الأحد، 4 أكتوبر 2009

صناعات رمضان.. قِدْرَة الفول تقاوم المد الصيني!!

-تقرير مصور علي إسلام أون لاين

الاحتياج من قدر الفول بمصر يستوعب المنتج المحلي والصيني
الاحتياج من قدر الفول بمصر يستوعب المنتج المحلي والصيني

أصبحت الصين هي كلمة السر في شوارع القاهرة التاريخية.. فهذه الشوارع التي كانت تعج بالصناعات المصرية ذات الطابع الرمضاني، أصبحت تمارسها على استحياء، وتحولت كثير من الورش التي كانت في السابق تصنع هذه المنتجات، إلى محال لبيع نظيرتها التي تحمل شعار "صنع في الصين"، اللهم إلا الأدوات المستخدمة في المشروبات الشعبية وقدرة الفول.

ثلاثة نماذج قابلتهم "إسلام أون لاين" في جولة بشوارع الجيوشي، والمعز لدين الله، ومنطقة الموسكي، وحارة اليهود تؤكد هذه الحقيقة، فصانع الفوانيس الذي كان فيما قبل يعج بالزبائن في شهر رمضان، أصبح يبحث عن زبونه الذي انصرف إلى الفانوس الصيني.

أما بائع "قِدْرَة الفول" المصرية فلا يزال محتفظا بزبونه برغم المد الصيني في هذه السلعة -أيضا- يساعده في ذلك أن نسبة الطلب تستوعب الإنتاج المحلي والصيني.

ويبدو بائع الأدوات المستخدمة في المشروبات الشعبية الأوفر حظا، فلم تتطرق الصين بعد إلى مهنته.

وعلى النقيض فإن بائع الأدوات المستخدمة بالمطاعم من عجنات الطعمية وأفران الدجاج أصبح الخيار المتاح أمامه ينحصر في اتجاه المستورد من الصين الذي يفضله الزبون لرخص سعره.

رضا صانع الفوانيس

في بداية الجولة صادفنا عم "رضا" صانع الفوانيس، كان يكب على موقد صغير من الغاز، حيث يقوم بلحام إحدى فوانيس رمضان الصفيح العتيقة التي اندثر بيعها بعد غزو "الفوانيس الصيني".

كان الرجل يقبع في دكانة صغيرة جدًّا لا يتعدى طولها في عرضها مترين على الأكثر.

بعد محاولات أقنعته بالحديث معي، فحالة الإحباط التي كان يبدو عليها من قلة الزبائن جعلته حزينا.

قال عم رضا إنه يعمل في هذه الصناعة منذ ثلاثين عامًا، وإنه ورثها عن والده.

وبرغم أن الفانوس "الصفيح" الذي يعمل على تصنيعه لم يعد له رونق الماضي، إلا أنه لا يزال يعمل بهذه المهنة لتلبية رغبة الزبون الأصيل -على حد وصفه- والذي لا يزال يتمسك بشكل الفانوس التقليدي.

ويعمل عم رضا إلى جانب صناعة الفوانيس على إصلاح "البراميل" التي يستخدمها باعة التمر الهندي "مشروب شعبي مصري"، والذي يزداد الإقبال عليه في رمضان.

شاهد تفاصيل لقاءنا مع عم "رضا".

بائع قدرة الفول

ويبدو الوضع أفضل حالا مع عم سيد الذي يبيع قدرة الفول ذات الإنتاج المصري، كان الرجل بشوش الوجه، وهي حالة فسرتها بعد الحديث معه بأن سلعته لا تزال متماسكة أمام المد الصيني.

فعم سيد لا يبدو قلقا من هذا الغزو؛ لأن لسلعته زبائن كثيرة، وكثرة الطلب تستوعب المنتج المحلي والصيني.

ويعتبر شهر رمضان هو الموسم الرئيسي لهذه السلعة، ويعتمد عم سيد باقي السنة على بيع منتجات أخرى إلى جانب قدرة الفول كشويات الدجاج، ماكينات طحن الطعمية.

على عكس عم رضا، لم أنتظر عند عم "سيد" طويلاً فلم أرد أن أشغل الرجل كثيراً عن زبائنه الكثر في المحل، تركته لأسير في شارع الجيوشي ذاهبًا إلى بائع آخر.

شاهد حديثنا مع عم "سيد".

ملكة شارع الجيوشي

قادتني قدماي إلى امرأة في منتصف الخمسينيات من عمرها، تلبس نفس ملابس المعلمات اللاتي نراهن في الأفلام التي تحكي عن الحارات المصرية، تشعر أنها ملكة غير متوجة لهذا الشارع لهيئتها التي تعطيها هيبة كبيرة، وكبر محلها، فضلاً عن الأشياء الكبيرة والمتنوعة التي تعمل بها.

وتعمل أم سيد – كما تحب أن يناديها الزبائن – في بيع أشياء عدة من بينها قدرة الفول الصيني، أفران الدجاج، عجنات الطعمية، أجهزة كهربائية للفيشار، وأدوات موائد رمضان بأكملها، وأكواب وبراميل التمر.. وغيرها؟

ومعظم هذه السلع التي تبيعها أم سيد إنتاج صيني، حيث يفضلها الزبون لرخص سعرها.

على مقربة منها، وفي شارع جانبي لشارع أمير الجيوشي، كان يقف عم "حسن" بابتسامته اللطيفة.

كان هذا الرجل الذي ورث المهنة أبا عن جد يبيع الأدوات المستخدمة في المشروبات الشعبية، مثل براميل التمر الهندي، وأكواب العرقسوس، وحامل البطاطس، وشمعدانات توضع عليها حوامل الطعمية.

لم يكن عم حسن على دراية بالمد الصيني في سلع المنطقة؛ لأن كل منتجاته -على حد قوله- مصرية الصنع.

شاهد حوارنا مع ملكة الجيوشي وعم "حسن".

رمضان وتليفزيون زمان



مسلسل بوجي وطمطم
مسلسل الاطفال الأشهر في سنوات التسعينيات
الشمس تختنق في قلب الغروب وتنثر آخر أشعتها في أحد أيام شهر رمضان أوائل تسعينات القرن الماضي.. صوت الشيخ رفعت يصدح بملائكية من مئذنة مسجد "السلام"، يتجاوب معه هذا الطابور الإنساني لجيراني وبعض أقاربي الواقفين على جانبي الطريق وهم يناولون البلح والرُطَب للمارة والفلاحين القادمين من أعمالهم أو من الحقول.

الناس تهرول في الشوارع منطلقة للحاق بالفطور قبل الآذان، ما زال بائعوا الكنافة يعملون على الأفران الطينية، رائحة التمر هندي في الحارات تعبق رئتيك وأنت تستنشقها بشغف لا نهاية له، الفانوس الخشبي ذو الورق الملون معلق في منتصف الشارع وبجواره زينة رمضان الورقية المصنوعة بالخيط والعجين مدلاَّة بين المنازل بشكل أفقي تضربها نسمات الريح الخفيفة التي تملأ جو نهار رمضان ساعة العصرية أفضل ساعات نهار رمضان على الإطلاق.

في الليل أصوات الأولاد وهم يغنون "حالو يا حالو رمضان كريم يا حالو" وهم يحملون الفانوس الصفيح ذي الألوان الزرقاء والحمراء، والتي تضاء بالشموع الملونة الصغيرة قبل قدوم عصر "الفانوس الصيني" الذي تعمل بالكهرباء.

صوت الشيخ "حلمي" السبعيني وهو يصلي بنا العشاء والقيام، بحنجرته الأقرب إلى صوت الشيخ "الحصري" ونحن نندفع دفعاً في أعماق هذا الصوت الرخيم، قبل أن تدهمنا جحافل من مشايخ صغيرة أزهرية عجزت عن أن تربطنا بالقرآن، كما عجزت من قبل عن توصيل الكلام من فوق المنابر.. لا أدري السبب فينا أم فيهم؟, المهم أنه ليس في الميكروفانات الحديثة التي تعلق بجوار الجيب..!!

نتحلق في هجيع الليل على "المصطبة" في الجرن حول أحد الفتيان الأكبر منا سناً، والذي كانت له قدرة غريبة على حكي "النكت " و "الحواديت" على رغم من قلة حاله، وعدم تعليمه، عادة كانت يتواصل بها معنا طوال العام إلا أنها كانت تزداد في ليالي الصيف وفي رمضان, اليوم عندما أرى نفس الشاب الذي اقترب من منتصف الثلاثينات يسير منهكاً وهو قادم من عمله آخر الليل، تنتابني غصة الترحم عليه وعلى أيامه وحواديته.

التلفيزيون ثلاثي القنوات

نخرج من صلاة المغرب بدون حتى أن نكمل تسبيح الصلاة، نجري مهرولين للبيت لم يكن رغبة في الإفطار بقدر الرغبة في اللحاق بمسلسل الأطفال المصري "بوجي وطمطم" الذي كان حينها يحكي عن جحا و"عم قرطاس بتاع القلقاس"، يومها كان التليفزيون المصري مقتصراً فقط على ثلاث قنوات فقط لا غير قبل عملية الاحتلال الدامية للقنوات الفضائية للحياة "شبه التراحمية" التي كنا نحياها .

التليفزيون كان ارتباطنا به يختلف كماً وكيفاً مع شهر رمضان، فقد كان أحد أهم المعالم الأساسية التي شكلت وجداننا عن رمضان الفلكوري الشعبي ذو الوجه الآخر لشهر العبادة.. نعيش في برامج ودراما فنوقن عندها أننا نعيش في رمضان.. نربط ميعاد قرب الإفطار، وتجهيز أمهاتنا للعصير والسلطة فور انتهاء الشيخ الشعراوي من تفسيره قبيل آذان المغرب مباشرة، وصوت كارم محمود وهو يشدوا أغنية "مرحب شهر الصوم لياليك عادت بأمان"، أونسمع عبد المطلب وهو يغني "رمضان جانا وفرحنا به أهلا رمضان..قولوا معانا".

بعد صلاة العشاء والقيام كان ارتباطنا بالمسلسل الثابت على الشاشة الرمضانية كل عام مسلسل "ألف ليلة وليلة" والذي كنا نرتبط بحكاياته وقصصه الغريبة التي كنا نري فيها ما يعوضنا قليلاً عن "ألف ليلة وليلة" ذات العمق الحكائي الأميز في الراديو، صوت زوز نبيل، ومعها الموسيقي المميزة لألف ليلة وليلة، وشهرزاد تستهل الحكي بالثناء على الملك السعيد ذي العمر المديد.. وتنتفض قلوبنا مع الأميرة الجميلة التي ألجمت الساحرة الشريرة لسانها فلم تقدر على النطق، ونذهب بعيداً إلي بلاد الله الواسعة مع السندباد ونخشي عليه من طائر الرخ الذي يكاد يلتهمه، ونسعد مع علاء الدين وهو يطلب من الجني الخارج من قمقم سليمان الحكيم بعد آلاف السنين أن يحقق له أمانيه فيذهب إلي بلاد الواق واق، وعالم ما وراء البحار.. كل تلك الحكايات كنا نراها بالمسلسل الأشهر قبل أن ينحط مستواه بظهور ممثلات منزوعي الدسم، ولينزعن بعدها هذا المسلسل من خريطة التليفزيون إلى الأبد .

كنا شغوفين بمتابعة مسلسل أو اثنين كانا يتنافسان مع مسلسل ثالث أقل قليلا ً إما في المستوي أو في عدد النجوم المتواجدين به، ليتبقي في النهاية من ذلك كله وقتاً للسهر مع الأهل والأقارب والخلان، ومزيد من بعض العبادات التي تتوازي مع روح الشهر وقيمته القدسية التي تختلف عن بقية الشهور الأخرى.

رمضان.. زمن العولمة

مع أول يوم من شهر رمضان الحالي تملكني ضيق ألم بي وسط هذا التراكم من سمات لم أعهدها على رمضانات سابقة مرت علينا في حياتنا، مئات من النجوم والممثلين المصريين والعرب بعشرات المسلسلات الدرامية والأغرب في نفس الوقت هم نجوم لعشرات برامج المسابقات والمقالب التافهة والمكررة يقدمونها أو ضيوفاً عليها، وكأن هذه الطلّات المستمرة الدرامية على بعض القنوات لا تكفيهم، فخرجوا على المشاهد في القنوات الأخرى لكن في شكل إعلامي آخر يجنون معه مزيداً من المال، ومزيداً من التواجد الممجوج والملل.

هذا السيل المكثف لإعلانات شركات المحمول، والمساكن المرفهة، وإعلانات البنوك، وشهادات الاستثمار والإدخار، وشركات التأمين على الحياة، عالم استهلاكي شرس أخذ لب المشاهد وعقله قبل أن تأخذ جنيهاته ودنانيره.

قنوات المسابقات اللبنانية والخليجية بمذيعات تحسبهن للوهلة الأولي موديلات إعلانات من الدرجة العاشرة، وعشرات من برامج التوك شو، الفوانيس الصيني التي تنطق أغانينا بصوت معدني غريب..!!

لا أدري لماذا يزداد لدي أحساس أن رمضان يزداد "بلاستيكية" عاماً عن آخر, لا أعرف ماذا حل بنا وبرمضان, أتساءل بعدها بدهشة مع صديق الطفولة هل نحن الذين قد كبرنا، أم الزمن هو الذي يتغير؟!

الموضوع علي إسلام أون لاين