الجمعة، 22 مايو 2009

البحث العلمي في مصر.. حبر على ورق

-إسلام أون لاين- علوم

Image

تخرج "أحمد حسين" من جامعته حاصلا على بكالوريوس العلوم، وعمل بعدها في شركة توكيلات، والتي كان من ضمن مهام عمله فيها تقديم بعض الاستشارات الفنية لمصانع الزجاج والسيراميك، التي تستورد حاجياتها من الشركات التي كان يعمل في التوكيل الخاص بها في مصر.

ترك له رئيسه عند بداية التحاقه بالعمل حرية البحث عن مصادر تصب في خبراته، وبعد البحث عرف أن -المركز القومي للبحوث بالقاهرة- يقوم بعقد دورات علمية في هذا المجال، وذهب للمركز للتسجيل بالدورة، لكنه فوجئ بإلغائها.

وعند سؤاله فوجئ بأحد أساتذة المركز يقول له متهكما: "الدورة تُلغى كالمعتاد؛ لعدم حرص العاملين بالمصانع على حضورها؛ نظرا لعدم ثقتهم بالمادة المأخوذة في الدورة، بالإضافة للصلة المقطوعة بين المصانع والمركز القومي...".

واستمر الدكتور في حديثه يقول: "الباحثون هنا لا يقومون بأبحاثهم لإضافة جديد للصناعة، بقدر الخوف من سياط الترقية".

كل في وادٍ

يقول المهندس هاني ونيس مدير الأبحاث والتطوير بمصنع سيراميك: "عندما يواجه المصنع مشكلة على خط الإنتاج، يتم الاتصال مباشرة بالشركة الأجنبية الموردة، وليس بالمراكز البحثية؛ لأننا عندما نذهب للمركز البحثي لكي نستشيرهم في مشكلة ما؛ نفاجأ أن الباحث لديه صعوبة ومشكلة في تصور خط الإنتاج، ولا يفهم التطورات المستمرة التي يتم إدخالها على الماكينة، أو مشاكل الصناعة التي لا يفهمها إلا المرتبطون بالصنعة".

بينما يرى عثمان نعمة الله مدير مصنع سابق، أن المراكز البحثية تركز كل اهتماماتها في الإطار النظري، وأبحاثهم دائما تكون داخل معاملهم بدون التطرق بشكل حقيقي للمشاكل الفعلية بالمصانع.

ومن وجهة نظر عثمان، فإن المشكلة لها بعد ثانٍ يتمثل في أن المراكز البحثية تعطي نسبة ضئيلة جدا من تكلفة الاستشارة للباحث، مما يجعل الباحث لا يهتم بالصناعة وأهلها ومشاكلها، فضلا عن أن تكلفة الاستشارة الخاصة بالمشكلة مرتفعة الثمن بشكل غير مبرر، وهو ما يحدو برجال الصناعة باللجوء مباشرة لطلب الحل من المورد الخارجي، ويضيف: "الأجنبي -دائما- عند رجال الصناعة موثوق به ومضمون".

تجارب المصانع.. شغل عطارين

وعن كيفية معالجة المشكلات البحثية بالمصانع يقول المهندس هاني ونيس: "إن مشكلاتنا نسعى لحلها بأنفسنا طبعا بتجارب غير منضبطة علميا، عن طريق المحاولة والخطأ، وفي النهاية يهمنا حل المشكلة وكفى".

واعتبر ونيس أن أقسام البحوث والتطوير –إن وجدت أساسا بالمصانع- ليست للبحث والتطوير حقيقة؛ لأن مسماها الوظيفي يختلف تماما عما تقوم به، فدورها يقتصر فقط على تحليل عينات المنتجات المستوردة، واستبدال منتجات غالية بمنتجات أقل سعرا، والبحث عن تنوع في الموردين، وعلاقتها بالبحث العلمي معدومة.

ويضيف قائلا: "حتى اختيار رئيس قسم البحوث والتطوير ليس قائما على اختيار مهندس أو كيميائي له قدرة على التطوير البحثي والعلمي المنضبط، وإنما على أساس اختيار مهندس له خبرة بالأقسام المختلفة بالمصنع وكفى، بل لا يوجد سوى أعداد نادرة من حملة الماجستير والدكتوراه، ولو وجدوا فهي في غير تخصصاتهم التي يعملون فيها بالمصنع".

البحث العلمي والترس الغربي

بينما يعتبر الدكتور عماد عويس أستاذ الحراريات بمركز بحوث وتطوير الفلزات أن هناك أزمة حقيقية بين البحث العلمي والصناعة، ورد المشكلة للمؤسسة البحثية، والمؤسسات الصناعية على السواء.

ويقول في هذا الشأن: "الناس في البحث العلمي مش شغالين، دول شغالين في المنشور على النت، للأسف البحث العلمي في مصر متركب في الترس الغربي، ونقوم بنشر أعمالهم كأننا نحقق أهدافهم، ونروج لمشروعاتهم البحثية بفلوس الدولة بتاعتنا...!!".

ويعيب عويس على المراكز البحثية بأنها غير مدركة للاحتياجات الوطنية، وغير مرتبطة أساسا بالواقع المحلي، ولا تقوم بعملية دراسة للسوق المصري كي تقوم بالعمل على أساسه، معتبرا أن "البحث العلمي في وادٍ، والصناعة في وادٍ آخر"، حسب تعبيره.

ويستطرد الدكتور عويس قائلا: "إن رسائل الماجستير والدكتوراه غير واقعية، وملفقة، ولا يوجد فيها أي ملامسات مع الواقع، الباحث لا ينظر –للأسف- للمشكلة ويقوم بإيجاد حل لها، وإنما يهمه في النهاية تقديم عمل ورقي ينال عليه ترقية أو درجة بحثية".

ومن وجهة نظر عويس، فإن رجال الصناعة ليس لديهم أي ثقة في المؤسسات البحثية العلمية، فضلا عن أن الصناعة المصرية لا تؤمن بعملية التطوير، ولا يوجد لديها خطط مستقبلية ورؤية إستراتيجية، وتخشى من التجريب ودفع المال في البحث العلمي وشعارها الدائم "اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش".

ويضيف عويس قائلا: إن سبب ضياع شركات الحراريات على سبيل المثال، أنها فقدت التطوير، واشتغلت في المنتجات التقليدية فهوت تحت زخم منتجات أوروبا والصين.

ما الحل؟

يستصعب المهندس ونيس الحل؛ لأنه من وجهة نظره مرتبط بنظام مؤسسي بالكامل، ولتغييره لا بد من تغيير نظام دولة بأكملها (النظام التعليمي، والإداري، والسياسي..) ويستشهد بالمراكز البحثية الغربية، حيث إن معظمها -كما يقول- مراكز بحثية خاصة، تنفق على مشروعاتها بشكل جيد، وتسوقها، وتقوم ببيعها بتكلفة عالية.

بينما يرى الدكتور عويس أن الحلول من الممكن أن تكون في ربط البحث العلمي باحتياجات السوق، وإنشاء وحدات بحثية حقيقية في المؤسسات الصناعية، كما هو المعهود في الغرب.

وأخذنا هذا الكلام، وتوجهنا به للمركز القومي للبحوث، وتحديدا لمكتب رجال الأعمال والمستثمرين، وهو مكتب تم إنشاؤه كما يقول الدكتور فاروق الباز -مسئول المكتب- لربط المركز بقطاع الأعمال، وتقديم الاستشارات والحلول للمشاكل الفنية التي تواجه المؤسسات الصناعية.

وعن المشاريع التي نفذها المركز من خلال المكتب مع المؤسسات الصناعية، يقول الباز: "هناك أمثلة عديدة أثبت المركز نجاحه فيها، على سبيل المثال مصانع "حديد عز" التي يتخلف عن عمليات إنتاجها مخلفات ضخمة، يواجهون بسببها مشاكل مع المنظمات البيئية، قمنا نحن بمعالجتها، وإنتاج كميات كبيرة من مواد ثانوية يحتاجها السوق يتم استيرادها بالفعل، وبالتالي تخلصنا من هذه المخلفات، وتم إعادة تدويرها".

وأضاف الباز أن المكتب ابتدأ بعمل 20 عقدًا في أول عام 2002 إلى أن وصلت في 2008 إلى 120 عقدًا بين المركز القومي، وبين الهيئات الصناعية، ولتشجيع الباحث يأخذ أكثر من 72% من تكلفة المشروع والاستشارة الفنية التي يقدمها للمصنع.

واعتبر الباز أن المركز القومي للبحوث أخذ خطوات جادة لربط البحث العلمي بالصناعة، حيث لا يسمح المركز -كما يقول- للباحث بالحصول على الدكتوراه، إلا عندما يرتبط بحثه بمشاكل الصناعة، ويقضي على الأقل أربعة أشهر في مصنع ينتج شيئا مرتبطا برسالته البحثية.

ليست هناك تعليقات: