العلماء والأساتذة العاملون في مشروع "أسلمة المعرفة" وهو المشروع الفكري التنويري الذي يحمل رؤية حضارية ووسطية، تغيب عنهم حرفية الخطاب ومدى ملاءمته للذهنية والتركيبة الغربية، فمثلاً عندما يحاورون العقل الغربي يستخدمون لفظة "islamizatiom" أي "الأسلمة" وهي كلمة تعني تحويل ما عندك من حضارة وثقافة وفكر وعلوم وغيرها بإدخالها داخل الماكينة الإسلامية ليحمل صبغة إسلامية أي أنت تقدم له بديلاً لما هو موجود لديهم وهذا ليس مطلوبًا، المطلوب أن نشرح لهم نموذجنا الذاتي المتفرد الذي يعبر عن الخصوصية الإسلامية والمصطلح الصحيح الذي لابد أن يستخدم هنا "Islamic" أي "إسلامي" فيأخذوا ما يأخذونه ويرفضوا ما يرفضونه"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق