الجمعة، 22 مايو 2009

الأقليات المسلمة في الغرب بين ظاهرة الإسلاموفوبيا والاندماج

- الخطاب الإعلامي الإسلامي الموجه للغرب لا يزال محدودا في خطواته الأولى.

- أغلب مشروعات الدمج المطروحة من قبل الحكومات والمؤسسات الغربية تثير الريبة والشك لدى أغلب الأقلية المسلمة خاصة المحافظين منهم؛ لأنَّ أغلبها يميل إلى الاندماج المشروط.

- الإعلام هو صاحب نصيب الأسد في إذكاء مسألة الخوف من الإسلام والمسلمين التي أصابت الغرب وتنامت في الفترة الأخيرة.

- هناك بعض المراكز الإسلامية وصلت الى حد من التطوير إلى درجة أنها أصبحت تنافس المراكز الثقافية والاجتماعية الأوروبية, وبعضها لايزال تسيطر عليه العقلية الانعزالية.

كانت تلك بعض النقاط التي تحدث عنها الداعية وجيه سعد الداعية الإيطالي، المصري الأصل العضو المؤسس للتجمع الأوروبي للأئمة والمرشدين المسئول الثقافي وعضو الهيئة الإدارية العليا للاتحاد الجاليات الإسلامية في إيطاليا والإمام والخطيب بالمجمع الإسلامي بمدينة ريجو إيمليا بالشمال الإيطالي.

هل لدينا خطاب إعلامي فعال وحقيقي نوجهه للغرب بمختلف شرائحه, أم ما زال الخطاب الإسلامي يترنح بين الاستعلائية والدفع عن الذات؟

- لا شك أن الخطاب الإعلامي هو من المتغيرات التي يعتريها التبديل والتغيير من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر, ولقد تنادت الأصوات الإسلامية في الفترة الأخيرة الى تطوير الخطاب عموماً ومن ضمنه ذلك المُوجَّه للغرب, ومما لاشك فيه أنه ما زال في خطواته الأولى خاصة فيما يتعلق بالغرب حيث مازال الخطاب بالفعل يترنح بين الانزواء والانعزال والاستعلاء من جهة وبين الدفاع عن الذات ومحاولة رد الشبهات من جهة أخرى , أضف الى ذلك أنه أصلاً محدود ولا يصل إلاَّ إلى القليل.

تتهم الترجمات الخاصة بالكتب الإسلامية الموجهة للغرب بأنها كُتبت لتخاطب العقل العربي وليس الغربي وأنها مملؤة بمشاكل الأمة العربية وهمومها وأطروحاتها, وأن العديد من الكتابات العربية مفعمة بأساليب البلاغة العربية ويزخر خطابها بالإطناب والمبالغات والشكل التقريري وهو ما لاتقبله العقلية الغربية المرتبة والمنظمة التي لا تقبل إلا المعلومة الموثقة والمرتبة؟

أي كتاب يتناول موضوعا من الموضوعات سوف يحتوي لا محالة على فكرة معينة يريد إيصالها ومنهج يعرض من خلاله هذه الفكرة, وأسلوب وعبارات يوصل بها هذا المنهج وتلك الفكرة. ومما لاشك فيه أيضاً أن المطلوب هو إيصال الفكرة وإن اختلف منهج التناول أو أسلوب وعبارات التوصيل، وحتى فترة قريبة, ولأن المترجمين كان أغلبهم من العرب المتميزين فقط في الترجمة؛ فكان يتم نقل الكتاب بثلاثيته: الفكرة – المنهج – الأسلوب. بل حتى الأمثلة التي ربما لا تتوافق حتى مع الواقع العربي الآن فضلاً عن المجتمع الغربي. ولكن في الفترات الأخيرة وخاصة في الدول التي بها أقليات مسلمة قديمة نسبياً مثل بريطانيا وفرنسا وأميركا؛ أُنشئت مراكز للبحوث تجمع بين أكثر من طيف, ففيها العربي والشرعي كما أن فيها ابن البلد ذاتها خاصة من أبناء الجيل الثاني والثالث للأقلية المسلمة, فكانت هذه نقلة كبيرة جداً في عالم الترجمة.

هل العاملون في مجال والدعوة والإعلام والتعليم والتأليف والنشر الإسلامي في أوروبا, دارسون بعمق وبفهم الواقع السياسي والاجتماعي والنفسي والديني للشارع الأوروبي حتى يستطيعوا استيعابه والتأثير فيه؟!

هذا في الحقيقة حسب كل بلد أوروبي؛ فمثلاً هناك بلد أوروبي الأقلية المسلمة فيه قطعت شوطاً كبيراً زمنياً وعملياً فتراكمت خبراتها وأعدت كوادرها وأُصقلت مواهبها من خلال الممارسات العملية وتميز مشروعاتها الدعوية والإعلامية والبحثية بحرفية عالية, منطلقة من فهم عميق للإسلام وقراءة صحيحة للواقع ودراسة عميقة للنواحي السياسية والاجتماعية والنفسية الأوروبية. في حين أن عدداً من الأقليات المسلمة في كثير من الدول الأوروبية ما زالت حديثة النشاة, ومن ثم فإن مؤسساتها وأفرادها لم يصلوا إلى نفس المستوى المطلوب وإن كان لايخلو أي مكان من المتميزين خاصة إذا عرفنا أن هناك تنسيقاً عاماً بين الكثير من المؤسسات الإسلامية الفاعلة في أوروبا من خلال اتحادات ومنظمات مركزية تساهم إلى حد ما بصورة إيجابية في نقل الخبرات وتدويل المفاهيم.

الأقليات المسلمة .. كيف تستطيع أن توازن بين الحفاظ على هويتها الثقافية والحضارية, وبين الاندماج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في المجتمع الغربي؟

لاشك أن هذه معضلة كبيرة, يعانيها المسلمون في بلاد الغرب خاصة الملتزمين منهم, إذ إنه في وسط مجتمع ذي حركة سريعة يعيش فيه ويتفاعل معه ويتبادلان التأثير كل في الآخر سواء في الناحية الاجتماعية أو السياسية او الاقتصادية وكذلك الثقافية. يجد المسلمون أنفسهم في حالة بالغة الصعوبة لتحقيق ذلك التوازن بين أن يحافظوا على هويتهم الثقافية وبين الانعزال عن المجتمع الذي يعيشون فيه. ومن خلال قراءتي للواقع الأوروبي عن قرب, أقول إن هذا راجع لعديد من الأسباب منها ما هو متعلق بالمسلمين أنفسهم ومنها ماهو متعلق بالجانب الأوروبي. فأمَّا مايتعلق بالمسلمين مثل ضعف المؤسسات الإسلامية القادرة على التعاطي الإيجابي مع متطلبات الأقلية المسلمة في الحفاظ على هويتها أفراداً كانوا أو أسرا. وأمَّا ما يتعلق بالجانب الأوروبي فهو نوعية الطرح للاندماج بكافة أنواعه, حيث إنه في أغلبه (أي طرح الجانب الأوروبي للاندماج) يثير الريبة والشك لدى أغلب الأقلية المسلمة خاصة المحافظين منهم؛ لأنَّ أغلبه يميل إلى الاندماج المشروط الذي يقدم جانباً من الحقوق على حساب الهوية الثقافية فيتحول إلى ردة فعل عكسية تجاه مشاريع الاندماج المُقترحة. ورغم ذلك, فإن التجربة أثبتت للأقلية المسلمة خاصة بعد ضياع الجيل الثاني في أغلب الأقطار الأوروبية؛ أنه لابد من العمل والعمل الجاد لإيجاد ذلك التوازن. فأخذت المؤسسات الإسلامية بالعمل المُركَّز والاستفادة من أخطاء الماضي؛ فظهرت الكثير من المؤسسات المتخصصة مثل المراكز البحثية والنوادي الاجتماعية والمدارس الإسلامية والمعاهد والكليات الشرعية, بل حققوا حضوراً في الجانب الإعلامي فأنشؤوا بعض القنوات الفضائية المُهتمة بواقع الأقلية المسلمة في أوروبا وكذلك تواصلت مع المؤسسات الإسلامية العالمية في البلاد العربية والإسلامية ذات الصلة, ما أعطى العديد من الثمار التي بدأ المسلمون مؤخراً جني بعضها.

ما هي المجهودات التي تقوم بها المراكز الإسلامية في إطار الحد مما يُسمى بالإسلاموفوبيا أو الخوف من تنامي الظاهرة الإسلامية في الغرب علي العموم؟

مسألة الخوف من الإسلام والمسلمين التي أصابت الغرب وتنامت في الفترة الأخيرة, لاشك أن الإعلام هو صاحب نصيب الأسد في إذكائها. هذا بالإضافة الى أمرين هامين هما: تصرفات بعض المسلمين داخل وخارج أوروبا بما يؤثر سلباً على نظرة الأوروبيين تجاه الإسلام والمسلمين, الأمر الثاني الذي لايقل أهمية عن سابقه؛ هو التقوقع الاجتماعي الذي كانت تمارسه المراكز الإسلامية والذي لايزال كثير من الأقلية المسلمة يعيشه. فصار الإسلام والمسلمون والمراكز الإسلامية شيئاً غامضاً مجهولاً بالنسبة للمجتمعات الأوروبية وأصبحت الصورة على النحو التالي, إعلام يرهب المجتمع الغربي من الإسلام والمسلمين وتصرفات حية ملموسة مسيئة ومشوهة وتقوقع وضبابية بالنسبة للجانب الإسلامي. فأدى ذلك كله الى ظهور وتنامي ظاهرة "الإسلاموفوبية:. ثم أصبحت مركبا سهلا وسلما متاحا يرتقيه كل طالب للشهرة او باحث عن المنصب سواء في الجانب الإعلامي او السياسي فسريعا يتبعه ويصدقه الخائفون.

فكان لابد من أن تقوم المراكز الإسلامية بدورها الصحيح خاصة بعد أن أصبحت هدفاً مباشراً حتى أن البعض منها تم الاعتداء عليه بالحرق مثل مسجد "هولندا" ومنها إلقاء "المولوتوف" على عدد من المساجد والمؤسسات الإغاثية في إيطاليا. فقامت أغلب المراكز في أغلب الأقطار الأوروبية في مواجهة هذه الظاهرة بأمرين: الأمر الداخلي وهو توعية الأقلية المسلمة بحقوقها وواجباتها وذلك بكافة الوسائل المُتاحة. والأمر الخارجي هو الانفتاح على المجتمع الأوروبي من خلال المؤتمرات والندوات والمشاركة في الأنشطة المختلفة والتجمعات المدنية وتوزيع النشرات وإهداء الكتيبات والحضور الإعلامي, للتعريف والمُعايشة والرد على الشبهات التي تثار داخليا وخارجيا الى غير ذلك من الوسائل ما أدى الى حد كبير الى التقليص من هذه الظاهرة.

هل للمراكز الإسلامية مجهودات على الصعيد السياسي في البلاد الأوروبية أم ما زال يُقتصر دورها على الوعظ والإرشاد؟

المراكز الإسلامية في أوروبا الأصل أن تكون مؤسسة دينية ثقافية رياضية اجتماعية سياسية إلى غير ذلك من الأنشطة التي تقوم بها المراكز الإسلامية تجاه الأقلية المسلمة, فهي ليست فقط مسجدا للصلاة ولكن بطبيعة الحال حينما يتكون المركز الإسلامي يكون أول ما يسعى إليه هو تأمين إقامة الشعائر والعبادات ثم بعد ذلك يتطور عمله وأداؤه شيئاً فشيئاً وإن كان هذا أيضاً متوقفا على فهم الأفراد الذين أنشؤوا ذلك المركز فهناك بعض المراكز الإسلامية وصلت إلى حد من التطوير إلى درجة أنها أصبحت تنافس المراكز الثقافية والاجتماعية الأوروبية حيث إن أهل البلد يعتبرونها لهم جميعاً سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين فيقصده الجميع ويشترك في عضويته العديد من غير المسلمين, بل هناك عدد من رؤساء المراكز وعدد من الأئمة هم أعضاء في مجلس شورى المحافظة التي يعيشون فيها.

ولكن على الجانب الآخر هناك مراكز في بعض الدول الأوروبية ما زالت تسيطر عليها عقليات انعزالية حتى النشاط المسجدي لا يقومون به.

- الأقلية اليهودية في الغرب وأمريكا، استطاعت تقوية نفسها وامتلاك أدوات السيطرة والنفوذ, برأيك شيخ وجيه لماذا لم تتكون حتى الآن لوبيات عربية وإسلامية قوية تدافع أمام الحكومات الغربية عن حقوق الأقليات الإسلامية, وتسرع من تنفيذ مطالبها؟

أخشى أن أقول إن الطبيعة العربية هي طبيعة تميل إلى الانفصال أكثر ما تميل إلى التجمع, وهذا الذي نعانيه؛ فالأقلية المسلمة من أقطار شتَّى ويحمل أبناء كل قطر مجموعة من المفاهيم عن العمل الإسلامي تتمايز مع غيرهم, وبدلا من الاستفادة من هذه التمايز والتعدد؛ صار ذلك كله يصب في مشادَّات وصراعات داخلية ساهمت الأنظمة العربية في تصعيده من جهة وكذلك المستفيدون من الأوروبيين, أضف إلى ذلك أمرين هامين هما: أن الأقلية المسلمة حديثة في أوروبا – إجمالا – في حين أن الجالية اليهودية قديمة جدا, ثم إن الأقلية المسلمة مستهدفة – قبلنا أم لم نقبل - فأعداؤها كثر والمتربصون كُثُر, في حين أن الأقلية اليهودية ليست تحت رصد المجتمع الغربي فهو إمَّا مُساند لها بلا حدود, وهذا هو الغالب وإمَّا محايد وهذا أقل شيء, ما جعل الجهود بالنسبة لنا مُشتتة وبالنسبة لهم موجهة، ولكن رغم كل ذلك فالتنامي العددي من الهجرة المكثفة وكذلك ظاهرة إسلام الأوروبيين أنفسهم وكذا تنسيق العمل ولو على مستوى بعض المؤسسات؛ كل ذلك يفي بالمطلوب –إن شاء الله – ويمهد للوبي إسلامي مؤثر {ويقولون متى هو, قل عسى أن يكون قريباً}.

ما تأثير لغة المظاهرات والمقاطعة التجارية التي انتهجتها بعض الشعوب العربية والإسلامية ضد الدول التي أساءت للرسول الكريم، برأيك هل أعطت نتائج ما أحسستم بها كأقلية مسلمة في الغرب؟

المُظاهرات والمُقاطعات التجارية هي وسائل للتعبير وليست هي كل الوسائل. والحقيقة أن طريقة إدارة هذه الوسائل قد يجعلها مؤثرة ومقبولة أو العكس. فالمُظاهرات والمُقاطعات التجارية على النحو الذي تم أدى في كثير منها إلى تفاقم الأزمة والمُضي بها إلى طريق مسدود؛ وذلك حسب العقلية الغربية فالمُقاطعات تعني العقاب الجماعي نظير قيام البعض بأمر ما فنقوم بمعاقبة الجميع, وهذا غالبا ما يحرج الأقلية المسلمة التي تدفع ثمن هذه الأمور. وكذلك المُظاهرات على الصورة التي نقوم بها في البلاد العربية تثير خوفهم واستغرابهم ولذلك لجأ عدد غير قليل من الأقليات المسلمة إلى انتهاج سياسة مُغايرة لإيصال المضمون وتوصيل الرسالة المُرادة, ولكن بالوسائل المقبولة غربياً لأن المسألة باختصار على النحو السابق يمكن أن نشبهها باثنين أحدهما يكلم الآخر ويرفع صوته في حين أن الثاني أصم لا يسمع الصوت ولا يرى منه إلا حركات متشنجة قابلة للكثير من التأويل, فإذا أراد أن يوصل له رسالته؛ عليه أن يستخدم وسيلة أخرى؛ مثلاً الإشارة بدلا من ارتفاع الصوت. فمثلا في إيطاليا تم طبع خمسين ألف نسخة تُعرِّف بالرسول الكريم وكذلك أقيمت العديد من الندوات والمؤتمرات ونشر بعض الخيام في الميادين للتعريف, فحققت نجاحاً ملحوظاً في الوقت الذي قامت فيه المُظاهرات مثلاً في "ميلانو" فكان لها الأثر السلبي الملحوظ نظير أعمال العنف التي صاحبت المظاهرة مثل الحرق وتهشيم النوافذ وغير ذلك.

كذلك في هولندا قام أحد المراكز الإسلامية بعمل مسابقة ذات جوائز قيِّمة عن النبي محمد - صلي الله عليه وسلم- وفُتح باب الاشتراك للجميع واشترك عدد كبير من المسلمين وغير المسلمين. واضطر الجميع للاطلاع على سيرته -صلي الله عليه وسلم- والتعرف عليه إلى غير ذلك.

ما تقوم به بعض الدوائر المتطرفة الغربية من إساءة للإسلام أو رموزه تفسره هي علي أنه حرية رأي, في الوقت الذي لا يجرؤن فيه على الحديث مثلا عن " الهولوكست ", أهذا من ضعف الأقليات المسلمة في أوروبا؟

لاشك أن هذا سبب من الأسباب, وهذا ليس على مستوى الأقلية المسلمة في أوروبا فقط فقط وإنما على مستوى العالم الإسلامي أجمع, إذ إن العديد من القضايا المركزية يتم تناولها بشيء من الاستخفاف غير مُعتبرين الأمة الإسلامية على اتساع رقعتها. ولكن هناك أسباب أخرى أيضا جديرة بالنظر: منها الكسب المادي, فليس كل المُسيئين أصحاب فكر مناهض للمسلمين أو متبنيا لقضية حرية التعبير- كما يقولون, وإنما ربما لا يكون الدافع وراء ذلك إلاَّ محاولة للكسب المادي وذلك ظهر واضحا من الصحف الدانمركية السبعة عشر التي قالت إنها متضامنة مع الصحفي صاحب الرسوم المسيئة ولكن الحقيقة هي فقط البحث عن أحد الوسائل لتوزيع أكبر وكسب أعلى.

وهناك سبب آخر غاية في الأهمية, هو أن العقلية الأوروبية تقوم على احترام القانون في الغالب, ليس بالضرورة من باب تقدير القانون, ولكن يمكن أن يكون ذلك بدافع الخوف من العقاب لو أنه خالف القانون؛ فسير الأوروبي في الساعة الثالثة فجراً ووقوفه أمام الإشارة الحمراء والطريق خال تماما, ليس بالضرورة لتقديره لقانون المرور ولكن غالباً خوفه من "الكاميرات" الموجودة في كل مكان والتي ترصد السيارات المخالفة وأياًّ كان مكانه, سوف تأتيه الغرامة إلى منزله إلى غير ذلك. ولذلك فبالنسبة "للهولوكست" - ليس في محله أن نضرب بها مثلاً, لماذا؟ لأن هذا الموضوع - رضينا أم لم نرض - صدر به قانون من الأمم المتحدة يُجرِّم من يشكك فيها. أمَّا مسألة الأديان فلم يصدر بها قانون بعد, ولذلك تجد حينما نلتقي رجال الكنيسة يحكون لنا عن معاناتهم أيضا من الملاحدة والإباحيين الذين يستخدمون الكنائس والرموز الدينية المسيحية في أفلامهم الساقطة. في حين أننا لو دفعنا باتجاه استصدار قانون من داخل المؤسسات الغربية أو العالمية لتجريم النيل من الأديان والمقدسات, سوف يكون ذلك رادعاً لأعمال هؤلاء الذين يتعللون بحرية التعبير وهذا ما تقوم به العديد من المؤسسات الإسلامية.

تعديل لقانون اللجوء وتعديل لقوانين الهجرة في الدول الغربية للحد من تفاقم ظاهرة الغرباء في القارة العجوز .. ما تأثيرها على الأقليات المسلمة هناك؟

القارة الأوروبية بين أمرين أحلاهما مُر, فهي من جانب مُهددة في هرمها البشري, فالعدد الأغلب هم الشيوخ المسنون, والعدد الأقل هم صغار السن, ومن جانب آخر قام الجيل السابق في القرن الماضي بثورة صناعية ضخمة أدت إلى كل مانراه اليوم من تقدم هائل يشهد عليه ملايين المصانع الأوروبية في مختلف مجالات الحياة, فهذا ما يدفعها لاستقدام أكبر قدر من الطاقة البشرية لحل هذه الأزمة. ولكن خوفها المتنامي على مستقبلها وعلى ثقافتها يعود فيضغط عليها باتجاه الحد من الهجرة فهي تتأرجح بين الحالين, ولذلك في الفترة الأخيرة أرادت أن تجد حلا وسطا وهو أن تفتح باب الهجرة لاستقدام الثروة البشرية ولكن من شعوب أوروبا الشرقية لا من الدول العربية والإسلامية. ولكن ذلك - وهذا مايؤكده خبراؤها – أدى إلى زيادة معدلات الجريمة بشكل كبير ومُتسارع فكانوا كالمستغيث من الرمضاء بالنار. ولذا فإن هذه الزاوية من أكبر مساحات التخطيط الأوروبي تخبطاً, وعليه فإن ذلك لا محالة, يؤثر على الأقلية المسلمة تارة سلبا وتارة إيجابا وإن كان الغالب هو الجانب السلبي.

- الدكتور زكي بدوي، عميد الكلية الإسلامية في لندن، ذكر أن الاقليات الإسلامية في الغرب تواجه كثيرا من الصعوبات؛ أخطرها التعصب المذهبي السائد في أروقة المؤسسات الإسلامية الكبرى في أوروبا .. إلي أي حد وصلت تلك المشكلة؟

الأقلية المسلمة في بلاد الغرب هي تجمُّع انحدر من العديد من الأقطار والأعراف والحضارات والثقافات وكذلك الحركات الإسلامية المختلفة. ولقد كان هناك هامش كبير من الحرية مارس فيها الجميع كل أفكارهم ومناهجهم, فألقى كل ذلك التعدد بظلاله على خريطة العمل الإسلامي في أوروبا. فمن هذه التجمعات من قام بالاندماج والانضواء تحت مؤسسات إسلامية أوروبية تنطلق من التعاليم الإسلامية وتنضبط في أدائها بالقوانين الأوروبية وتستخدم في عملها الوسائل والمناهج الأوروبية ولا تقطع صلاتها بالمؤسسات الإسلامية العالمية وتناصر قضايا الأمة الإسلامية العادلة وهذا هو الغالب بإذن الله - على الأقل في الفترات الأخيرة - وهي تطور من نفسها يوما بعد يوم, ولكن على الجانب الآخر هناك من ظل أسير القطر أو الحركة التي انحدر منها فهو يعيش معها بقلبه وعقله ومنهجية تفكيره بل حتى الوسائل, وإن كان جسده في أوروبا. وكان يمكن أن يتكامل الفرقاء مستفيدين من هذا التعدد ولكن هناك ولا شك من لا يرى إلاَّ نفسه ولا يدور ويطوف إلاَّ حول ذاته وينكر الآخرين ويتعصب لمجموعته سواء ظهر ذلك في تعصب مذهبي فقهى أو تزمت حركي ضيق أو ولاء لقطر محدود. هذا النوع من الصراع والتعصب هو لاشك من أخطر ما تعانيه الأقلية المسلمة في بلاد الغرب وذلك لأنه داء لو أصاب الأمم العملاقة لأتى عليها, فكيف بأقلية تعيش في وسط أمواج متلاطمة من المواجهات والتحديات, غير أنني أؤكد أن يوما بعد يوم؛ يحدث ما يسمى بالنضج الدعوي فيرتفع الجميع إلى المصلحة العامة ويُغلبُّوا مصلحة الإسلام والمسلمين على الفئوية الضعيفة, وهذا بحمد الله حدث في كثير من الأماكن التي أثبتت لها التجربة أنه لاسبيل إلى القوة وإثبات الذات - بعد فضل الله سبحانه وتعالى ومنهجه القويم – إلا الاتحاد والتجمع والبعد عن التشرذم والتعصب.

كتبت مقالا عن تنصير الصحفي مجدي علام الذي تحول لكريستيانو علام، لكن لم تذكر لماذا احتفى الفاتيكان بتنصير الصحفي المصري الأصل بهذا الشكل؟

الحقيقة أني كتبت مقالاً بهذا الشأن, فقط لأني وجدت أن الكثير من المسلمين والمهتمين بشأن الأقليات المسلمة في أوروبا يتحدثون عن الحدث وكأن الأقلية المسلمة تبكي علاَّم وتندم على تفريطها في حقه إلى غير ذلك, فأردت فقط أن أبين لإخواني أن علاَّم أسدى إلينا معروفا كبيرا بإعلانه كونه غير مسلم, بدلا من الطعن المتكرر للأقلية المسلمة خلال العقدين الماضيين تحت زعم كونه مسلم, وبالفعل فإنني أشرت إلى استغرابي إلى قيام "البابا" نفسه بتعميد علاَّم وفي عيد الفصح! والحقيقة أنه لابد من تجلية حقيقة هي غاية في الأهمية: أن هناك مراكز قوى داخل "الفاتيكان" تؤثر بشكل كبير في السياسة الخارجية للفاتيكان, فمثلاً عند محاضرة البابا في "ألمانيا" التي أساءت إلى الإسلام أستطيع أن أكد إلى الإوة جميعا وذلك من خلال تواصلي المُباشر ببعض الشخصيات المقربة داخل الفاتيكان؛ أن البابا أراد فعلا أن يعتذر بشكل واضح ووعد بذلك وتمت المراسلات لتحديد تفاصيل ذلك الاتذار, وفجأة توقف الأمر وتدخلت بعض الشخصيات (مراكز قوى) غيرت مجرى الأمور واكتفى البابا باتقبال عدد من السفراء والدبلوماسيين ورؤساء المؤسسات من الدول العربية والإسلامية للحديث عن تقديره للإسلام ورسول الإسلام، ذلك الحال بالنسبة لعلاَّم, الذي عرض نفسه على العديد من الكنائس التي رفضت تعميده لكونه شخصية معروفة حتى لا تقع في حرج مع العالم الإسلامي وكذلك الفاتيكان, غير أن مراكز القوى أيضا تدخلت لإقحام تعميد علاَّم ضمن قداس عيد الفصح فكان ما كان. بل إ الغريب الآن أن علاَّم – بين عشية وضحاها – أصبح تقريبا يتحدث باسم الكنيسة وأصدر في التاسع من شهر مايو الجاري كتابه الجديد: "شكرا يسوع".

الحوار علي موقع رسالة الإسلام .

ليست هناك تعليقات: