الاثنين، 2 نوفمبر 2009

الأتيليه.. من دور المؤسسة الثقافية إلى دور "المقهى"

انتخابات أتيليه القاهرة 2009

بعد الأحزاب.. الانشقاقات تطيح بالمؤسسات الثقافية

أحمد عبد الحميد


Image
أجواء الانتخابات في أتيليه القاهرة
في وقائع تاريخية مشهورة ومعروفة كانت الأحزاب المصرية التي كانت تريد أن تجد لها موطئ قدم داخل الحياة السياسية يمارس معها النظام سيناريو وحيدًا لا يتغير ولا يتبدل، ينتهي دوما برغم اختلاف التفاصيل والأشخاص والأمكنة إلى نهاية وحيدة، موت الحزب إكلينيكًا على أيدي مجموعة من أبنائه الذين يودون به من حالق إلى فالق، ليقف النظام مبتسم الثغر سعيدًا بانتصاره في معركة تلو الأخرى.

الأعجب أن ينتقل هذا السيناريو إلى مؤسسات ثقافية يمثل المنتمين لها صلب ونواة النخبة المثقفة التي تقول عن نفسها إنها فاهمة، وواعية، وقادرة على أن تضع حلولاً لمشاكلها ومشاكل المجتمع الذي تعيش فيه، وهو ما جعلها تفشل في إدارة صراع شريف مع من ينتمون لهذه المؤسسات بحسب رأي مثقفين وكتاب مصريين.

فقد انتهت بعد مواجهات حادة -وكادت أن تقترب من الدموية- بوجود بعض البودي جاردات الأربعاء 7 أكتوبر انتخابات "أتيليه القاهرة" إحدى المؤسسات الثقافية المصرية، والتي أسفرت عن فوز الفنان التشكيلي صلاح عناني برئاسة مجلس الإدارة.

الحقيقة أن الانتخابات انتهت فعليًّا لكن الصراع لم ينته، حيث ينتظر أعضاء الجمعية ردة فعل طبيعية من مجلس الإدارة المعزول، والذي تم منعه من الدخول في الانتخابات أن يستصدر قرارًا قضائيًّا من المحكمة لنقض الانتخابات وإعادتها من جديد ليشتد الصراع الذي يخشي معه أعضاء الأتيليه أن يعصف بمؤسستهم الثقافية إلى الأبد وإلى غير رجعة.

بداية القصة

القصة لا تبدأ من هنا، لكن تبدأ عندما قام الفنان سعيد الجزار عضو الجمعية العمومية بالأتيليه بتقديم شكوى إلى وزارة التضامن الاجتماعي مطالبًا بالتدخل العاجل لمعالجة ما سماه بـ"مخالفات مجلس إدارة أتيليه القاهرة"، وعلى رأس هذا المجلس وجيه وهبة رئيس مجلس الإدارة وبهيج إسماعيل نائب الرئيس ومحمد طراوي الأمين العام ومدحت الجيار أمين الصندوق، وجاء فى الشكوى أن المخالفات تتلخص فى ثلاث نقاط رئيسية، أولها وهو الأهم، عدم دفع القيمة الإيجارية للأتيليه لمدة كبيرة بما يعرض أعضاء الجمعية العمومية للطرد وضياع المال العام، فضلاً عن مخالفات مالية كبيرة، وشبهات شابت انتخابات مجلس الإدارة في الدورة الأخيرة، كما اتهم الجزار الذي تضامن معه مجموعة من أعضاء الجمعية العمومية مجلس الإدارة بقبول منح من السفارة الإيطالية، دون الرجوع إلى الجهة الإدارية وهي إدارة الجمعيات بوزارة التضامن الاجتماعي أو حتى الرجوع إلى الجمعية العمومية.

بعدها استصدرت الكاتبة سلوى بكر قرارا من وزارة التضامن بعزل مجلس الإدارة، وعينتها الوزارة مفوضًا عامًا على "الأتيليه"، لكنها أخذت الصراع إلى منحى أعمق عندما قامت بفصل كل أعضاء مجلس الإدارة القديم قبل أيام فقط من موعد إجراء الانتخابات مبررة أن أعضاء مجلس الإدارة ارتكب أخطاء أدبية ومالية توجب فصلهم، وقامت بمنع دخولهم الأتيليه، وكان الأغرب هو قيامها أيضًا بفصل عضو مجلس الإدارة الفنان "سعيد الجزار" أول من قدم بلاغًا إلى وزارة التضامن شاكيًّا من تجاوزات مجلس الإدارة ليتصاعد بعدها الأمر في صورة "ردح" و"سب" و"قذف" في "مهزلة" يصفها حتى أعضاء الأتيليه بأنها أساءت ليس فقط إلى "الأتيليه" وإنما إلى "مثقفين" منوط بهم أن يكونوا نموذجًا في السلوك، والرقي في حل المشكلات وهو ما لم يحدث علي الإطلاق.

السقوط في المستنقع



إسلام أون لاين حضرت الانتخابات بالأتيليه والتي كانت مشحونة بالتوتر، حيث منعت المفوضة سلوى بكر أعضاء مجلس الإدارة المعزولين من المشاركة فيها رغم ترشحهم، ولم يبد مسئولو التضامن الاجتماعى أى اعتراض على منعهم، وقالوا: "جئنا فقط لمتابعة الانتخابات وليس لدينا قرار بإضافة المعزولين إلى قائمة المرشحين"، وسألوا أعضاء الجمعية العمومية، "هل أنتم مع إجراء الانتخابات أم لا رغم عدم مشاركة المجلس المعزول"، وطالب معظم الحضور بإجرائها.

وحدثت مشادات عنيفة بين مدحت الجيار وسعيد الجزار اللذين دخلا مقر الانتخابات دون علم سلوى بكر والتي احتجت على دخولهما، فيما منعت دخول باقى أعضاء مجلس الإدارة المعزولين، ووصل الأمر إلى حد التراشق بالألفاظ النابية والشتائم بين جميع الأطراف، كما تواجد بالأتيليه بعض "البودي جارد"، ومنعت سلوى بكر الصحفيين من دخول الأتيليه بعد أن أغلقت الأبواب ولم تسمح إلا بدخول الأعضاء مسددي الاشتراكات.

استطلعنا آراء بعض أعضاء الأتيليه حول الأزمة والانتخابات حيث رأى الكاتب والمترجم طاهر البربري أن ما يحدث بعيدا عن المكسب والخسارة هو لصالح حالة التقويض التي تمارسها الدولة على الحياة السياسية والفكرية والثقافية، وأن المستفيد الوحيد من هذه المعركة هو النظام الذي يريد أن يقبض على مؤسسات المجتمع المدني بعد أن قام بهذا الدور بشكل رائع مع الأحزاب قائلا: "الخلاف كان من الممكن أن يحل على "ترابيزة"، لكن أن تقوم مفوضة بعزل مجلس إدارة، ثم تعمل على إسقاط عضوية مجموعة من الفنانين والكتاب وتقوم بمنعهم من دخول "الأتيليه" فهذا تعسف كبير".

وأضاف قائلا: "أنا لست ضد العزل، لكن أنا ضد إسقاط العضوية، ودخول الشرطة والنظام في هذه الأزمة، أنا ضد عزل مجلس الإدارة المكون من مجموعة من نخبة الكتاب والفنانين بضابط بوليس، وأيضا ضد التلويح بالعمالة لإسرائيل، وإلقاء التهم جزافًا بدون أدلة، وتشويه سمعة النخبة المثقفة".

ونوه البربري أن المجموعة التي قامت بعزل مجلس الإدارة ليست بريئة تمامًا، وبالمثل مجلس الإدارة ليس بريئًا تمامًا مما يحدث، وأن النظام كعادته استغل الصراع لتفتيت المؤسسة وإلقائها في "بؤرة" التشرذم والتفتيت.

كما أشار إلى أن الصراع الذي أدير -ولا زال- حكمته المصالح والأهواء الشخصية بشكل بعيد تمامًا عن الصالح العام للأتيليه، وأن الأتيليه صار يلعب دور "المقهى" وليس دور المؤسسة الثقافية المحترمة المنوط به في ظل إدارة غيبت فيه أي نشاط، أو فاعليات ثقافية.

الانهيار الثقافي

فيما وافقه الناقد الأدبي الدكتور صلاح السروي، وعضو الأتيليه الذي لم يستبعد دور الدولة في تخريب "الأتيليه" وتفريغه من مثقفيه كما فعلت من قبل مع أحزاب العمل والأحرار والوفد والتجمع والغد والنقابات، مضيفا: "لكن في نهاية الأمر الحكومة لا تلعب مع نفسها، لابد أن يكون هناك طرف آخر يستطيع النظام أن يمسك الأمور بداخل الأتيليه من خلاله، وما حدث من صراع وجد هوى لدى وزارة التضامن التي سارعت بعزل مجموعة رئاسة مجلس الإدارة القديم بدعوى أنهم مجموعة غير مسئولة، أنا أعيب على مجلس الإدارة القديم الذي ترك "الأتيليه" يرزح تحت الإهمال وركود تام، لكن أعيب أيضًا على المجموعة التي أوصلت الخلاف ليد النظام لتفعل بالأتيليه ما تشاء".

في النهاية يشير السروي إلى أن المستفيد من هذا الصراع بجانب النظام هو حالة الجهل والظلامية وحالة الفساد المستشرية في جسد الدولة التي تعيش من وجهة نظره في مرحلة انهيار بدأت بالتعليم، مرورًا بالصحة، والقيم والأخلاق، والمؤسسات الأهلية، لتنتهي إلى المؤسسات الثقافية والفنية.

متابعة المعركة الانتخابية علي إسلام أون لاين.

ليست هناك تعليقات: