الطفل لا يحتاج أن يجد بين دفتي الكتاب مدرسا آخر كالذي تركه بالمدرسة يعظ ويرشد، وأحيانا يلوم ويؤنب، يحتاج الطفل فقط إلى "كاتب غارق في طفولته" لا يفعل معه إلا شيئين أن يلعب وأن يتمرد. أحد الذين فكوا لغز هذا العالم هو الكاتب الدكتور سماح إدريس الذي التقته إسلام أون لاين بمناسبة حصوله على جائزة أفضل الكُتاب العرب في "أدب الأطفال"، وهي جائزة سويدية مخصصة لأفضل خمسة كتاب بلغات مختلفة من بينها العربية. "إدريس" هو الكاتب الأوسع انتشارا في "أدب الأطفال"، وكتبه في هذا المجال هي الأكثر مبيعا في "لبنان".. إدريس الذي أثار صخبا في الحياة الثقافية اللبنانية بكتاباته التي يكتبها للكبار، أثار نفس الصخب بكتاباته التي يكتبها للأطفال. سماح إدريس امتداد لمسار أبويه الثقافيين والأدبيين، فأبوه هو الكاتب الصحفي واللغوي والروائي والمترجم والناشر "سهيل إدريس" صاحب ومؤسس دار ومجلة "الآداب" التي نشر فيها أعلام ثقافية عربية أول إبداعاتهم، ووالدته هي الأديبة والمترجمة عايدة مطرجي إدريس القصّاصة، والناقدة، والمترجمة، والناشرة. "سماح إدريس" في نفس الوقت ناشط سياسي؛ حيث يترأس لجنة المقاطعة اللبنانية، ولغوي شارك مع أبيه وضع معجم "المنهل"، وهو أيضا مترجم وناقد أدبي، واستلم في حياة والده رئاسة تحرير مجلة "الآداب" اللبنانية أحد مرتكزات الأدب العربي.. تلك المجلة التي قال عنها محمود درويش إنه أخذ منها "أصابعَه والشعرَ الحديث"، وعنها قال نزار قباني إنّ لها الفضلَ في تعليمي أبجديات العشق والكتابة. * ناشط سياسي ومترجم ورئيس تحرير جريدة معروفة؛ ما الذي يدعوك للكتابة للطفل، ألا تكفي الكتابة للكبار والنخبة؟ - هناك دوافع شخصية وغير شخصية لكتابتي للأطفال؛ فلم أكن أتصور أنا القومي العربي اليساري المؤمن بالعروبة والداعي لها والمبشر بـ"الوحدة العربية" أن لا أستطيع أن أقنع ابنتي بمحبة اللغة العربية، ومن هنا قررت أن أكتب للأطفال، أدركت أهمية أن أكتب للأطفال، ما الذي سيعود علينا حينما نظل نكتب للنخبة وحدهم في الوقت الذي تظل فيه طبقة كبيرة تتربي على الكتابة الرديئة والسخيفة، وعندما تكبر تكون قد كرهت العربية بالأساس؟ لذا علينا أن نتواصل مع هذه البراعم مبكرا ونحييها بهذه المبادئ. ولكن المهم لكي يكون ما أكتبه أدبا حقيقيا أن أضع الأيديولوجية في الخلفية، وإلا أكون قد وقعت في المطب الذي وقع فيه غيري، بمعني أن لكل كاتب رسالة، ومن يقل غير ذلك فهو كذاب، ولكن النقطة الجوهرية هنا: كيف نستطيع تحرير وكتابة هذه الرسالة؟؟ هذا هو "الأدب"، وفي النهاية أنا أكتب أدبا ولست أكتب تربية. * متى بدأت الكتابة للأطفال؟ - بدأت في الكتابة متأخرا سنة 2004، والسبب أن ابنتيَّ لا تحبان القراءة باللغة العربية؛ لأن الكتب المكتوبة باللغة العربية غير جذابة مليئة بالمواعظ والنصائح، تستطيع أن تقول إنها مكتوبة بلغة رديئة على ورق رديء. بينما الكتب الموجودة باللغة الإنجليزية –وطفلتاي تجيدانها لأن والدتهما أمريكية– رشيقة، ومسلية، وطباعتها جميلة، ورسومها رائعة، فضلا عن مزايا عدة لا تتواجد في كتب الأطفال العربية. الأمر الآخر أن ابنتيَّ لم تكونا -ولا تزالان- لا تحبان الأكل، ولكي أحببهما في الطعام أحاول أن أسليهما بقصة ما عند الأكل؛ حيث أقطع الحديث فجأة عند حدث ما شيق فيها لكي تستحثاني على المواصلة، وهنا أتمنع عليهما بعدم الحكي ما لم يأكلا الطعام. كنت أحكي لهما قصصا من "ألف ليلة وليلة"، و"آرسين لوبين" وغيرها من القصص المخزنة لدي من قراءة الطفولة والمراهقة، لكن يوما بعد يوم انتهى عندي مخزون القصص، وبدأت أحكي لهما قصصا من طفولتي كشكل من أشكال "السيرة الذاتية" قي البداية كنت أحكي السيرة الذاتية خالصة عن مغامراتي وشقاوتي في الطفولة، ثم صرت أمزج بين السيرة الذاتية والخيال، بعدها نضبت السيرة الذاتية وصرت لا أحكي إلا الخيال. ذات يوم وكان عيد ميلادي الأربعين فوجئت بهدية طريفة من عائلتي (زوجتي وابنتيَّ) أنهم قد سجلوا عشرات القصص التي كنت أحكيها لهم، وقالوا لي: "أنت كاتب ورئيس تحرير مجلة مطبوعة، ولا ينقصك إلا أن تحول ما حكيته إلى شكل مكتوب وباللغة العربية الفصحى"، ثم أخذت زوجتي ثلاثا أو أربعا من هذه القصص وأعطتها لصديقة لها رسامة كاريكاتورية فرسمت لها رسوماتها، ثم قمت أنا بتحرير هذه القصص وأصدرت بعدها كتيبا يحوي المجموعة القصصية الأولى لي، وأنا حتى هذه اللحظة لم أقرأ شيئا في أدب الأطفال مكتوبا لأسير علي نهجه، ورغم ذلك كتبي التي أصدرتها هي أكثر الكتب مبيعا للأطفال بلبنان. أكتب أدبا لا تربية * وما الذي تهدف إليه من كتاباتك للطفل؟ - المعاني التي أكتبها وأقصدها في كتبي مختلفة عن ما يتم قراءته في الكتب التقليدية، فأنا مثلا لا أحث على الطاعة، بل أحث على التمرد، أحث على تربية فكر نقدي، ما أقصده أن ما يريده الطفل ليس بالضرورة أن يكون خطأ على الدوام، وإنما هي وجهة نظر تستحق أن تُناقش، كتاباتي ليست تمردا على السلطة الأبوية بقدر ما هي توجيه للطفل بأن يتخذ موقفا نقديا، وأن يشكك في حكم الأفراد -ولو كان هؤلاء الأفراد هما الأم والأب- حتى يقتنع بقولهما. أعتبر أن معظم ما كتب في "أدب الأطفال" أدب تلقيني وأخلاقي بالمعنى السيئ، أي إنّه أدب توجيهي يكرّس فكرة المستبد العادل، ويكرّس على المدى البعيد السلطة السياسية الحاكمة والأنظمة العربية الحاكمة، ربّما لهذه الأسباب أرفض الأيديولوجية الموجّهة، وأكتب بنفس الطفل المتمرّد. وأنا لا أكتب من أجل تقوية نفسي وإخضاع بناتي لي، وأن تراقب ابنتاي ردود أفعالي ليل نهار، الهدف هو أن تفكرا تفكيرا نقديا يسمح لهما بتكوين شخصية مستقلة عاقلة مبدعة، لا نريد أن نخلق أطفالا على شاكلتنا، أو ننتج صورا طبق الأصل منا، ولا ستنتهي تلك الصور إلى نفس النهايات التي انتهينا نحن إليها. قصصي تطرقت للمسكوت عنه في لبنان فكتبت عن بعض المسائل الطائفية وعن العنصرية، وأنا الآن أحاول أطرق هذا الباب.. باب "المسكوت عنه"، أكتب الآن روايتان للفتيان والفتيات أتطرق فيهما للحب الأول والمشاعر الجسدية الأولى، أتحدث عن ترسبات الحروب في نفوس اللبنانيين، فالحرب أيضا من المسكوت عنه في لبنان. ورأس المنظومة القيمية عندي بالأساس هي محاولة خلق "وعي نقدي" لدى الطفل، وأعتقد أن علينا أن نسلح الطفل بها، وليس جملة "الأكليشهيات" الموروثة التي يجب عليه أن يحفظها بدون تفكير، أريد أن يستوعب الأشياء التي يجب عليه يتعلمها، ويفكر فيها، ويقارن بين سلبياتها وإيجابياتها، وأن يأخذ في النهاية ما يقتنع به، لدينا في لبنان 18 طائفة لا أريد أن يزيدوا إلى 19 طائفة. * بهذا الأسلوب في الكتابة، وبتلك المنهجية التي تطرحها لتعليم الأطفال التمرد على الآباء، وأن ينقد آراء المعلمين والمعلمات، ألم تقابل بهجوم من المؤسسات التربوية، وما رد فعل الآباء والأمهات على كتاباتك؟ - بالفعل حوربت محاربة عشوائية من مؤسسات تربوية، بالأساس جزء منها تنصب نفسها كأنها لجنة من الفقهاء في الأخلاق واللغة والدين، ومعظمهم معه بالكاد شهادة في "رياض الأطفال"، هم يريدون أن ينصبوا أنفسهم وعاظا وحراسا وأمناء على الطفل وتربيته. يعني سأعطي لك مثالا: يعارضون كيف أقول في قصتي "كيف نجا الطفل بكذبته"، يتساءلون كيف لم أذكر تأنيب أو ضرب الأب له على كذبته؟ في الوقت الذي لا يفهمون فيه أن هذا الكلام في إطار قصة إبداعية ليس في إطار "كتاب عن سلوكيات الطفل"، لكن مع ذلك كتبي للأطفال هي الأكثر مبيعا في لبنان، وأطفال وأهالي كثُر يحبون ما أكتب، نعم للوهلة الأولي قد يمتنعون عن قراءة ما أكتب، لكن بعد القراءة يدركون ما أقصد، وجزء من هذا الإدراك يتمثل في أن الحقيقة ليست للطفل ولا للوالد، الحقيقة هي نتاج التعارض اللاعنفي بين الطفل وأهله. * ألغيت جولة لتسويق بعض كتبك في إحدى دول الخليج، والسبب أن أحد الممولين الرئيسيين -وهي مدرسة خليجية- سحبت دعمها؛ بسبب أن كتبك الموجهة للأطفال "لبنانية أكثر مما ينبغي"؛ حيث تستعمل الكثير من المصطلحات "العامية"؟ ألا ترى غرابة في ذلك، وأنت معروف كأديب ومهتم بالفصحى، ومشارك في وضع معجم "المنهل" مع والدك المرحوم "سهيل إدريس"؟ - سأحكي لك شيئا حدث لي في لبنان بعد نشر قصصي، أغلب المعلمات لدينا في لبنان -على اعتبار أن أغلب العاملين في قطاع التدريس اللبناني هم من المعلمات- هاجمن تلك القصص لسببين: أولا لاحتوائها على منهج "النقد" الذي حكيت لك عنه، السبب الثاني كان لاحتواء تلك القصص على بعض الألفاظ العامية. والحقيقة أن هؤلاء المعلمات لا يدركن أن كثيرا مما يظنونه عامية إنما هو من صميم اللغة العربية الفصحى، أو المولد من الفصحى، أو مما يسمي من الدخيل الذي صار جزءا من الفصحى، القرآن الكريم نفسه وعموم اللغة منفتحان، وفيهما من الألفاظ الدخيلة المعروفة، لذا علينا أن نهضم كل ما يدخل إلى قلب اللغة العربية، والقول المأثور يقول "كل ما نطق به العرب فهو من كلام العرب". يعني كلمة "ساندويتش" صعب أن تعربها وتقول عليها شاطر ومشطور، كذلك من الصعوبة أن تقول على السينما "الخيالة" كما كانوا يطلقون عليها قديما والأمثلة كثيرة، فما الخطأ أن يتم استخدام كلمات نقوم بتعريبها وإدخالها "المعجم العربي"؟، أعتقد أن أفضل طريقة للتواصل مع الطفل هي التكلم معه بلغة يفهمها وتشعره بالقرب منك، وبالرغم من أن تلك معادلة صعبة، ولكن أعتقد أنها ممكنة وضرورية في كل الأحوال، فأفضل طريقة للحفاظ على الفصحى هو إقحامها ضمن ظرفيتها التاريخية، وليس حصرها في مجموعة مناهج تحفظ وتلقن بدون أن يتم فهمها. |
الأحد، 24 مايو 2009
سماح إدريس: يا أطفال العالم تمردوا
الجمعة، 22 مايو 2009
التمويل والديون.. إمبراطورية تخلق أزمة
كانت الولايات المتحدة الأمريكية القاطرة الأساسية التي ساقت العالم نحو تعميم النظام الرأسمالي خلال القرن الماضي، وأصبحت الآن تجره نحو الركود بفعل ما مر بها من انهيار اقتصادي، نتج بشكل أساسي من عمليات الاحتيال المنظمة والممنهجة قديما وحديثا، والتي مارستها النخب والإدارات الأمريكية لبناء منظومة " اقتصاد ورقي "، قائم على الديون بدلا من الاقتصاد الإنتاجي. هكذا يرى الدكتور صلاح عبد الكريم في كتابه " الأزمة المالية الأمريكية العالمية ..مصيبة أم جريمة " الصادر حديثاً عن دار " سفير " الدولية، والذي يرصد من خلاله تاريخ هيمنة الولايات المتحدة على العالم اقتصادياً، والمنحني الذي مر به الإقتصاد الأمريكي حتى وصل إلي ما هو عليه، ويؤكد المؤلف على أن البحث عن حلول الأزمة من داخل سياق وجهة نظر الاقتصاد الغربية لن يسهم في إيجاد حلولٍ حقيقية لها. الدولار والصعود الأمريكي في البداية يستعرض الكاتب خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب العالمية الثانية كأكبر قوة اقتصادية في العالم نتيجة لعدم تأثرها بالخراب الذي حل بأوروبا واليابان، فكان إنتاجها الصناعي على سبيل المثال أكبر من ضعف الإنتاج السنوي لدول أوروبا واليابان مجتمعة، وبلغ احتياطيها من الذهب (26,5 بليون دولار، أي ما يعادل 65% من احتياطي العالم من الذهب)، وقد سهل لها نظام التجارة الحرة الحصول على المواد الخام اللازمة لإنتاج منتجاتها وتسويقها في بلدان العالم المختلفة، وكان عليها أن تعيد بناء أوروبا واليابان كي تجد سوقا لمنتجاتها، وبالفعل أطلقت مشروع "مارشال" لإعادة بناء أوروبا من جديد، ومشروعا مماثل لإعادة إعمار اليابان. ولتستأثر بنصف ثروات العالم عملت على وضع خطة بعد الحرب العالمية الثانية للدفع لإنشاء الأمم المتحدة بدلا من عصبة الأمم (التي كانت تسيطر عليها بريطانيا)، وإنشاء منظمات اقتصادية كانت أدوات أمريكا للسيطرة الاقتصادية، أهم تلك المنظمات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بالإضافة لتفعيل اتفاقيات تسيطر بها فعليا على السوق العالمي كاتفاقية "التجارة الحرة" واتفاقية "الجات". ومن خلال هذه الاتفاقيات وتلك المنظمات فرضت أمريكا سياسات اقتصادية كانت أهم أحجار الزاوية في بناء وتشكيل "عالم الاقتصاد الجديد"، وأهم تلك السياسات أن يصير الدولار العملة التي يتم تقييم العملات بالنسبة إليها، وأن يصبح عملة احتياطي العالم، بحيث لا تتم كل المعاملات التجارية وعقد صفقات السلع الإستراتيجية - ويأتي على رأسها البترول - إلا بالدولار، وطبقا لاتفاقية "بريتون وودز" كان الدولار العملة الوحيدة التي يمكن تحويلها للذهب بسعر 35 دولارا للأوقية. في ذاك الوقت كانت هناك حاجة ملحة من جانب كل دول العالم، خصوصا الصناعية منها، لزيادة احتياطيها من الدولار؛ لتمويل احتياجاتها من الطاقة والمصنوعات والسلع الاستهلاكية والمواد الخام، وبالتالي كانت كل دول العالم تفضل الاحتفاظ باحتياطيها الدولاري في صورة سندات الخزانة الأمريكية حتى أصبحت نيويورك بنك العالم بلا منازع، وصارت الإمبراطورية الأمريكية مؤسسة على الدولار والقوة العسكرية. ثم وجهت الولايات المتحدة جهودها لمساعدة النظم الحليفة والمتعاونة معها لفتح أسواقها للمنتج الأمريكي، والحفاظ على هذه الدول كي لا تدخل تحت النفوذ السوفييتي السياسي والاقتصادي. التدهور الأول يشير الكاتب إلى أن التدهور الأول للاقتصاد الأمريكي بدأ في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين بعد سلسلة من الحروب الإقليمية التي لم تتوقف، وذلك عندما تم التركيز على الإنتاج الصناعي الحربي على حساب الإنتاج الصناعي التقليدي المدني، بالإضافة لتعافي اقتصاديات كثير من دول الحلفاء - مثل ألمانيا واليابان - ومنافستهم للصناعة الأمريكية. ويذكر أن أول عجز تشهده أمريكا منذ الحرب العالمية تسببت فيه الإنفاقات العسكرية في فترة حرب فيتنام، وهو ما جعل الدولار مكشوفا، وجعل الدول تفضل عليه الذهب لأول مرة، وفي الستينيات زادت الأزمة مع تدهور الصناعة الأمريكية، وازدياد معدلات البطالة والركود، خصوصا مع ازدياد وتيرة الخسائر والإنفاقات التي لحقت بالجيش الأمريكي في الأراضي الفيتنامية. وهكذا وبعد اضمحلال الاقتصاد الأمريكي الصناعي التقليدي حلت المؤسسات المالية الأمريكية في نيويورك (المتعاملة في السندات الأمريكية وغيرها من أدوات استثمار الفوائض التجارية للدول الأخرى في الأسواق الأمريكية) بالتدريج محل المؤسسات الصناعية كأكبر نشاط اقتصادي أمريكي، بل حل التوفير محل الإنتاج الفعلي للثروة الطبيعية، وتحولت القروض لتصبح قاطرة الاقتصاد الأمريكي، وتحول الاقتصاد الأمريكي إلى ما يمكن وصفه بـ"البالون المنتفخ"، وصار المعلم الأساسي للاقتصاد الأمريكي هو الديون والقروض وشغل المضاربات، أو ما يعرف "بالاقتصاد الورقي"، والهيمنة والاستيلاء على موارد اقتصاديات دول أخرى فيما عرف باسم "القرصنة" عن طريق فكي الكماشة "صندوق النقد" و "البنك الدولي". صندوق النقد.. الاستعمار الجديد ومع سبعينيات القرن الماضي ارتفعت أسعار البترول بنسبة 400%، فاضطرت بعدها معظم الدول النامية للاقتراض لتمويل وارداتها من البترول أو لتمويل عجزها التجاري، ويتم الاقتراض من بنوك أمريكية، والتي كانت تدير الأموال الفائضة عن بيع بترول دول الأوبك؛ حيث تقوم البنوك بأخذ هذه الأموال وتعيد إقراضها بفائدة متغيرة للدول الأخرى مثل الأرجنتين ومصر. واعتبر الكاتب أن أكبر عملية نهب في التاريخ حدثت في سنة 1979، حينما ارتفعت تكلفة القروض للدول المدينة بنسبة ثلاثة أضعاف من 7.6% إلى 21.5%؛ حيث قام "بول فولكر" رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بزيادة سعر الفائدة على الودائع الدولارية، وكانت النتيجة ارتفاع الفائدة على القروض الدولارية بنسبة 300%؛ لأن من شروطها أن تكون الفائدة متغيرة حسب ما يعلنه بنك الاحتياطي الفيدرالي. وبعد أن فقدت الدول القدرة على سداد الديون جاء دور صندوق النقد الدولي كوكيل أمريكي لتحصيل الديون؛ ليفرض شروطه التي تتوزع بين خصخصة للمؤسسات الوطنية، وتخفيض الإنفاق الحكومي على التعليم والصحة، وخفض لقيمة العملة المحلية أمام الدولار بحجة أن تصبح منتجاتها منافسة في الأسواق، وبالتالي يستفيد المستثمر الأجنبي الذي سوف يحصل على المواد الخام بنصف الأسعار. ثم يطالب الصندوق بفتح أسواق الدولة للاستثمار الأجنبي؛ حيث تُباع القطاعات الرئيسية بأرخص الأثمان للمستثمر الخارجي، وبعدها يفرض الصندوق بقية شروطه فيطلب من الحكومة المحلية تطبيق أسعار السوق برفع يدها عن دعم الغذاء والماء والطاقة، ويتم تفريغ البلدان التي قبلت بالتعاون تدريجيا إلى أن تجف آخر قطرة موارد فيها. الطريق للأزمة ويؤكد الدكتور عبد الكريم أن التدهور الاقتصادي الحادث في أمريكا لم يبدأ من اليوم، وإنما بدأ منذ وقت بعيد، منذ تضخم وتعملق الاقتصاد العسكري الأمريكي على حساب الاقتصاد المدني، بالإضافة لصعود اقتصاديات الحلفاء، وكذا الاقتصاد الصيني الذي لم يستطع البنك الدولي ولا الرأسمالية المتوحشة أن تنال منه كما نالت من غيره من بلدان أمريكا اللاتينية وبلدان جنوب شرق آسيا أو الشرق الوسط. ومع ضمور الاقتصاد الصناعي الأمريكي كان الانتقال المستمر للمصانع الأمريكية للجنوب الفقير لرخص أسعار العمالة والمواد الخام وتقليل التكلفة، وبالتالي بدأت هجرة الاستثمارات الأمريكية إلى القطاع المالي (الاقتصاد الورقي)، وساهم ذلك في تدهور الإنتاج القومي الأمريكي، بل يصف المؤلف الانتعاش الذي شهده الاقتصاد الأمريكي عام 2001 بأنه لم يكن انتعاشا بقدر ما كان "فورة استهلاكية" مقابل رهن المنازل. وقد داست النخبة الأمريكية العالمية -من رجال السياسة والمال والأعمال- بأقدامها على معاناة الشعوب الفقيرة، وازدادت مصالحهم مع الحروب والهيمنة؛ حيث قاموا بشن عمليات عسكرية هنا وهناك لفتح أسواق ومناطق اقتصادية جديدة، والاستيلاء على ثروات وموارد شعوب بأكملها بحجة السوق الحرة، والتدخل المخابراتي لإسقاط رؤساء جمهوريات رفضوا سياسة الخضوع للكاوبوي الأمريكي.. وأمثلة أمريكا الجنوبية خير شاهد. إضافة للعمليات العسكرية كان التلاعب في أسعار البترول عن طريق الشركات الأنجلوأمريكية الضخمة، والمضاربات في البورصة، ورفع أسعار المواد الغذائية، وخفض لقيمة الدولار لتنخفض الديون الأمريكية للدول المدينة، كذلك زيادة الإعفاءات الضريبية على الأغنياء في مقابل إفقار الفقراء بزيادة الفائدة على القروض، وهي سياسة صريحة لليبراليين الجدد، وأخيرا التلاعب في البورصات والأسواق المالية وما عرف بـ"ثورة التوريق"، والحملة المنظمة لإعادة الاستيلاء على الفوائض النقدية من الآخرين بطريقة الفكر الليبرالي الدارويني للسوق الحرة. ثورة التوريق ويعتبر الكاتب أن عمليات التوريق والنصب التي اجتاحت كفيروس أغلبية المؤسسات النقدية والعقارية والتأمينية ومكاتب السمسرة الأمريكية ساهمت بقوة في الكشف عن قلب النظام المالي الأمريكي الحقيقي، ورفعت الستار عن البنوك الأمريكية التي تحولت من الإقراض التجاري إلى تجارة الأوراق المالية لتصبح "مؤسسات توريق". ويوضح أن البنوك قامت بإقراض شركات الرهن عقاري، والتي بدورها قامت بعمل قروض ضخمة للعامة بدون أي ضمانات كافية، ثم تقوم البنوك بعمل "محافظ" من تلك القروض، وإصدار سندات ومشتقات بضمان تلك الديون، وبيعها بالجملة والقطاعي في صورة سندات وأسهم، ثم ضارب الجميع عليها، وانساق الجميع وراء شراء سندات الرهن العقاري التي تم التأمين عليها من قبل شركات أمنت على خطر عدم سداد تلك القروض، ثم حدثت "فقاعة الرهن العقاري"، وكانت كارثة الأزمة المالية التي تحولت الآن إلى أزمة اقتصادية تعصف بالجميع. فيقول الكاتب: "كانت العملية كلها تتم تحت إشراف كبرى المؤسسات المالية في وول ستريت، بحيث كونت تلك العصابات -البنوك وشركات الـتأمين والسمسرة والرهن العقاري- هرما ضخما من الأوراق المالية، قاموا ببيعها في أنحاء العالم، وقد تم ذلك بمباركة القيادة السياسية"، وفي النهاية توصل الكاتب إلى إن ما حدث يرقى إلى جريمة نصب على العالم. |
الاغتيال الاقتصادي للأمم ..الطريق الأمريكي لتسيد العالم
"الدهاء الذي تتسم به الإمبراطورية الحديثة يتجاوز قوى الاستعمار الأوروبي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر فنحن -قراصنة الاقتصاد- على درجة عالية من الاحتراف، نحن اليوم لا نحمل سيوفا، ولا نرتدي دروعا، أو ملابس تعزلنا عن غيرنا". كانت تلك الكلمات ملخص صورة كاملة عايشها، وشارك في صنعها "جون بيركنز" الخبير الاقتصادي الذي حاول أن ينقلها إلينا في كتابه (اعترافات قرصان اقتصادي) والذي حمل عنوانا عربيا وضعه الناشر العربي تحت اسم (الاغتيال الاقتصادي للأمم) تعبيرا عن الشَرَكْ الذي وقعت فيه بعض دول العالم الثالث لتصبح أسيرة الولايات المتحدة على المستوى السياسي والاقتصادي بعد أن يكون الضعف قد قوض أركانها. القرصان الاقتصادي جون بيركنز هو خبير اقتصادي مثَّل خلال أكثر من خمسة وعشرين عاما وظيفة " قرصان اقتصادي" ضمن مجموعة عمل داخل شركة "Main"، وهي إحدى الشركات الاستشارية التي تمثل وسيطا بين رؤساء وحكومات دول العالم الثالث من ناحية، وبين مديري شركات اقتصادية أمريكية عملاقة، وسياسيين، وصناع قرار، يسعون لبناء إمبراطورية أمريكية عالمية أطلق عليهم مصطلح الكربوقراطية" corpocratoracy" من ناحية أخرى. كانت مهمة جون بيركنز ومجموعته عقد شراكات مع دول من العالم الثالث لديها إمكانيات وموارد إستراتيجية، وإغراءها بالحصول على إقراضات ضخمة تصل إلى مئات المليارات من الدولارات من البنوك الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهيئة المعونة الأمريكية، لمساعدة هذه الحكومات في إنشاء مشاريع بنى تحتية، أو الاستثمار في مشاريع ضخمة تحدد حسب قدرات وموارد كل دولة، كمشروعات استخراج البترول، وتصدير المحاصيل الزراعية، وإنشاء شبكات كهربائية وغيرها. وتتباين وسائل هؤلاء الرجال ما بين تلفيق تقارير مالية، وتزوير انتخابات، ورشوة وابتزاز وجنس وقتل لإقناع رؤساء الدول ورجال الحكومات أو أصحاب النفوذ داخل الدولة بعمليات الإقراض، ومن ثم تحويل هذه القروض قبل أن تصل حتى للبلد المقترضة إلى مجموعة الشركات الأمريكية العملاقة التي تستفيد في النهاية من تلك الأموال كمحصلة مشاريع تنفذها، أو تسيطر بها اقتصاديا على موارد الدول كمرحلة أولى. شرك الديون تأتي المرحلة الثانية من منظومة السيطرة على الدولة من خلال اقتراض أكبر مبالغ ممكنة، وكلما كان العميل المقترض أقل قدرة على الوفاء بالديون كان ذلك أكثر نفعا ليقع هؤلاء الزعماء تحت السيطرة حينما لا تستطيع دولهم الوفاء بديون لا ترحم، ويتوالى تدفق أموال الإعانات والقروض –التي تتعاظم فوائدها- على رؤساء الحكومات نظير انصياعهم لأوامر المخابرات المركزية، والدوائر السياسية الأمريكية، والشركات الكبرى التي يزداد تنفذها ووجودها وسيطرتها على الزعماء ومعها موارد وثروات دولهم النامية لتصب في النهاية في جيوب العائلات الثرية المسيطرة على الشركات العالمية. وأبرز تلك العائلات -كما يقول بيركنز- عائلة الرئيس بوش الأب الذين يمتلكون أسهما ضخمة في شركات عالمية كشركة "يونايتد فروت" أو شركات بترول كشركة "هاركن" للبترول، والأخيرة احتفظ فيها بوش الابن بمنصبه عضوا في مجلس الإدارة ومستشارا للشركة براتب سنوي قدره 120 ألف دولار، والشركتان الأخيرتان كان لهما دور بارز في تدمير بلاد مثل نيكارجوا وكولومبيا وجواتيمالا عن طريق الانقلابات التي قامت بها السي آي إيه لوضع حكومات عميلة تحافظ على مصالح تلك الشركات. الثمن الفادح في القصة الشهيرة لشكسبير (تاجر البندقية) حينما يعجز أنطونيو –بطل القصة– عن الوفاء بالدين الذي أخذه من شيلوك التاجر اليهودي المرابي، يُطالب عندها شيلوك بأخذ رطل لحم كامل من جسد أنطونيو لعجزه عن السداد، وكان هذا الاتفاق بناء على العقد الذي وقع بينهما. بنفس الأسلوب وجد زعماء الدول -التي وقعت تحت ديون طائلة- أنفسهم مطالبين بتقديم خدمات تتمثل في إقامة قواعد عسكرية في بلدانهم، أو غض الطرف عن غزو بلد مجاور أو تقديم المساعدة اللوجيستية أو المادية، أو السكوت عن نهب ثروات بلدانهم، أو الموافقة على تصويت ما في الأمم المتحدة. ويعترف "بيركنز" بأنه وزملاءه نجحوا في دفع الإكوادور نحو الإفلاس، حيث ارتفع حد الفقر فيها من 50% إلى 70%، وازدادت نسبة البطالة إلى 70%، وارتفع معدل الدين العام من 240 مليون دولار إلى 16 مليار دولار، وتخصص الإكوادور حوالي 50% من ميزانيتها لتسديد الديون!. واستغلت شركات البترول الأمريكية الوضع ليتم الضغط على الإكوادور لتبيع مخزون بترولها في غابات الأمازون والذي يحتوي على احتياطي بترول يُعتقد أنه يُعادل احتياطي الشرق الأوسط. يقول بيركنز: "واليوم فإن لكل 100 دولار من خام النفط يُستخرج من غابات الإكوادور تحصل الشركات الأمريكية على 75 دولارا مقابل 25 دولارا للإكوادور تذهب 75% منها لسداد الديون الخارجية والمصروفات الحكومية والأمن والدفاع، ويتبقي 2.5 دولار فقط للصحة والتعليم...". السعودية.. الوقوع في الفخ في كتابة يعترف أيضا جون بيركنز أنه قام هو ومجموعة من زملائه بشركة MAIN""، ومعهم مجموعة شركات منافسة بالقيام بأكبر صفقة وفي نفس الوقت أضخم عملية احتيال في القرن العشرين، فقد كان من الصعب على آل سعود رفض تلك الصفقة حيث إنها ستدعم من الولايات المتحدة سياسيا وعسكريا، في المقابل على المملكة العربية السعودية أن تضع دخلها من البترول تحت يد الحكومة الأمريكية، بمعنى أوضح: ستنفق وزارة الخزانة الأمريكية الفوائد البنكية لتلك الأموال بطرق تمكن المملكة العربية السعودية من الخروج من مجتمع القرون الوسطى واللحاق بركب العصر الحديث. وينقل بيركنز في كتابه كلمات للصحفي الأمريكي توماس ويبمان لخص بها هذه الصفقة بقوله: "إن السعوديين قوم يسبحون في المال، وسيوردون مئات الملايين من الدولارات إلى وزارة الخزانة التي ستحتجز هذه الدولارات في البنوك لحين الحاجة إليها للدفع للموردين أو الموظفين، وسيضمن هذا النظام تدوير أموال السعوديين للعمل في الاقتصاد الأمريكي مرة أخرى". فنزويلا والعراق.. سقوط القراصنة العراق وفنزويلا كانا يمثلان مشهدين بارزين لسقوط القراصنة، فالعراق كان يمثل أهمية سياسية كبيرة للولايات المتحدة، حيث يمثل العراق أكبر الدول امتلاكا للاحتياطي البترولي، بالإضافة لموارد المياه حيث الجزء الأكبر من نهري دجلة والفرات يمر في أرض العراق. وفضلا عن البترول والمياه يحتل العراق موقعا إستراتيجيا بالغ الأهمية بمتاخمته لإيران والكويت والمملكة السعودية والأردن وسوريا وتركيا والخليج، وقربه من إسرائيل وجمهوريات الاتحاد السوفيتي، وبالتالي فإن من يسيطر اليوم على العراق -كما يقول بيركنز- يمتلك مفاتيح السيطرة على الشرق الأوسط. ويؤكد بيركنز على أن العراق كان مقدرا له أن يصبح النموذج "السعودي" الثاني إن تبع صدام في النهاية المنهج الأمريكي، حينها كان بوسع صدام أن يوقع عقدا نهائيا لحكم بلاده بلا منازع، وتتغاضى واشنطن عن كونه حاكما طاغيا، أو أن يديه ملطخة بدماء القتل الجماعي.. كل ذلك مقابل اتفاقات تؤمن استمرار إمداد العراق لأمريكا بالبترول، أو السماح للشركات الأمريكية بتحسين أنظمة البنية التحتية العراقية، والأهم أن تدخل العراق الحظيرة الأمريكية. يقول بيركنز: "وقد بدا جليّا في أواخر ثمانينيات القرن العشرين أن صدام حسين لم يبتلع الطعم الذي وضعه قراصنة الاقتصاد، مما سبب لإدارة بوش الأب خيبة أمل كبرى، وبينما كان بوش يبحث عن مخرج من أزمته؛ قدم صدام حسين الحل على طبق من فضة بغزوه الكويت، وانتهز بوش الفرصة وأعلن الحرب على العراق، وكان النصر في العراق فرصة كبيرة لتحقيق أرباح خيالية". النموذج الثاني الذي فشل فيه "قراصنة الاقتصاد" هو "فنزويلا" التي لم يستطيعوا إقناعها بالقبول بالسياسة الاقتصادية الأمريكية، كما لم يتمكنوا من إقالة "شافيز" من السلطة عبر الانقلاب الذي دبرته ثعالب المخابرات المركزية، وتعدى الفشل للإدارة الأمريكية لتعثرها في المستنقع العراقي والأفغاني، ولم يُكسر "شافيز" الذي فرض قانونا جديدا للتنقيب عن البترول، وعارض بشدة السياسيات الأمريكية "الإمبريالية الفاضحة" وقدم نقدا لاذعا للعولمة، وأخرج من حظيرة أمريكا ثالث دولة تعتمد عليها الولايات المتحدة في استيراد البترول. خداع اللغة ولعبة الدولار "الحكم الرشيد، وتحرير التجارة، وحقوق المستهلك"، هي مفاهيم تم بلورتها وتسويقها واستغلالها من قبل الخبراء الاقتصاديين لتغليف إستراتيجيتهم في النهب الاقتصادي.. هكذا نوه شريف دلاور في مقدمته الرائعة للكتاب عما يمكن تسميته بتطويع اللغة والتي تستخدم كي لا تصبح السياسات الاقتصادية جيدة إلا من خلال منظور الشركات الكبرى، وأما الدول التي تقتنع بهذه المفاهيم فهي مطالبة بخصخصة الصحة، والتعليم، وخدمات المياه والكهرباء، أي أن تبيعها للشركات الكبرى وهي مضطرة بعد ذلك إلى إلغاء الدعم وجميع القيود التجارية التي تحمي الأعمال الوطنية بينما عليها القبول باستمرار أمريكا وشركائها من الدول الصناعية الكبرى في تقديم الدعم لقطاعات أعمالها، وفرض القيود لحماية صناعاتها!. يضيف دلاور: "يرى بيركنز في النهاية أن هذه الإمبراطورية العالمية تعتمد على كون الدولار يلعب دور العملة القياسية الدولية، فالولايات المتحدة هي التي يحق لها طبع الدولار وبالتالي يمكنها تقديم القروض بهذه العملة مع إدراكها الكامل أن معظم الدول النامية لن تتمكن من سداد الديون، وحسب تفسير "بيركنز" فإن النخبة الأمريكية لا تريد بالفعل قيام الدول بالسداد، لأن ذلك هو السبيل لتحقيق أهدافها بعد ذلك من خلال مفاوضات سياسية واقتصادية وعسكرية، ويفترض "بيركنز" أن حرية طبع النقد الأمريكي دون غطاء هي التي تعطي لإستراتيجية النهب الاقتصادي قوتها؛ لأنها تعني الاستمرار في تقديم قروض بالدولار لن يتم سدادها". وظهر بالتوازي مع أحداث 11 سبتمبر مصطلحات أخرى استغلت بنفس الشكل كالحرب على الإرهاب، ومحور الشر لضرب الدول التي لم ترض بالسيناريو المرسوم لها ويأتي على رأس الضحايا العراق الذي كان عبرة لجيرانه لتذكيرهم بما سيحدث إن رغبوا بقليل من الممانعة. |
أمن الدولة ولجنة السياسات طريقك لرئاسة التحرير
وتغيير رؤساء تحرير الصحف القومية يلحق بالتبعية بجملة المرادفات السابقة التي حتى وقت قريب كانت أشبه بجمهوريات صغيرة التغيير فيها أشبه بالتغيير الرئاسي.. أندر المشاهد في مصر على الإطلاق. لكن على خلاف المعهود قدم التغيير والذي اعتبره البعض أنه ملمح إيجابي - حتى ولو كان تغييرا محدودا لعدة صحف ومجلات قومية - عازين السبب لقدوم وجوه جديدة بعضها ذات كفاءة مهنية عالية، أو غير محسوبة على النظام، والبعض الآخر اعتبره ملمح من ملامح سيناريو "التوريث" القادم، خاصة أنه قادم من مطبخ "لجنة السياسات". تقارير الجهاز الأمني رئيس تحرير جريدة صوت الأمة السابق الدكتور عبد الحليم قنديل - والذي أقيل منذ أيام قليلة نتيجة ضغوط مريرة مورست على صاحب الجريدة وفقا للدكتور قنديل - اعتبر أنه لا التدرج المهني الوظيفي، ولا الموهبة، ولا الكفاءة الإدارية هي التي تحدد من يشغل رئاسة تحرير جريدة قومية، إنما المعيار الأساسي الذي يؤهل هو مزيج بين معيارين على حد وصفه، الأول معيار الولاء لمباحث أمن الدولة، والمعيار الثاني هو الولاء للجنة السياسات؛ والذي يمكن في ضوئهما تحديد أفضل رئيس تحرير جريدة قومية صغرت أم كبرت. وأشار قنديل إلى أن التعديلات المحدودة في رئاسة الصحف الأخيرة تدخل في إطار السيناريو المعد لترتيب نقل الرئاسة من "شكلها الفعلي" إلى "شكلها الرسمي"، حيث يشير قنديل إلى أن "جمال مبارك" يدير فعليا البلاد، وهذه التمهيدات كما يشير هي تمهيدات متصلة بدأت بتولية جمال مبارك رئاسة لجنة السياسات في 2002، وتغييرات الدستور في 2007، خصوصا المادة 76، والمادة 88 التي تنزع الإشراف القضائي عن الانتخابات، ومن بعدها التطورات التي حدثت في هيكل الحزب الوطني أواخر 2007 وإدخال جمال مبارك في أعلى سلم الهيكل التنظيمي للحزب. وتواصلت التمهيدات لنقل الرئاسة حتى الآن – كما يقول قنديل - ومنها الزيارة الأخيرة لجمال مبارك لإيجاد "صيغة رضا وقبول" من الإدارة الأمريكية عن شخصيته. ورأى قنديل أن الوجوه الجديدة التي جاءت هي وجوه شديدة الولاء الأمني والسياسي للحزب لحاكم حيث يقول: "من يتحدث عن وجود شخصيات مارست دور المعارضة نوعا ما هو خاطئ، "أنور الهواري" رغم أنه شخصية تتميز باستقلال مهني، واستقلال شخصي فإن دوره معروف في حرب غزة الأخيرة حينما أعلن تأييده لنظام مبارك فيما أخذ من مواقف، أما عن حمدي رزق فهو لم ينسب نفسه يوما للمعارضة، ولم يتحدث أحد عن أنه معارض، بل يعرف الجميع ولاءه". غير صالحة
وافقه الناشر والناشط الحقوقي وأحد أهم صانعي الصحف في مصر هشام قاسم، والذي تحدث عن أن رئاسة التحرير منذ قيام الثورة و"الرئاسة" ومعها بعض الأجهزة الأخرى مثل "الاتحاد الاشتراكي" و"التنظيم الطليعي"، تلك الأجهزة هي التي تتدخل لاختيار من يشغل هذا المنصب، لكن من وجهة نظره أن هذا الأمر تم حصره الآن فقط في "المؤسسة الرئاسية" التي تحدد "رئيس التحرير" وفق ما يتم تصعيده إليها من تقارير أمنية. ويرى قاسم أن الوجوه التي يقال عنها جيدة، والتي جاءت في "التغيير المحدود"، غير صالحة وجاءت كمكافأة من النظام لمواقف معينة لهم. الولاء يشاركهما الرأي عبد العظيم حماد، رئيس تحرير جريدة الشروق، الذي رأى أن المعيار الأساسي الذي يتم عليه اختيار رئيس تحرير جريدة أو مجلة قومية هو الولاء الكامل للحزب الوطني، والصلة المباشرة بالأمن، مضيفا: "لا كفاءة شخصية ولا مهنية في موضوع اختيار رئيس التحرير لجريدة قومية، الاختيار عبارة عن صلة بلجنة السياسات، أما موضوع حرس جديد أو قديم، لا يوجد الآن إلا حرس واحد فقط هو حرس لجنة السياسات ". المسئول الملوث فيما رأى خالد البلشي، رئيس تحرير جريدة البديل، أن هناك أسماء جيدة تم اختيارها كأنور الهواري وحمدي رزق، وكلاهما من وجهة نظره اسمان يمثلان كفاءة صحفية ومهنية عالية، لكنه اعتبر أن فقدان المعايير التي يتم على أساسها اختيار رئيس تحرير الصحف والمجلات القومية هو الذي يؤدي إلى التعريض بكفاءة من تم اختيارهم حتى ولو كانوا بالفعل أكفاء، وأضاف أن الكارثة الحقيقية أن النظام يختار من يدين له بالولاء، ثم يجمل بعد ذلك الاختيار بواحد أو اثنين وجوههم مقبولة لدى الشارع.
واعتبر البلشي المشكلة الثانية تكمن في الهاجس الموجود لدى الجميع باعتباره شديد السوء في كل اختياراته مضيفا: "لا تزال هناك مقولات شهيرة يحفظها الناس تبين مدى الصورة السلبية الموجود في أذهانهم عن شكل اختيار النظام لأفراد على رءوس المؤسسات أشهرها مقولة (قبل أن تأتي بفلان لمنصب وسخه قبل أن تأتي به)". وأبدى البلشي اعتراضه على موضوع "الموافقة الأمنية" على رؤساء التحرير قبل اختيارهم، رافضا أن يُعمم هذا التصور حتى لا يتم ظلم أسماء صحفية كبيرة. واعتبر البلشي أن المعايير التي لابد أن تكون موجودة لكي يؤسس عليها اختيار جاد وحقيقي هي المهنية العالية، والكفاءة الإدارية. فيما وافقه الدكتور عزازي علي عزازي، رئيس تحرير جريدة الكرامة، الذي أشار إلى الشروط الواجب توافرها لاختيار رئيس تحرير، ومنها أن يظل رئيس التحرير المختار تحت الاختبار ستة أشهر أو سنة يتم فيها مراقبة حجم التوزيع، ومكاسب وخسائر المؤسسة، مبديا اعتراضه على مؤسسات قومية تخسر بالملايين فيما يظل نفس الشخص الذي تسبب بتلك الخسائر جالسا على كرسيها 15 أو 20 عاما. وصاية مجلس الشورى ورأى عزازي أنه لن يحدث تطور حقيقي في الصحف والمجلات القومية ما لم تتحقق شروط أهمها نسف وصاية مجلس الشورى، وأن تدار الإدارات العليا ويتم اختيارها ذاتيا من داخل الصحف، وأن تنفصل تبعية المؤسسات الإعلامية القومية عن السلطة. وأشار إلى أن السلطة السياسية الموجودة حاليا عندما تختار صحفي وتكافئه لكي يشغل منصب رئيس تحرير تتوقع منه في الوقت نفسه أن يدافع عنها وعن مصالحها، ولو على حساب المهنية والمصداقية قائلا: "نظامنا السياسي بلا مشروع ولا رؤية يمكن لأحد الدفاع عنها، ونأمل لزملائنا النجاة من زنزانة النظام، وأمام زملائنا فرصة لكي يثبتوا أهلية مهنية ومصداقية مع القارئ، وإذا لم يثبتوها فهم والنظام إلى الجحيم". في حين أشار إلى نقطة أخرى، وهي تنافس الصحف القومية مع الصحف المستقلة، خصوصا أن الأخيرة شهدت طفرة غير مسبوقة، وتوزيعها يتعدى بكثير توزيع الصحف والمجلات القومية، ذاكرا السبب بأنه يعود إلى المسافة التي أوجدتها الصحف المستقلة بينها وبين النظام. نظرية "جمال مبارك"
الكاتب الصحفي صلاح عيسي رفض الهجوم الذي يشن على الاختيار الأخير، واصفا رؤساء التحرير الذين تم اختيارهم بأنهم زملاء مهنيون محترمون، واعتبر كل من يدفع في ذلك هم من تضايقوا لعدم اختيارهم. وأضاف: "للأسف الناس لا يعجبها شيء، طالبوا بدماء وأجيال جديدة فإذا جاءت الأجيال الجديدة يقولون إن تصعيدهم جاء بناء على تقارير أمنية، أو لهم صلة بجمال مبارك، شيء فج.. إذا حدثت صغيرة وكبيرة يقولون جمال مبارك، بالأمس كانت نظرية (المؤامرة)، واليوم نظرية (جمال مبارك)". |
وانطفأ "القنديلان" في ظلمة الإعلام العربي
| ||
رفُعت الأقلام وطُويت الصحف، انفض السامر، وكُشفت الأوراق، وحانت ساعة الفصل.. رفعت الأقلام وطويت الصحف، انفض السامر، وكشفت أوراق العرب، وحانت ساعة الفصل.. رفعت الأقلام وطُويت الصحف.. (توقف).. بعدها انقطع الإرسال مباشرة عن برنامج "رئيس التحرير" ومقدمه الإعلامي الشهير "حمدي قنديل"، لينقطع نهائيا وإلى أجل غير مسمى عن "التليفزيون المصري" بعد أن ضاق الخناق عليه، ومن قضاياه التي كانت تطرح بجرأة شديدة على تلفزيون لم يتعود على الجرأة إلا في "أفلام المقاولات"، قبلها كان قد طُرد من قناة "ART" حينما استضاف "الرئيس القذافي" الذي أفاض بما يعف اللسان عن ذكره في حق الحكام العرب، بعد توقف طويل تلا فعلة التلفزيون المصري معه انتقل "قنديل" إلى قناة "دريم"، حيث بدأ في تقديم برنامجه بنفس الشكل والمضمون، إلى أن ضغط "الضاغط المجهول" على القناة الخاصة ليطفأ "القنديل" حتى إشعار آخر. الذي جاء هذه المرة من قناة "دبي" –الأكثر حرية وانفتاحا على حد وصفه– ليعرض في برنامجه الشهير "قلم رصاص" أهم القضايا العربية بجرأة أغضبت الكثيرين هنا وهناك، وكانت الحادثة الأشهر التي انتهت بخروجه من "دبي" والتي تناولتها المواقع والمنتديات بسخرية وهي تعليقه على زيارة "سمير جعجع" للإمارات واستقباله فيها استقبال الأبطال، حينها عقد "قنديل" في برنامجه مقارنة بين "جعجع" و"حسن نصر" أنهاها بجملة "نحن أمة مهند.. لا أمة محمد"، في إشارة لاستقبال أميرة في الإمارات الممثل التركي بطل مسلسل "نور" الشهير، البعض تحدث عن ضغوطات تلقتها القناة من قصور عربية لوقف البرنامج أو بالأحرى وقف هذا "المشاغب نهائيا"، وكان قنديل قد هيأ باكرا لطرده بهجومه على الرئيس أبو مازن، وشيخ الأزهر الذي قد تدخل بعدة وساطات لإقصاء "قنديل" بعد أن هاجمه الأخير بقسوة في الفضيحة الشهيرة "سلام بيريز". يُطرد قنديل من قناة "دبي" ليرفض بعدها عرضا من الجزيرة، بسبب انتقاده لرئيس وزراء قطر والذي وصفه بأنه "يلعب على الحبلين"، وتعرض عليه قناة "التلفزيون الجديد" اللبنانية عرضا، لكنه يشترط تسجيل البرنامج في مصر وإرساله إلى لبنان لبثه؛ خوفا على حياة عائلته بسبب الأوضاع في لبنان على الأقل حتى تستقر الأوضاع ليخبره أحد المسئولين، بأن السلطات المصرية لن تسمح بخروج الحلقات من مصر، ليستقر ببرنامجه على القناة الفضائية الليبية.. لكن من يدري ربما فقط حتى إشعار آخر. الشارع من جديد "وها أنا ذا أعود إلى الشارع مجددا، لا أطلب عملا، فلدي من العمل ما يكفي ويزيد، وربما لا تكون لي فرصة عودة كريمة للصحافة المصرية إلى مدى مقدور، وربما إلى موعد خروج الرئيس مبارك نهائيا من الحياة أو الحكم، أيهما أقرب، وربما أنتظر طويلا، أو ربما تكون أقدار الله أسرع مما يظنون، المهم أن تتوافر لي راحة الضمير وسكينة القلب، وأن أرضى باختياري وبدفع ضرائبه". بتلك الكلمات المؤلمة ختم الدكتور عبد الحليم قنديل رئيس تحرير جريدة "صوت الأمة" السابق مقاله الذي نشره بجريدة "القدس العربي" والذي يصف فيه خروجه المأساوي والدرامي من جريدة "صوت الأمة" بعد ضغوط وصفها بالأمنية والسياسية على رئيس مجلس إدارة الجريدة "عصام إسماعيل فهمي".. يروي قنديل في مقاله "جريمة صحفي مصري" كيف أن الملاحقات والضغوط قد نالت مجالس إدارات صحيفتي "الكرامة" و"صوت الأمة" التي انتقل إليهما من جريدة "العربي"، أما الأولى "الكرامة" حيث الرفاق الناصريون فلم يتحملوا الضغط أكثر من عام ونصف، لينتقل بعدها إلى جريدة "صوت الأمة"، وهنا تبدأ المعركة بشكل أكثر عنفا، فبعد توليه رئاسة تحرير الجريدة بشهور عام 2007 نقل "هشام طلعت مصطفي" أبرز رجال لجنة السياسات المقربين إلى البيت الرئاسي -وذلك قبل تورطه في جريمة قتل سوزان تميم- "رسالة تحذير إلى "عصام إسماعيل فهمي" من البيت الرئاسي مباشرة بأن "الريس زعلان من عصام" لوجود عبد الحليم قنديل على رأس جريدته. وتتوالى بعد "التحذير الرئاسي الشفهي" أدوار الضغط فيصدر حكم بالسجن على صاحب الجريدة لثلاث سنوات ونصف في قضية ضرائب مفتعلة، وبعد خمسة أسابيع لا غير من بدء رئاسته لتحرير الجريدة، بدأت المقايضة في الكواليس المكشوفة بأدوار بطولة مطلقة لزكريا عزمي رئيس ديوان الرئيس، ومرة أخرى من مباحث أمن الدولة -كما يقول قنديل- والوعد بإلغاء حكم السجن مقابل إلغاء وجوده في الجريدة، ثم انتهى المشهد برفع ثلاث مقالات لـ"قنديل" قبل أن يتم طرده نهائيا من الجريدة، ليتكرر المشهد بجميع تفاصيله وبنفس أبطاله للمرة الثانية كما حدث بالمرة الأولى في جريدة "الكرامة" لينطفئ صوت حر آخر يدافع عن الحريات والكرامة وتكلس الوضع السياسي في مصر ليلحق بـ"الشعب"، و"مجدي حسين"، وصحفيي "آفاق عربية"، وجرائد ممزقة، وأقلام مكسورة، في عصر قال حاكمه إنه لن يُكسر في عهده قلم، فانكسر ليس قلما واحدا، وإنما مصنع أقلام. انطفأ قنديل آخر للحرية لأنه طالب "المعارضة الصامتة" أو الـ"مغلوبة على أمرها" بموقف إزاء ملف التوريث الذي تمضي تمهيداته وترتيباته معلنة انتقال مقاليد الأمور من عصر أبوي فقدت مصر فيه أي سمات بلد حقيقي إلى عصر "الابن" لتصبح بلدا بلا أية سمات. عصر انتقلت فيه مصر من بلد المركز والمحور إلى بلد القطارات المحروقة، والسفن الغارقة، والمثقفين الموتى بنيران الإهمال، إلى عصر بدأت معالمه الأولى بـ"الرجال الأمريكان"، و"مجموعات البيزنس"، وشلة "لجنة السياسات"، ووكلاء "صندوق النقد الدولي"، وسماسرة "شركات القرصنة الاقتصادية" الذين أودوا البلد من حالق إلى فالق، ومن درجات إلى دركات حينما اغترفوا من أراضي وأموال الدولة، بمثل ما اغترفوا من كراسيها ومناصبها. |
ثم تمتم: مفيش فايدة!..." قصة قصيرة "
نفس السحنة التي تحمل علامات القهر والإحباط والمرض..
الفشل الكلوي هد حيله..
وعمليات الغسيل الكلوي بيشحت علشان يعملها..
ابناه عادل ومجدي يجلسان بجانبه في البيت منذ أربع سنين بعد تخرج الأول وثلاث سنوات بعد تخرج الثاني!
ابنه الأكبر عادل خريج الهندسة، لم يجد إلا وظيفة مسوق أو مندوبات مبيعات.. ككل الوظائف الموجودة في السوق..
كانت كل مهاراته فنية..
كان بارعا جدا في مجال الهندسة.. لذا ود الالتحاق في وظيفة في مجاله.. يبدع فيها كمهندس لا كتاجر يلف ويدور طول النهار يسوق البضاعة الصيني "النص كم"، كما كان يقول دائما.
أخوه مجدي جاب من الأخر.....
باع دهب الحاجة والدته واشتري بيه (توك توك)
رغم حصوله على ليسانس الحقوق بتقدير جيد، كان يود الالتحاق بسلك النيابة وبعدها بالقضاء ليشارك مع القضاة الأحرار في وقفتهم ضد النظام الفاسد اللي خرب البلد
لكن ما باليد حيلة.. فقر أبوه وقعدته على القهوة من 5 سنين بعد طرده من الشركة في صورة "معاش مبكر" وعدم موجود واسطة حالا دون ذلك..
حاول أن أن يتدرب مع محامي، لكن كان بيطلع عينه ويديله في الشهر 150 هلفوت
كان ينفق على المواصلات والأكل بس "ييجي 200 جنيه"
"هو كده إن كان عاجبك.. سيادتك بتتمرن، و100 واحد زيك قاعدين على القهوة يتمنوا التدريب بتاعك ده".. هكذا قال له المحامي عندما طلب منه مجدي زيادة المرتب حتى لو 200 جنيه.
الحاجة أم عادل..
مستنية ربنا يفرجها على الحاج أبو عادل علشان يجيبوا موسم عاشورا للبت المتجوزة "يا دي الكسوف أهل جوز بنتي يقولوا علينا إيه.. مش كفاية الموسم اللي فات اتحججنا بموت واحد من قرايبنا".
اقتربتُ من الحاج..
لسه حاطط إيده تحت دقنه
"إزيك يا حاج.. عامل إيه؟!"
نظر لي بعينيه المحمرتين لا أدري من السهر، أم من البكاء، وهو يتمتم:
"مفيش فايدة"
أنا.. والأزهر والأزهريين!
حتى وقت تخرجي منذ خمس سنوات من جامعة الأزهر بإحدى كلياتها العملية كان لا يوجد تنسيق للكليات الشرعية واللغوية (أصول الدين واللغة العربية والدراسات العربية والإسلامية والشريعة والقانون)، ولكن الداخل لنيل الشهادة من واحدة من هذه الكليات –باستثناء قلة منهم- واحد من الفئات التالية:
الفئة الأولى من كانت درجاتهم في الشهادة الثانوية 50%، أو من أكرمه الله بخمس أو ست ملاحق في الثانوية -كان لي أصحاب لكن بالقسم الأدبي يحقق score من الملاحق يتجاوز اثنا عشرا ملحقا ويدخل فيهم دور ثاني فإن نجح - بفضل دعاء الوالدين والخالات والعمات - يتم إلحاقهم بأحدي الكليات السابق ذكرها-يعني لو اعتبرنا اعتمادا على من يربط مستوى الذكاء بالمستوي التعليمي والتحصيل في الدراسة فمن الجائز أن يطلق على هؤلاء أنهم من المعاقين ذهنيا!
الفئة الثانية: من قصر مجموعهم عن اللحاق بكلية عملية -وفارق الدرجات شاسع-وهي عند الطلبة المشايخ الصغار كليات "روشة"، والكلية الروشة باصطلاح الأزهريين هي الكلية التي يجلس فيها الطلبة في مدرجات، وليس على مقاعد مدرسية "تخت يعني" كالتي يجلسون عليها بكلياتهم في منطقة الدراسة، فضلا عن الكليات العملية بمدينة نصر يقع بجوارها على بعد أقل من فرسخ وثلاثة إنشات معهد الخدمة الاجتماعية حيث تتاح لهن الظروف الجيدة للتطلع لرؤية الجينز النسائي الضيق والهاف ستوماك!
الفئة الثالثة: الراسبون في الكليات العملية، حيث يتم ترحيلهم قسرا وجبرا لقضاء مدة عقوبة ويبلغ مقدارها عددا من السنيين على حسب حالة الطالب الذهنية والنفسية المكتئبة الداخل بها للكلية لكبره في السن عن زملائه وفشله في الكلية السابقة وإحباطه من دراسة غير راغب فيها!
وتخيل نفسية طالب داخل كلية كارها لها ولموادها ليتخرج بعدها مرشد أمة، وداعية يعلم الناس الخير.
مداخل.. ومخارج
هذه المداخل للكليات الشرعية بجامعة الأزهر، فإليك مخرجاتها يا سيدي:- كل خريجي كلية اللغة العربية، لا يعرفون الفرق بين أسماء بوزن يوسف إدريس والسباعي وعلي أحمد باكثير ونازك الملائكة.. فضلا عن عدم تمييزهم أو معرفتهم بالفرق بين الرواية والقصة القصيرة؛ لأن كل دراستهم مبتدأها صعلوك العرب "تأبط شراَ" ومنتهاها غريب الشعر:
كأزج زلوج هزرفي زفازف هزف يبز الناجيات الصوافنا
لذا لم نرى من الأزهريين خريجي المتخصصين في اللغة العربية مثلا لم نرى واحدا فيهم علما في القصة أو الرواية أو الشعر أو نرى أحدهم ينقد قصيدة في ندوة أو يلقي زجلا في منتدى.
الشعب المصري كله معاقب ضمن العقوبات التي تفرضها عليه الحكومة بمدة تتراوح بين الربع ساعة هي مدة خطبة يحفظها الخريج الأزهري بالإضافة لحفظه خطب المواسم والأعياد وتلك الخطب لا تتجدد ولا تتنوع على الإطلاق.
والغريب أن تلك الخطب التي يقولها خطيب أزهري في ديروط بالصعيد هي هي نفس الخطب التي يقولها خطيب آخر بزاوية في شارع كرموز بالإسكندرية، نفس الأقوال المأثورة وأبيات الشعر المقررة عليهم من سيادة اللواء حمدي زقزوق مدير فرع الداخلية بوزارة الأوقاف.
بل واحتوائها على نفس الأحاديث المنكرة والموضوعة والمدلسة والقصص المختلقة بدءاً بحديث ثعلبة وانتهاء بالرجل الذي ذهب ليدفن أخته فنسي الموبايل الخاص به في المقبرة فلما تذكره رجع مرة ثانية ليفتح المقبرة وليجد أخته مشتعل القبر عليها وليذهب ليسأل والدته عن سر اشتعال القبر بأخته لتقول له :"الويل لها من آثمة.. حقا إنها كانت صوامة قوامة، غير أنها كانت لا تسمع قناة الناس".
وهنا ترتفع الأصوات، ويضج المسجد بتأوهات الناس وأنينهم، وينتشي الإمام لتفاعل الحضور وليشكر في سره صاحب مصنف "كيف ترفع الهمم المخروبة بالقصص المضروبة"!
ثم يمزج الخطيب خطبته هذه بإشعار كلها محفوظة من أشرطة الشيخ كشك – رحمه الله -فضلاً عن لوازمه وأحيانا سبه وشتائمه، وربما قد تفاجأ حينما تري خطيبا ولدا يافعا زرب اللسان وهو يسب ويلعن في صلاح جاهين أو الست أم كلثوم أو يقدح في عبد الحليم – وهو لا يدري أنهما قد ماتوا منذ عشرات السنين- يفعل ذلك فقط؛ لأنه نحت الحتة دي بالذات من شريط الشيخ كشك الذي سمعه قبل الجمعة بنصف ساعة!
مدخلان أخرجت لنا مخرجات الخطاب المستأنس والفتاوى المسيسة عن تأثيم من لم يخرج في استفتاءات التعديلات وانتخابات الرئاسة، ولا ندرى لماذا لم يخرج لنا الشيوخ الجهابذة فتاوى في عدم إسناد الأمر لغير أهله، وحكم من سرطن العباد والبلاد.. أم هم خرس في عالم السياسة وقول الحق!.. فصحاء بلغاء في رضاع الكبير وطهارة وشرب بول النبي وجواز جماع الخادمة لأنها في منزلة الأمة والجارية.
رضي الله عن العز بن عبد السلام الذي هجر مصر لتدخل الملك الصالح أيوب في قضية نُظرت أمامه، سلام الله علي شيوخ وعلماء الأزهر الكرام الشرقاوي وعمر مكرم ومحمد عبده والمراغي والغزالي.. ولن أقل سلاما على عمائم السلطة.. ومشايخ الفتة!
العسعس : المحافظون الجدد استطاعوا ركوب واستثمار الموجة
الشيخ العسعس: المحافظون الجدد، استطاعوا استثمار وركوب الحدث بطريقة متقنة، لدرجة تدفع إلى القول أنهم كانوا يتمنون لو وقع مثل هذا الحدث، كي يفرضوا رؤيتهم ومخاوفهم التي كانوا يبشرون بها على الإدارة الأمريكية. وقد يكون من الدقة أن نقول: إن تهيئة البيئة القابلة للرد على الحدث بقوة، وإدارة ظروف ما بعد الحدث هو من نتاج ايدلوجية المحافظين الجدد. واعتقد أنَّ التحليل الذي يلتفت إلى منهج إدارة الصراع ودوافعه أولى من الانكباب على البحث عن إبرة في بحر...!!