الجمعة، 22 مايو 2009

عقدة الخواجة تدعم الشركات المؤيدة لإسرائيل



Image
د. سماح إدريس

مقاطعة السلع الأجنبية .. سلاح دائما ما يطرح بعد أي أحداث على الساحة الفلسطينية.. ويستند المطالبون به إلى حقيقة أن الشركات المنتجة لهذه السلع تدعم الوجود الإسرائيلي في فلسطين.

وبرغم قدم طرح هذا السلاح -قدم القضية الفلسطينية نفسها- فإنه لا يزال يقدم كحل، ومع الاحتفال هذه الأيام بذكرى النكبة ووقوع فلسطين في يد المحتل الإسرائيلي، تثور العديد من التساؤلات حول هذا السلاح والمبررات التي يطرحها رافضوه مثل تأثير المقاطعة سلبا على الاقتصاد المحلي، والأسلوب الأمثل لتنفيذه، ولماذا يرتبط طرحه بظهور الأزمات.

د.سماح إدريس رئيس تحرير مجلة "الآداب"، ورئيس حملة "مقاطعة داعمي إسرائيل بلبنان"، وصاحب أهم نشرة دورية تتحدث عن المقاطعة في العالم العربي، وهي نشرة "قاطعوا " ، يجيب عن هذه التساؤلات وغيرها، ويطرح في حواره مع "إسلام أون لاين" بعدا جديدا للمقاطعة قد يسهم استغلاله في تحقيق بعض المكاسب لقضايانا المعلقة منذ عقود.

* سألته في البداية ، لماذا تدعم الشركات الغربية العملاقة والمتعددة الجنسية إسرائيل؟ وبرأيك هل لهذا أي مكسب؟

- تدعم هذه الشركات إسرائيل نتيجة لعقدة الذنب المترسبة في الضمير الأوروبي، بسبب ما يعتبرونه مذابح أقيمت ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية، لذا وكحسن بادرة تجاه إسرائيل وتجاه اليهود فالشركات الغربية تقدم الدعم للكيان الصهيوني لكي تفي بالدين القديم، ولكي يظل الكيان الصهيوني حيا وباقيا.

* وكيف تدعم هذه الشركات إسرائيل؟

- الدعم المقدم من تلك الشركات لإسرائيل يأخذ ثلاثة طرق:
الطريقة الأولى الاستثمار في الشركات الإسرائيلية بشكل مباشر، فعلى سبيل المثال عندما تقوم شركة " نستلة"* السويسرية بشراء 50.1% من أسهم شركة "أوسم" الإسرائيلية، وهي أكبر الشركات الإسرائيلية إنتاجا للأغذية، فهي تعمل على زيادة قوتها وتواجدها، وأيضا تروج لمنتجاتها في سوق الاقتصاد العالمي، وتقوي من الاقتصاد والإنتاج الإسرائيلي.

وكما نعلم فإن إسرائيل توجه جزءا ضخما من ميزانيتها للمجهود الحربي والعسكري، وعندما تعين شركات أجنبية الاقتصاد الإسرائيلي، فإنها تساعد بشكل مباشر إسرائيل على التفرغ للمجهود الحربي، وكأنها تقول لها: "حاربي العرب كيف شئتِ، واقتلي الفلسطينيين كما تريدين، وأنفقي في ذلك القليل والكثير، فنحن من ورائك ندعمكِ ونساندكِ".

الطريقة الثانية تتمثل في دعم المناطق المحرومة داخل الكيان الصهيوني بحيث تصبح أماكن قابلة للحياة، فعلي سبيل المثال منطقة "سديروت" هي منطقة محرومة، أطفالها لم يكونوا يحظون بتعليم جيد، واقتصادها منهار، ومع قيام لشركات غربية ببناء مطاعم ومسابح وفنادق ومراكز تنموية سيدعم اقتصاديات هذه المستوطنات، وبالتالي فإن اليهودي الغربي أو الشرقي الذي كان مترددا في الذهاب لإسرائيل سيحزم أمره، ويذهب للعيش هناك، طالما صارت هذه المناطق صالحة وتحتوي على شروط كريمة للعيش فيها.

وبذلك تشرع هذه الشركات الاغتصاب الصهيوني لأراضي فلسطين 48، وتساعد وبشكل رئيسي في طمس كل معالم التطهير العرقي السابق الذي مورس على أهل فلسطين، وتحولها لأماكن حديثة وغربية تكون بديلا عن الواقع الفلسطيني الذي أُزيلت كل معالمه الأساسية.

الطريقة الثالثة: تكون بتبرع هذه الشركات لجمعيات خيرية صهيونية، كأن تقوم شركة (كوكاكولا العالمية) بشكل منتظم بدعم "الصندوق القومي اليهودي"، وهذا الصندوق هو المسئول بشكل أساسي عن توطين اليهود في فلسطين.
وهذه هي الوسائل الأساسية لدعم إسرائيل، وهو دعم اقتصادها وترسيخ شرعيتها ووجودها على الأرض.
هناك أيضا وسائل أخرى كإقامة مهرجانات للموسيقى "مثل مهرجان أراد للجاز"، وسباق "ماراثون" ودعم منتخب إسرائيل برعاية "كوكاكولا" كل هذه الأنشطة تقدم الأساس المتين لاقتصاد وشرعية إسرائيل.
وبذلك فأنا أرى أن دعم هذه الشركات هو دعم للنكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني، فإذا كانت النكبة قد حدثت عام 1948 بدعم مباشر من الغرب، فإننا اليوم نساهم في إدامة هذه النكبة بشراء منتجات هذه الشركات الكبرى.

* هل يوجد فرق بين مقاطعة الشركة الأم، وفرعها الإقليمي، أو فرانشايز تابع لها داخل الدولة؟

- هناك خطأ شائع وهو أن توكيل كوكاكولا أو بيبسي في مصر مثلا تدعم إسرائيل بشكل مباشر، وهذا ليس صحيحا على الإطلاق، الذي يحدث أن الوكيل المحلي أو ما يسمى بالفرانشيز ويطلق عليه أيضا الـ"local operator" -الذي قد دفع بالفعل كثيرا من الاستثمارات لكي يحصل على الاسم التجاري- يقول: "أنا لا علاقة لي بدعم إسرائيل..!".

وهو بالفعل لا يدعم إسرائيل بشكل مباشر، لكن الحقيقة أنه بموجب العقد مع الشركة الأم في "شيكاغو" أو "أتلانتا" عليه أن يورد جزءا من الأرباح إلى الشركة الأم، والمكتب الرئيسي في شيكاغو والمكاتب الرئيسية بدورها تورد جزءا من هذه الأرباح إلى "صندوق القومي اليهودي" والذي يمتلك بالفعل جزءا ضخما من الأرض الفلسطينية، وبالتالي "الفرانشيز" يساهم بشكل غير مباشر في توطين اليهود بدلا من الفلسطينيين!!.

وإذا كانت الاستثمارات محلية، والعمالة عمالة محلية، فلماذا الوكيل المحلي زاهدا بهذا الشكل في اسم الشركات المحلية، ألا يستطيعون إنتاج نفس المنتجات بالشكل المحلي، أم هي "عقدة الخواجة"؟ وما الضير أن ننتج "دجاجا محليا" نعطيه اسما بدلا من "ماكدونالدز"، ونفس الأمر مع "نستلة" و"كوكاكولا" وغيرها، وما العظمة في شركة مثل "كوكاكولا" والتي مزيج كل عبوة من عبواتها تحتوي علي 10 ملليمترات من السكر، ومواد أخرى وكلها مواد معروف ضررها بالمستهلك، أهذا شيء يشرف "الوكيل المحلي"؟.

* هل ستؤثر مقاطعة هذه الشركات على الاقتصاد الوطني، حيث سيتم تسريح آلاف العمالة، ويتم وقف إمداد هذه المصانع بمئات المنتجات الأخرى التي تستخدم في الإنتاج؟

- هذه الشركات الكبرى لا تدعم الاقتصاد المحلي على الإطلاق، إنما هي في الأصل تضرب الإنتاج المحلي، فمنتجات مثل ماكدونالدز وكنتاكي أكلت جزءا من سوق "الفلافل" و"الكشري" و"الشاورمة" وغيرها من المنتجات المحلية!.

ماكدونالدز لا تأتي بشيء من السوق المحلي سواء كانت الفراخ، أوالبطاطس، والخس، والبيبسي، والأقداح البلاستيك، بل وحتى قشة الشرب التي تسمى "الشاليمو" كل هذه تأتي من الخارج، كل القصابين والمزارعين العرب لم يستفيدوا أي شيء من وجود مثل هذه الشركات في بلادنا.

بلا شك ستتضرر بعض العلاقات الاقتصادية، لكن المستفيد حينها هو الشعب بأكمله، والقائل: "إن هناك مئات من العمال سيُسرحون أو سيفقدون وظائفهم في كوكاكولا".. هو نفسه القائل: "علينا أن نشجع المستوطنات لأن هناك بضعة مئات من الفلسطينيين يعملون في بنائها ويتقاضون على ذلك أجرا"، وهذا أمر لا يُعقل!..

نحن لا نطالب بقطع العلاقات مع هذه الشركات العملاقة التي تدعم إسرائيل بشكل نهائي، ولا نطالب بإغلاقها.. فقط نقول قاطعوها حتى تتوقف عن دعمها لإسرائيل، يجب أن نقول لهذه الشركات: "ادعمي إسرائيل وسنقاطعك، وستخسرين مئات الملايين.. ستخسريننا نحن الشعب العربي والإسلامي، ومصلحتك معنا نحن وليس مع غيرنا".

لا تدرك هذه الشركات أن الاستثمار هنا في المناطق العربية والإسلامية والإفريقية مربح جدا؛ حيث الأسواق غير مشبعة على الإطلاق، أما إذا اتجهت هذه الشركات للسوق الغربية أو الإسرائيلية فالأولى مشبعة بالكامل، والثانية محدودة للغاية، إذا استطعنا أن نهز لهذه الشركات العصا فإنها سوف تتراجع بشكل كبير خصوصا مع الأزمة المالية التي نالت الصغير والكبير، وسيكون سلاح المقاطعة عندها فعالا بشكل كبير.

يجب أن نعلم أنه خلال مقاطعة الدول العربية للكيان الصهيوني من عام 67 حتى عام 93 (أي حتى اتفاقية أوسلو وانهيار الوضع العربي) خسرت إسرائيل خلال هذه الفترة 93 بليون دولار، وإذا كان العرب يعتقدون أن هذا المبلغ بسيط فهذه مشكلة، فهذا المبلغ يعادل ما يوازي من 10- 15 سنة من الدعم الأمريكي المباشر للدولة الصهيونية.

*وما أهم الأسماء التي تأتي في مقدمة الشركات الداعمة للكيان الصهيوني؟

- يأتي في المقدمة بالطبع شركة "نستلة" السويسرية والتي تكلمنا عنها في مقدمة حديثنا، وشركة "كاتربيلر" لبيع المعدات الثقيلة، وجرافتها الشهيرة D9 التي جرفت مخيم "جنين" عام 2002، وقتلت الناشطة الأمريكية "رايشتيل كوري" عندما حاولت التصدي لهدم بيت فلسطيني.

راشيل كوري بمواجهة جرافة كاتربيلر

وأسهمت جرافات "كاتربيلر D9" -التي بدأ عملها في الضفة وغزة بعد اندلاع الانتفاضة مباشرة- في هدم أكثر من 835 منزلا في الضفة وغزة منذ عام 2001، وسوت مخيم "جنين" بالأرض عام 2002 بعد 4 أيام من الجرف، وقامت جرافات "كاتربيلر" ببناء جدار الفصل العنصري بينما تساهم بذلك في مساعدة إسرائيل على سرقة 60% من الأراضي الخصبة الفلسطينية بالضفة الغربية؛ لذا فليس غريبا أن يسمي نشطاء المقاطعة هذه الجرافة باسم "كاتركيلر".

وليس غريبا أن يقدم نشطاء المقاطعة من منظمة "كاتربيلر: أخرجي من فلسطين" إلى مدير عام الخدمات المالية بكاتربيلر عام 2004 جائزة اسمها "مخربة البيوت لهذا العام"، وكانت الجائزة عملا فنيا صغيرا عبارة عن بيت مهدم وملطخ بالدم وشجرة زيتون مكسورة".

هناك كوكاكولا التي تعتبر أكبر الراعيين غير الرسميين لإسرائيل بحسب اعتراف الموقع العبري الخاص بها، هناك شركة "جونسون & جونسون" الأمريكية، وشركة "فيليب مورس" لإنتاج السجائر الأمريكية، وغيرها من المنتجات التي يستطيع الناشطون بمزيد من البحث الدقيق خلال مواقعها الرسمية باللغة الإنجليزية والعبرية معرفة هل تدعم إسرائيل أم لا، والبيانات متاحة للجميع.

* برأيك ماذا تحتاج المقاطعة العربية لكي تصبح مقاطعة فاعلة؟

- هناك عدة أمور لابد أن تحدث لتحقيق ذلك؛ أهمها وجود لجان بحثية تعمل على إخراج دراسات جادة، وإلا فقدنا مصدقيتنا أمام الرأي العام، وأمام من يتعامل بمنهجية.
للأسف سمعت أنه في مصر تم مقاطعة منتجات شركة "إريال" فقط لأن اسم الشركة مشتق من اسم "إرييل شارون" وهذا سخف يضر بمصداقية المقاطعة، إذا تصرفنا بجهل وعدم دراسة جادة مع ملف شائك مثل هذا، فاسم إريال -إذا دخلت على موقع الشركة- مستمد من قصة "العاصفة" للروائي الإنجليزي شكسبير الصادرة عام 1516، و"إريال" اسم لريح طاهرة تنظف العالم من الأدران والأوساخ، وبالطبع لم تتواجد إسرائيل في هذا الوقت!..

ما أود قوله هو أنه لا يكفي أن تُصدر فقط لوائح بأسماء الشركات الأجنبية التي تدعم إسرائيل بدون أن نوثق الأسباب التي أدت لمقاطعتها، وهذا الذي نحاول عمله عندنا في "لجنة المقاطعة ودعم المقاومة"، فنحن في لجنة المقاطعة في لبنان لم نصدر كتيبا إلا وقد تحققنا وتوثقنا بشكل أكيد من المعلومات الواردة فيه.

ثانيا إجراء بعض الدراسات من واقع حال فروع هذه الشركات في العالم العربي، من حيث معاملة الموظفين، الأرقام التي يحققونها، أي منتجات يستوردون وهكذا، واستخدام هذه المعلومات لتدعيم البيانات التي تنشر في قائمة الشركات التي ستقاطع.

ثالثا تقسيم العمل بين لجان المقاطعة العربية، وليس صحيا أبدا أن تقوم بلد واحد بتحمل جهد نشاط المقاطعة من حيث النشر والمتابعة والبحث وغيرها، لكن للأسف لبنان حتى الآن هو من يقوم بذلك ويصدر الأرقام للبلدان العربية، على كل لجنة أن تنشط من ناحية معينة وتزيل عبئها عن الآخرين، فيتم تحديد فترة زمنية على سبيل المثال تقدم فيها كل لجنة تقريرا مفصلا عن 10 أو 15 شركة بحيث يتم تحديد من منها يدعم إسرائيل من عدمه.
رابعا تنظيم ورش عمل وتدريب، فالناشطون عندهم حماس رائع، ولكن هذا الحماس ينقصه بحث منهجي ومعلومات تقدم حتى للناشطين المبتدئين.

أخيرا ضرورة التواصل مع كل المقاطعين في العالم؛ خصوصا حملة المقاطعة في أوروبا، وضرورة التعلم من أساليبها المتنوعة، فعلى سبيل المثال المقاطعة الأوربية الأكاديمية والثقافية هي أقوى أشكال المقاطعة، أيضا لابد من تنسيق جيد مع حركات مقاومة العولمة، ومعاداة الإمبريالية، والصهيونية العالمية، وهذه الحركات لها باع كبير في تنظيم الحملات المضادة.

* لكن هل حققت المقاطعة العربية أي إنجازات على أرض الواقع؟

- نعم حققت حركات المقاطعة في العالم العربي بعض النتائج في مشروع المقاطعة، أبرزها كان من منتصف عام 2002 حتى نهاية 2003 وكان ذلك أثناء "مذبحة جنين"، لكن للأسف الحركة الشعبية تثور حينما تكون هناك مذبحة أو حرب إسرائيلية ضد شعب عربي ما، وتخمد حينما تخمد هذه المذبحة، وهكذا ويعود الناس طبعا معها لعاداتهم القديمة في شراء ما نودي بمقاطعته فترة الحرب، علينا أن نعمل على استمرار هذه المقاطعة وأن نعرف أن إسرائيل تقوم كل يوم بمجزرة، لكنها "مجزرة بالتقسيط"، أي إذا كانت إسرائيل تقتل في حرب لها كحرب لبنان 2006 أو حرب غزة الأخيرة الآلاف من مواطنينا، فإنها تقتل أيضا يوميا في الضفة وغزة عددا غير قليل.

علينا أيضا أن نعترف بأن الأحزاب العربية والتي عليها دور كبير في المواجهة فقدت "العصب الكفاحي"، وصارت "أحزابا موسمية"، ففي لبنان على سبيل المثال لا يوجد هناك حزب عريق أو غير عريق يتبنى مشروع المقاطعة ميدانيا، وليس هناك حزب في لبنان يحتوي على "لجنة مقاطعة" وفي ذلك حزب الله!.

ما فائدة أن تقاتل إسرائيل بيدك اليمنى ثم تدعمها اقتصاديا بيدك اليسرى، في النهاية إسرائيل ليست أسطورة؛ فكما هُزمت في عام 2006 بلبنان، نستطيع أن نهزمها مرة ثانية وثالثة بالحرب مرة، وبالاقتصاد مرة أخرى، إسرائيل ليست أقوى من بريطانيا عندما قاطعها الشعب الهندي مع غاندي، وإسرائيل ليست أكبر من "نظام الفصل العنصري" في جنوب إفريقيا عندما رفضه حزب "نيلسون مانديلا" بالمقاطعة، وليس بالكفاح المسلح.

- الحوار علي إسلام أون لاين.

ليست هناك تعليقات: