الجمعة، 22 مايو 2009

د. محمد مورو: انتصار المقاومة الصومالية يعني تغييرات استراتيجية كبيرة


رسالة الإسلام - خاص
الاحد 04 جمادى الآخرة 1429 الموافق 08 يونيو 2008
عدد القراء : 1086



حاوره: أحمد عبد الحميد
جاء الحوار مع الدكتور مورو حول مشكلة القرن الإفريقي والمشكلة الصومالية خاصة ليعطينا قليلا من التفاؤل حول الوضع السيئ الذي وقع فيه تحالف الأشرار الذي تقوده الولايات المتحدة في حربها المزعومة ضد الإرهاب، ووقوعها هي وحلفاؤها في مستنقع تلو الآخر حتي باتت قضيتها الآنية التفكير أولا في الخروج من تلك المستنقعات بأقل الخسائر الممكنة، فالمقاومة هي اللعبة التي تجيدها الأمة الإسلامية بشكل فعال لأن الاحتلال يؤدي لصحوة الأمة, بينما الاستبداد الداخلي ينهك الأمة وهي للأسف معركة لم تفلح الأمة في إنهائها.

- بداية دكتور ماذا تمثل منطقة القرن الإفريقي للمنطقة العربية والعالم الإسلامي؟

الحقيقة أن منطقة القرن الإفريقي جزء لا يتجزء من الأمن القومي العربي والإسلامي، وللأمن المصري والسوداني بصفة خاصة باعتبارها منطقة هامة المتحكم فيها يتحكم في مضيق باب المندب, فضلا عن مداخل ومخارج البحر الأحمر, ويوقع البلاد العربية تحت ضغط شديد حيث يقع القرن الإفريقي في خصر المنطقة العربية.

- بررت الحكومة الصومالة بقيادة عبد الله يوسف استعانتها بالقوات الإثيوبية خوفا منها أن تتحول الصومال إلي أفغانستان ثانية علي أيدي المحاكم الشرعية؟؟

هذا الكلام غير صحيح بالمرة فالمحاكم معروفة بمواقفها وخطابها المعتدل الذي لا يخفى علي أحد, بالإضافة إلي أن المحاكم الشرعية عندما حكمت حققت للصومال نوعا من الأمن والاستقرار لم تشهده الدولة الصومالية من قبل, والعكس هو الصحيح فوجود مؤسسة مثل المحاكم الشرعية علي رأس المؤسسة الحاكمة أو وجودها في الشارع السياسي بشكل عام لن يعطي المبرر لوجود حركات أخري قريبة أو بعيدة من تنظيم القاعدة, ووجود الاحتلال الإثيوبي هو الذي خلق قدرا كبيرا من الاستقطاب وبيئة تساعد علي وجود حركات مجاهدة أخري قد تحمل أفكارا أشد عدائية للولايات المتحدة..

-المحلل الأمريكي جوناثان هاو في مجلة النيوزويك الأمريكية قال إن هناك مشروعا أمريكيا في الصومال علي غرار المشروع الأمريكي في العراق, لكن كيف تقوم أمريكا الآن بتحقيق هذا المشروع؟؟

الغزو الإثيوبي للصومال هو غزو أمريكي بقفاز وأيد إثيوبية, فإثيوبيا تقوم بدور "الدولة المرتزقة" للولايات المتحدة فقد ساعدت أمريكا إثيوبيا بشكل كبير في احتلالها للصومال, ومؤخرا قامت بضرب بعض قواعد جيش الشباب المسلم وقتلت القائد العسكري لها...

والقصة من البداية ترجع لرغبة الولايات المتحدة في مد نفوذها في منطقة القرن الإفريقي وخصوصا الدولة الصومالية الضعيفة, حيث نجحت الولايات المتحدة في الدخول بقواتها ضمن إطار قوات الأمم المتحدة في بداية التسعينيات، بل استصدرت قراراً من مجلس الأمن بالسماح لتلك القوات بالحرب بدعوى القضاء على أمراء الحرب والميليشيات في الصومال بعد سقوط نظام سياد بري، أي أنها حصلت على تفويض بالحرب والدخول في الصراع عام 1993غير أن الصوماليين نكلوا بهم فقُتل 18 جنديا أمريكيا بل قامت المقاومة الصومالية بقتل الجنود وسحلهم علي مرأي من شاشات الإعلام وكانت صدمة للشارع الأمريكي فأمر الرئيس الأمريكي –حينها – بيل كلينتون بسحب جنوده وتم تنفيذ الانسحاب في 31/1/1994م, لكن الولايات المتحدة لم تنس هذا الأمر للصومال, ولم تنس أطماعها في المنطقة فعادوت الكرة بعدما أعادت حساباتها لكن بطريقة أخري, وذلك عن طريق تستخدمه يوفر لها دماء جنودها, وفتح مزيد من الجبهات المفتوحة في حربها المزعومة ضد "الإرهاب" بالاعتماد على قوة إقليمية لتحقيق الأهداف الأمريكية!

في البداية كان أمامها إريتريا وإثيوبيا, لكن أمريكا أحست أن إريتريا أضعف من أن تقوم باحتلال للصومال, الأمر الثاني استغلال الصراع التاريخي بين إثيوبيا والصومال ورغبة إثيوبيا الأبدية في إضعاف الدولة الصومالية لعدم رغبتها في وجود جارة كالصومال المسلمة كدولة قوية, وبضعف وتمزق الدولة الصومالية يبقي دائما إقليم أوجادين الإقليم الصومالي المحتل في حوزة إثيوبيا..

- وما دور الكيان الصهيوني في الحرب الدائرة الآن في الصومال؟؟

إسرائيل أدركت مبكرا أهمية هذه المنطقة وأهمية السيطرة عليها للسيطرة علي منطقة البحر الأحمر لأنها منطقة شديدة الخطورة في الصراع العربي الإسرائيلي...

حيث تنظر (إسرائيل) إلى التقارب الإفريقي – الإسرائيلي كجزء من استيراتيجيتها لتطويق العالم العربي من الجنوب.

وتركز على تطويق مصر وابتزازها ((مائياً)) عن طريق التحكم بمياه نهر النيل، من خلال إقامة شبكة من السدود في إثيوبا وتأليب دول المنبع الواقعة على بحيرة فكتوريا ضد مصر، ودعوتها للحكومة المصرية لتوقيع اتفاقية جديدة لإعادة توزيع الموارد المائية بين الدول تلك.

كما تسعى (إسرائيل) لتأمين سلامة الملاحة للسفن الإسرائيلية عبر البحر الأحمر، لذلك أولت إثيوبيا دوراً رئيسياً في سياستها الإفريقية. وقد بدأ الاهتمام الإسرائيلي بإثيوبيا بعد حرب السويس، عندما أرسل بن غوريون مندوباً خاصاً لزيارة إثيوبيا بصورة سرية. هدفت الزيارة إلى إقامة تحالف بين الجانبين بهدف زيادة الضغط على مصر. وازدادت أهمية إثيوبيا الاستراتيجية عندما أقدمت مصر على إغلاق مضائق تيران. في ذلك الوقت كانت إثيوبيا ما زالت تحتل إرتيريا وتسيطر على جزء من الشاطئ الغربي للبحر الأحمر. لذلك أرادت (إسرائيل) العمل بكل ما لديها من إمكانية لعدم تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة عربية أو إسلامية تحرمها ممراً آمناً لوارداتها النفطية من إيران في ذلك الوقت. وسارعت بمد يد العون لإثيوبيا في حربها ضد الصومال (1978) وإرتيريا (1984 و85). وما زالت (إسرائيل) تنظر إلى إثيوبيا كحليف رئيسي وأساسي في منطقة القرن الإفريقي.

كما تعمل (إسرائيل) على تقسيم السودان إلى دول عرقية متعددة. ومع اشتداد أزمة دارفور تزداد الاتهامات السودانية للحكومة (الإسرائيلية) كمصدر للأزمة هناك. وتهدف (إسرائيل) من وراء تقسيم السودان إلى السيطرة عليه بصورة مباشرة أو غير مباشرة والتحكم بموارده الطبيعية ولزيادة ضغطها على مصر حارمة إياها من عمق استراتيجي هام.

أمريكا استطاعت بالتنسيق مع إسرائيل مد نفوذها في هذه المنطقة بالتنسيق مع إسرائيل لتحل محل النفوذ الإيطالي والإنجليزي والفرنسي والأوروبي عموما.

الشيء الثاني محاصرة مصر من الجنوب لخلق مشاكل لها في منابع النيل ومن ثم تصبح قدرة مصر علي المناورة تجاه أمريكا وإسرائيل ضعيفة..

ومن ثم الحكومة المصرية مدعوة لزيادة نفوذها بهذه المنطقة وأن يكون لديها هناك عدة ورقات بحيث يصبح لديها مواقف واضحة وقوية في هذه المنطقة..

والحقيقة أن مصر لديها الإمكانية هذه سواء في الصومال أو جيبوتي أو إريتريا؛ اعتمادا علي أن معظم سكان هذه المناطق عرب مسلمون بالإضافة لوجود قطاع كبير يصل لنصف عدد سكان إثيوبيا من المسلمين....

- وما الموقف الحالي للدول العربية خصوصا مصر والسودان والدول العربية الممتدة علي شرق وغرب البحر الأحمر من التمدد الإثيوبي في الصومال؟؟

مؤخرا شكا الشيخ شريف أحمد زعيم المحاكم الشرعية من أن عمرو موسي أمين الجامعة العربية تم رؤيته يلهث هنا وهناك لحل المشكلة اللبنانية, بينما تصم الجامعة أذنيها تماما عن المشكلة الصومالية!!!

الموقف العربي السلبي بالنسبة للصراع الدائر حاليا في الصومال ينم للأسف عن غياب الوعي العربي, وعدم إدراك لأبعاد الصراع بين دولة عربية إسلامية, وبين مشروع احتلال تقوم به دولة ذات تاريخ سيئ موجه من مشروع صهيوأمريكي, وهذا نوع من أنواع الخلل الموجود بشكل وافر وعام في الدول العربية والإسلامية..

-هل تتوقع إن فاز الديموقراطيون (باراك أوباما أو هيلاري كلينتون) أن يحدث تقليم لأظافر اليمين المحافظ ويتوقف قليلا التمدد الأمريكي بالمنطقة؟؟؟

إن الانتخابات الأمريكية ليست نزيهة في رأيي, فالمؤسسة الحاكمة في أمريكا هي التي تحدد السياسات وليس الرئيس الأمريكي, وأقصد المؤسسة الحاكمة هي محصلة لتفاعلات المجمع الصناعي العسكري، وكبار الرأسماليين، ومجموعة اللوبيّات "جماعات الضغط" والمخابرات وغيرها، والتي إن رأت في النهاية أن المشروع الأمريكي في العراق والصومال هو مشروع فاشل, وأن علي الولايات المتحدة أن تغير من سياستها الخارجية بشكل جذري فسيدعمون مرشحا يعمل علي إنهاء الاحتلال الأمريكي للخروج من مشروع الاحتلال بأقل خسائر ممكنة, وعندها من الممكن أن يدعموا هيلاري أوأوباما, وأوباما عندها سيصبح الأقرب , حيث من وجهة نظرهم أن وصول مرشح أسود من أصل مسلم لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة سيكسب عطف العالم الإسلامي, وسيُحسن قليلا من وجه أمريكا القذر الذي تلوث بشكل كبير..!!

أما لو رأت المؤسسة الحاكمة هذه أن علي أمريكا أن تبقي وتواصل حربها, فدعمها قد يتحول لمرشح الحزب الجمهوري (ماكين) ليواصل بنجاحه وحصوله علي الرئاسة والتي هي في الحقيقة ستصبح فترة ثالثة لبوش.

- فشل المشروع الثلاثي (الصهيوني- أمريكي- إثيوبي) في الصومال إلي ماذا سينتهي؟؟

إذا تحقق الانتصار للمقاومة الصومالية فإن ذلك يعني تغييرات استراتيجية كبيرة على المنطقة بشكل كبير؛ لأن هذا الانتصار سيجعل الصومال تتحول إلى قوة إقليمية شابة واعدة سيكون لها أثر كبير في إطار المعركة العالمية ضد الولايات المتحدة الأمريكية، والمشروع الأمريكي الصهيوني، وعلى المستوى الإقليمي فإن اندحار القوات الإثيوبية سيعني أن إثيوبيا ذاتها مهددة بالتفكك، لأن حركات المعارضة العِرْقية والطائفية داخل إثيوبيا سوف تستغل تلك الفرصة، وكذا حركة المقاومة داخل إقليم أوجادين وهو الإقليم الصومالي الذي اقتطعته إثيوبيا من الصومال بالتآمر مع بريطانيا، ويمكن كذلك أن نتوقع عودة الروح إلى الشعب الصومالي، فيقوم بتوحيد نفسه في دولة واحدة تضم كل الأراضي الصومالية المقتطعة من الصومال شمالاً وجنوبًا وشرقًا وغربًا مثل إقليم أوجادين وبونت لاند وصومال لاند ومنطقة أنفدي التي ضمتها كينيا عام 1963م, من ثم فإن هزيمة القوات الإثيوبية وانسحابها لن يكون نهاية الأمر، بل سيصبح ثقب كبير في الجدار الإثيوبي غير المتماسك أصلاً، فالصومال ستطالب بأوجادين، وإريتريا ستطالب بالأراضي المتنازع عنها، والقوى الإثيوبية العرقية والدينية المناوئة للحكومة ستجدها فرصة للحركة للقضاء علي النظام المستبد في إثيوبيا.

- هل تري أن المقاومة الإسلامية في الصومال قادرة علي إزالة الاحتلال الإثيوبي علي أراضيها في ظل مساندة الحكومة الصومالية ودعم الحكومات الغربية وصمت الأنظمة العربية؟؟

أكثر من عامل في الحالة الصومالية يؤكد اقتراب تحرير الصومال من الاحتلال الإثيوبي، أو بالأحرى من الغزو الأمريكي للصومال بقفاز إثيوبي, فأولا الولايات المتحدة بكل إمكانياتها العسكرية أخفقت في العراق وأفغانستان نتيجة لوضع المقاومة الباسلة هناك, على الرغم من وجود سلبيات طائفية وعرقية في البلدين تقلل بالضرورة من قدرات المقاومة، ولكن بخصوص الصومال، فالصوماليون جميعاً سنة على المذهب الشافعي فالدولة الصومالية أشبه بكتلة مصمتة أو شبه مصمتة لايمكن الولوج لتمزيقها عن طريق تمزق طائفي أو عرقي, وفي المقابل فإن إثيوبيا المحتلة للصومال بدعم أمريكي تملك إمكانيات أقل من الولايات المتحدة ومهما كانت قوة الدعم المالي والعسكري والسياسي الأمريكي لها ستخفق في النهاية لإخفاق حليفتها الكبري في المستنقع العراقي والأفغاني...

الأمر الثاني الذي لابد ملاحظته هو أن المسلمين بشكل عام يجيدون مقاومة المحتل وإنهاءه, بل من الممكن أن نعتبر أن المقاومة هي اللعبة التي تجيدها الأمة الإسلامية بشكل فعال فالاحتلال يؤدي لصحوة الأمة, بينما الاستبداد الداخلي ينهك الأمة وهي للأسف معركة لم تفلح الأمة في إنهائها.

ليست هناك تعليقات: