"أحمد" طالب بالفرقة الرابعة بكلية الصيدلة جامعة القاهرة، طالما سبب له التفكير في التخرج والحصول على فرصة عمل شبحا مرعبا، فمعاناة زملائه من أجل الحصول على فرصة عمل كثيرا ما خوفته وبددت أحلامه، وذات يوم كان يقرأ عدد الجمعة من جريدة "الأهرام"، فتعجب من كم الطلب الكبير من شركات الأدوية التي تطلب صيادلة ومندوبي دعاية، وباحثين، وفنيين بالمعامل، وفي المقابل آلاف الخريجين يشكون من عدم وجود وظائف، أو على الأقل عملا مناسبا. تناقش مع زملائه بكلية الصيدلة جامعة القاهرة، وفكروا سويا في إنشاء رابطة للتوظيف، تقوم بالتنسيق بين خريجي كليات الصيدلة والشركات الموجودة بالسوق، وتوفير فرص تدريب للخريجين، وبالفعل نفذوا الفكرة وبشكل أكبر كثيرا مما تصوروه. مشروع بألف جنيه بألف جنيه "سلفة" أنشئوا هذه الرابطة، وخلال عام واحد تبرعوا من نشاط الرابطة بعشرة آلاف جنيه لكليتهم، واليوم يتحدثون عن تبرعات لنفس الكلية وصلت قيمتها إلى 45 ألف جنيه، فضلا عن عشرات البرامج التدريبية، وتنسيق مع كبرى شركات الأدوية العالمية، هذا النشاط الضخم يقوم عليه مجموعة من طلاب يجمعهم فقط فكرة "العمل التطوعي" لا غير. الصيدلي أحمد بدير -صاحب فكرة رابطة التوظيف ومؤسسها- يقول: "بدأت الحكاية في عام 2004 عندما بدأت أنا ومجموعة من أصدقائي نفكر في مشكلة عدم وجود وظائف لخريجي كليات الصيدلة، رغم احتياج سوق الدواء الحقيقي لخريجي كليات الصيدلة، ومعهم خريجو بيطري وعلوم. ففكرنا في إنشاء رابطة التوظيف وحادثت أربعة من زملائي حينها، وقررنا أن نقوم بإنشائها لحل مشاكل التدريب والتوظيف والاتصال بشركات الأدوية، واقترحنا سويا أن نقوم بعمل "ملتقى للتوظيف" بكلية الصيدلة جامعة القاهرة، الكلية التي تنتمي لها المجموعة. بدأنا التحضير للملتقى من أكتوبر 2004، وبالفعل تم تنفيذ أول ملتقى توظيفي في أبريل 2005، وثبتوا هذا التوقيت كل عام، بحيث يصبح 7 و8 أبريل هو ميعاد "ملتقى التوظيف" السنوي، والذي تجمع فيه مجموعة كبيرة ومتنوعة من شركات الأدوية -التي تم الاتفاق معها مبدئيا، وقبل الحضور للملتقى على تدريب عدد معين من الطلبة الدارسين بالكليات خلال أشهر الصيف- وعدد ضخم من الطلبة خريجين ودارسين، للتعرف على احتياجات هذه الشركات. التطوع هو الحل يقول بدير: "في البداية كنا نحتاج لمال نستطيع به الإعلان عن نشاطنا، وأن تسافر مجموعة منا لكليات الصيدلة في أماكن مختلفة في مصر من الإسكندرية حتى أسيوط، وعندما واجهتنا تلك المشكلة في البداية كلمنا عميد كلية صيدلة، وكان عميد الكلية حينها هو د. أحمد عطية الذي أعطانا ألف جنيه سلفة (الدولار الأمريكي = 5.64 جنيه مصر تقريبا) من "رعاية الشباب"، ووعدناه بإرجاعها، والحقيقة أننا لم نقم بإرجاع 1000 جنيه فقط، بل على غير المتوقع رددنا للكلية حوالي 10 آلاف جنيه من خلال الأنشطة التي قمنا بها في نفس العام تقريبا. ويؤكد بدير عدم وجود أي مؤسسة تدعم هذه الرابطة، بل يقول إن الرابطة تغطي مصاريفها، ويتبقى فائض جيد من خلال الدورات التدريبية التي تقوم بها، لكنه يعتبر أن الوصفة السحرية لنجاح الرابطة وازدياد قوتها وانتشارها يوما بعد يوم هو "عمل التطوع". يضيف قائلا: "بدأت أنا ومجموعة من زملائي بالكلية وعددنا لا يتجاوز 5 أفراد، واليوم وصل عددنا إلى 250 فردا، ولا يتلقى فرد منا جنيها واحدا على عمله، بل إن سفرياتنا إلى بعض محافظات الصعيد، لا نأخذ مقابلها قرشا واحدا، بل والطلبة المتطوعون لا يأخذون حتى ثمن وجباتهم وأكلهم أثناء السفر". عندما قلت لأحمد مازحا إنني لو في مكانك لفكرت بشكل جاد أن أحول هذه العمل لعمل خاص ما دام أن هذا الأمر يدر دخلا جيدا بهذا الشكل؛ حيث التدريب والتنسيق مع شركات أدوية، وطلبة يحتاجون لتدريب. فأجابني ضاحكا: "كما أخبرتك أن سر نجاح هذا العمل أنه خارج من تجمع ومؤسسة طلابية، لكنك إذا أردت أن تؤسس شركة فسيكون هدفها الأساسي الربح، عندها أنت تحتاج لموظفين تعطيهم مرتبات، ومرتبات جيدة حتى لا يهربوا منك لشركات أخرى، وعندها تحتاج أن ترفع تكلفة الدورات التي يأخذها الطلبة، وتصبح أسعار هذه الدورات ليست في متناول الجميع، وذلك ليس هدفنا". ويضيف قائلا: "تخيل أننا دربنا 1200 طالب في أسيوط وحدها هذا العام؛ حيث يتدرب الطالب خلال 8 محاضرات، سعر المحاضرة 5 جنيهات، بينما المدرب أعطيناه 5 آلاف جنيه مقابل تلك المحاضرات". لجان الرابطة ويتفق كريم عبد الرحمن -طالب بالفرقة الأخيرة بكلية صيدلة جامعة القاهرة، ومدير اللجنة المنظمة لنموذج القسم الدوائي- مع أحمد في أهمية ملتقى توظيف الصيادلة لردم الفجوة بين شركات الأدوية وخريجي الكليات الذين يريدون العمل بسوق الأدوية. ويضيف قائلا: "الفكرة كل عام تتطور عن الذي قبله، فالعام الذي أنشئ فيه الملتقى كان لا يوجد فيه إلا لجنة واحدة، وهي لجنة التحضير للملتقى، ولجنة التوظيف في ذات الوقت". وصل عدد اللجان اليوم إلى خمس لجان: الأولى هي لجنة "الملتقى الوظيفي"، ووظيفتها تكمن في التحضير للملتقى الوظيفي، والتواصل مع شركات الأدوية لحضور الملتقى. واللجنة الثانية هي "لجنة التدريب"، وتقوم بالتحضير ووضع خطة إستراتيجية لبرنامج تدريبي والدعاية لها. أما الثالثة فهي لجنة "نموذج التسويق الدوائي" وتعمل على محاكاة نموذج أقسام التسويق الدوائي بشركات الأدوية، وما يخص التسويق والدعاية الدوائية، وتدريب الطلاب الراغبين في العمل بمجال البيع، ويقوم الطلاب أثناء التدريب من خلال هذه اللجنة بوضع منتج دوائي معين للتحضير لبيعه، ووضع خطة تسويقية لهذا المنتج بشكل يحاكي ما يحدث في الواقع تقريبا. وطبقا لقوله تتعامل اللجنة الرابعة وهي "لجنة التوظيف" مع شركات الأدوية بعد "الملتقى الوظيفي" لمدة عام كامل، تقوم بتوفير طلبة وخريجين مدربين، وتوفر احتياجات الشركات من المهنيين المدربين بشكل جيد وفقا لاحتياجاتهم. والخامسة هي "لجنة العضوية": وتهتم بضم أعضاء للملتقى، وعمل كارنيهات خاصة بهم وهكذا. وهناك لجنة حديثة وهي لجنة "التدريب الفني": وهي تهتم بتطوير الطلبة فنيا من خلال برامج مثل الـ""Quality control، ودورات التوعية بالأمراض المستعصية، وأعمال البحوث والتطوير. إنجازات ويعتبر عمرو عاشور مدير لجنة التدريب برابطة ملتقى التوظيف أن إنشاء أول ملتقى توظيفي للصيادلة على مستوى مصر هو أهم الإنجازات التي حققتها رابطة "ملتقى التوظيف"؛ حيث تم بالفعل إقامة خمسة ملتقيات وظيفية خلال خمس سنوات، وتدريب حوالي 2650 طالبا ضمن برنامج "تطوير المهارات" في عام 2009، و240 طالب في برنامج نموذج "التسويق الدوائي". ويضيف عمرو: "وصل عدد الأفراد الذين زاروا ملتقى التوظيف الأخير 8000 فرد من كليات مختلفة ما بين صيدلة وبيطري وعلوم، وعدد الشركات التي حضرت نفس الملتقى الوظيفي 40 شركة، من بينها شركات عالمية ذات أسماء معروفة". والشركات التي تحضر الملتقى يتم إمضاء عقد معها بتدريب 100 فرد خلال إجازة الصيف، وبالفعل تم الحصول على 850 فرصة عمل خلال الصيف القادم 2009، بالإضافة لبعض حملات التوعية، مثل حملة التوعية بمرض "الالتهاب الكبدي الوبائي C". ويشير إلى أن البداية كانت بعدة كليات للصيدلة لا تتجاوز أصابع اليد، ونحن ننسق الآن مع أكثر من 30 كلية على مستوى الجمهورية، كذلك كانت البداية بكليات الصيدلة، اليوم نعمل مع كليات الطب البيطري والعلوم. وفي النهاية نتمنى زيادة عدد وحجم البرامج المقدمة، خصوصا في مجال التسويق الدوائي، ودراسات السوق، وستوفر الرابطة الصيف القادم برامج تدريبية في "دراسات مشروعات الجدوى، وإنشاء مشروعات صغيرة"؛ حيث سيتعلم الطلبة الحاضرون بهذه الدورة كيفية عمل مشروع صغير من الصفر، وسيتم تقسيم الطلبة إلى ثماني مجموعات؛ كل مجموعة مطلوب منها أن تضع تصورا لخطة مشروع جديد، ودراسة جدوى، وشكل التسويق، والفريق الذي سيفوز بأفضل مشروع من خلال لجنة تقييمه. |
تعليم الأطفال في اليابان..صناعة البشر
قبل 13 عامًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق