الاثنين، 2 نوفمبر 2009

مهرجان المسرح التجريبي... همش السياسة في عرسها




Image
لقطة من العرض اللبناني "وامعتصماه"
مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي الحادي والعشرين بلغ يوم 10 أكتوبر الماضي سن الرشد، بلغ واحدا وعشرين عاما ليشارك في محاولة جادة لإفراز طليعة من المسرحيين ليصبحوا فيما بعد نواة "المسرح الكلاسيكي".

اتسم افتتاح مهرجان المسرح التجريبي والإعلان عنه صحفيا هذا العام بسمت خاص، غلب عليه غبار معركة "اليونسكو" التي نفض المشاركون فيها أيديهم منها قبل افتتاح المهرجان بأيام قليلة، مما جعل الأسئلة حولها تحوم حول وزير الثقافة المصري فاروق حسني أثناء المؤتمر الصحفي للإعلان عن المهرجان؛ إلا أنه كان حريصا على ألا يبدو موتورا فرفض التعليق على الجدول الدائر حول ترجمة روايات إسرائيلية، كما أكد على نفيه وجود علاقة بين محاولات مصر استعادة اللوحات المسروقة من متحف اللوفر، والموقف السلبي من فرنسا بسبب عدم دعمها لحسني في انتخابات اليونسكو!.

قليل من السياسة

ورغم أن "تيمة" هذا العام للمهرجان تدور حول التجريب في المسرح السياسي، فإن المهرجان واقعاً غابت عنه الأعمال السياسية, فيما عدا بعض الأعمال المسرحية التي ينتجها مسرح الدولة المصري عن القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى عرضين عربيين؛ أحدهما لبناني بعنوان "وامعتصماه"، والآخر أردني حمل اسم "بلا عنوان"، وكلاهما تحدث عن القضية الفلسطينية, بقية الأعمال الأخرى سواء العربية والمصرية والأجنبية دارت في فلك القضايا التجريدية والاجتماعية والفلسفية.

ربما ترك شعار السياسة أثره في عدم مشاركة فلسطين في المهرجان، ورفض السلطات المصرية دخول الممثلة الفلسطينية "ميرا صيداوي" مصر للمشاركة في المهرجان.

مستنقع الجنس

كثف المخرج اللبناني في عرضه المسرحي الصامت "وامعتصماه" مأساة القضية الفلسطينية خلال مدة لم تتجاوز خمسين دقيقة, إذ عرض تاريخ النكبة منذ ألفي عام وحتى اليوم, يبدأها بمشهد ليهودي يجلد مجموعة من الفلسطينيين ثم يقوم باختيار أحدهم (المسيح) ليبدأ بتعذيبه وصلبه –وفقا للمسرحية- ثم تنتقل الأحداث إلى الوقت الحالي، حيث الواقع الذي لم يتغير، تتغير الأداة التي يتم الفتك بها من السوط إلى المدفع والبندقية.

ويسخر عواد في مسرحيته من جيوش الدول العربية، وينتقد الشعوب العربية التي صار الهم الرئيسي لها هو "الجنس" معبرا عن ذلك برمز هزلي إذ يجعل العلم هو أحد قطع الملابس الداخلية للسيدات، ثم يضرب لها الجنود تعظيم سلام أثناء تحية العلم، ثم يأتي شخص ليتبول على مدفع بجوار العلم في إشارة إلى تناقص فعاليته وربما انعدامها.

فيما يقدم في مشهد آخر فلسطين وهي تتمسح بهذه الجماجم المعلقة على جدار الزمن، التي تعبِّر عن شهدائها الذين ماتوا إما في المذابح، وإما دفاعا عنها، ثم تتجه بعدها لتبكي بنفس الشكل على العرب الذين صاروا مثل تلك الجماجم، موتى حتى وإن كانت تدب في أجسامهم الحياة.

ليجسد في المشهد الأخير يأس الفلسطينيين في الحصول على مساندة من الدول العربية عندما مشى أحد الممثلين على خشبة المسرح جارا وراءه كل الملابس التي تتميز بها كل دولة عربية «العمة، الجلباب، الطربوش، العقال، الكوفية، وغيرها» حاملا على إحدى كتفيه المسجد الأقصى، يليه مشهد خروج الفلسطينيين وهم يقذفون الحجارة على الإسرائيليين ويرددون: «لن نرحل يا بلادي» وهى الجملة الوحيدة في العرض الصامت.

العرض لاقى قبولا جيدا من جمهور المهرجان وهو من تأليف وإخراج سمير عواد وبطولة مالك عنداري وبسام أبو دياب وزاهر قبس وأحلام عواد.

الكباريه السياسي

وعلى هامش المهرجان كانت الندوات التي جعلت من المحور السياسي ركيزة لها تحاول أن تقلب فكرة التجريب في المسرح السياسي على كل وجوهها حيث تم مناقشة هذا العنوان في ثلاث ندوات على أربعة أيام متتالية، بدأت بمحور "مسرح الصحف الحية – الأسباب والتقنيات" وهو شكل غير معروف تقريبا في العالم العربي، لكنه معروف في أوروبا وأمريكا وهو يشبه إلى حد كبير ما يسمى لدينا بمسرح "الكباريه السياسي" وهو تعبير مسرحي يطلق على بعض المسرحيات التي تنتقد الأحوال السياسية والاجتماعية، ولو بطريقة غير مباشرة، ومن خلال درجة عالية جدا من السخرية والتجريد.

في البداية تحدث المخرج المسرحي هاني مطاوع عن نشأة هذا النوع المسرحي والتي كانت بعد الثورة البلشفية في العشرينيات، مشيرا إلى أنه شكل مبكر وجديد على المسرح يضرب ويعارض الشكل التقليدي والدراما الواقعية، ويستخدم تقنيات المسرح البسيط، وديكوراته الخفيفة التي تستطيع أن تنقل لكي تعرض في أي مكان, مثل الساحات والشوارع.

وذكر مطاوع أن هذا النوع من المسرح قد انتقل من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية في فترة الثلاثينيات أثناء مرورها بالأزمة الاقتصادية الشهيرة حينها، وأيضا مرورها بسنوات من الفقر ومعاناة الأقليات، ومن ثم عمل هذا المسرح على مناقشة الموضوعات المثارة في المجتمع.

فيما عرض المخرج المسرحي أحمد سخسوخ لسبب انتشار هذا النوع من المسرح، قائلا: "إن الثورة البلشفية وقتها أدركت أن المسرح فعال في الحركة السياسية، فعملت على أن تقدم هذه المسرحيات للجماهير، حيث تفاعل معها الأخير وبدأ يصل الفكر الاشتراكي إلى الجميع".

أما الكاتب والمسرحي اللبناني بول شاؤول، فعبر عن كون مسرح الصحف الحية هو مسرح احتجاج سياسي، له تقنيات وسمات خاصة به من ضمنها الجريدة كمنطلق يحمل الحدث السياسي أو الاجتماعي، والتحليل الاجتماعي مثل كسر الحاجز بين النص المسرحي والمقال، واستخدام الشاشة، واستعمال الوثيقة والأرشيف كمادة مسرحية، والارتجال، وإلغاء المسافة بين الممثل التقليدي وزميله أثناء العرض.

كما تحدث زيونج يوانوي الأستاذ بأكاديمية شنغهاي المسرحية بالصين عن أن المسرح السياسي بالأساس يأخذ من نشر الأيدلوجيا هدفا له، فيما المسرح التجاري يهدف إلى الربح الوفير، والمسرح الأساسي سواءً الكلاسيكي أو التجريبي يهدف إلى إشباع الذوق الجماهيري، وعادة كما يقول زيونج تقوم المؤسسة الحكومية بالإشراف علي المسرح السياسي..!..

ويضرب زيونج مثالا بالصين فيقول: "جميع الأعمال المسرحية التي ظهرت بعد تأسيس جمهورية الصين الجديدة، وحتى سبعينيات القرن العشرين كان جميعها ينتمي إلى المسرح السياسي، حيث كان الهدف الرئيسي من الإبداع المسرحي هو الرعاية السياسية" مضيفا: "المسرح السياسي رافد من الثقافة الصينية التي تهدف إلى جعل الفرد يعترف بقيمة المنظومة الاجتماعية، وجعل أفراد المجتمع ينضمون إلى الشكل الاجتماعي المستقر"...!!

تغطية المهرجان علي إسلام أون لاين.

ليست هناك تعليقات: