"ما معنى أن يحبس الإنسان عقله وتفكيره رهن وظيفة حكومية لا تسمن ولا تغني من جوع؟".. في لحظة من لحظات الصدق مع النفس طرحت نرمين خريجة المعهد العالي للدراسات التعاونية على نفسها هذا التساؤل، لكنها وبدلا من الاستسلام لحالة من الاكتئاب قد تنتاب أقرانها ممن ظلوا ينتظرون هذه الوظيفة ليجدوا أنفسهم في النهاية يحصلون على راتب لا يتعدى مائتي جنيه، قررت أن تذهب إلى إحدى غرف المنزل حيث توجد أدوات هوايتها المفضلة "أعمال التطريز، وصناعة الستائر والوسائد". أخرجت نرمين بسرعة أدواتها، وأخذت تخطط لعمل فني جديد، ويبدو أن مقصها وهي تستخدمه ببراعة الفنان لتخرج من قطعة القماش تحفة فنية، تحول في أثناء ذلك إلى مقص جراح ماهر ليبتر من عقلها وهمًا اسمه "الوظيفة الحكومية". كانت الاستقالة من عملها كسكرتيرة بمدرسة حكومية هو القرار الذي اتخذته نرمين في هذا اليوم، لتنهي بذلك ما وصفته بـ"المهزلة"، التي تجسدت -على حد قولها- في راتب ضئيل يصل إلى150 جنيهًا ( تقريبا 30 دولارًا). كان قرار الاتجاه مباشرة إلى ممارسة الهواية بشكل تجاري وتحويلها إلى مشروع صغير صعبًا في ظل عدم توافر إمكانيات مادية، فقررت أن تحبس آمالها وطموحاتها في وظيفة تحصل منها على راتب معقول تستطيع اقتطاع جزء منه لخدمة هدفها. بياعة كلام أخذت تتابع إعلانات الوظائف إلى أن قرأت أحدها يطلب مديرة مكتب لشركة سياحة، عملت مقابلة شخصية، تجاوزتها بشكل جيد، ثم التحقت بالعمل الجديد وتقاضت مرتبا يعادل تقريبا ثمانية أضعاف الذي كانت تأخذه بالمدرسة، ونجحت في عملها كثيرا، وخصوصا أنها منظمة ولبقة أو كما يقال عنها بالمصري "بياعة كلام". كانت نرمين أثناء ذلك تمارس هوايتها بانتظام في أوقات فراغها، وتمني نفسها بعودة سريعة لها من خلال مشروع تجاري. وحتى ترتبط أكثر وأكثر بها، لم تكن تترك فرصة لممارستها إلا واستغلتها،وتقول في هذا الصدد: "كنت أحرص على أن أقدم هدايا لأصدقائي في مناسباتهم من صنع يدي، وكان إعجابهم بها يزيدني تصميما على ضرورة التفرغ لهذه الهواية". وتذكر نرمين الهدية التي أرسلتها لعميل سعودي من عملاء الشركة التي تعمل بها، وأعجب بها لدرجة أنه طلب منها مشاركته في مشغل ومول تجاري يعرض أعمالها، لكنها رفضت لرغبتها في إقامة مشروعها الخاص. وكان هذا العميل قد تعرفت عليه هو وزوجته أثناء عملها بالشركة، وتحولت علاقة العمل إلى صداقة، وقررت بعد أن رحلا عن مصر أن ترسل لهما هدية مناسبة، وقررت أن تكون الهدية من صنع يديها، فكانت مفرشا و"مخدة" للأطفال وستارة مطرزة. ولأن كثيرا من الخطوات المصيرية في حياتنا نجد أنفسنا مشدودين إليها دون تخطيط مسبق، جاء قرار هجر الوظيفة بشركة السياحة والاتجاه لممارسة الهواية كعمل تجاري فجأة ودون تخطيط مسبق. كانت نرمين قد أصيبت بحادثة أقعدتها في بيتها عدة أشهر، فقررت بعد تفكير طويل أثناء فترة مرضها، التقدم باستقالتها للشركة وبداية مشروعها. مشروع بـ200 جنيه تقول: "نزلت إلى السوق واشتريت بـ200 جنيه هم كل ما كانوا معي حينها مجموعة من الأقمشة والترتر ودبابيس ومقص كل ذلك بكميات بسيطة للغاية، ورجعت إلى منزلي لأقوم بالشيء الذي أعشقه في حياتي القص والخياطة والتطريز". انتهت "نرمين" خلال عدة أيام من عمل مجموعة أشياء مختلفة ومتنوعة ما بين شنط يد من القماش المطرز، ومفروشات، وستائر، انبهر بها أهلها وأصدقاؤها وأقرباؤها؛ الذين عرضوا عليها أن يشتروا هذه الأشياء كلها، وبالفعل نفدت جميعها، وكانت هذه أول صفقة. قررت بعدها أن تعمل على تكبير مشروعها، لكنها لم تكن تمتلك حينها المال الكافي، لجلوسها في البيت قبل استقالتها من العمل شهورا طويلة، ولم تستوعب أن تقترض من أحد من أصدقائها وأقاربها، تذكرت إمكانية الاقتراض من "الصندوق الاجتماعي للتنمية" –صندوق حكومي قائم على دعم المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر في مصر– فذهبت إليه وعرضت عليهم الفكرة، التي سرعان ما قبلوها، وخلال أسبوع واحد قدموا لها قرضًا بألفي جنيه مصري لتبدأ بهم في توسيع مشروعها والقيام بإنتاج أكبر. تقول: "بعد استلامي الـ(ألفي جنيه)، وضعت أول قسط للصندوق، وبدأت عملي بالباقي، وفكرت في منتجات جديدة، منها وسائد للأطفال بأشكال ظريفة ومتنوعة، وستائر لحجرات النوم، ومفروشات أخرى غير التي كنت أنتجها". وحرصت نرمين على الاشتراك في كل المعارض التي ينظمها الصندوق الاجتماعي في أنحاء الجمهورية، كان لقاء "إسلام أون لاين" بها في أحد هذه المعارض. ورغم قلة زواره نتيجة لضعف الدعاية فإن الجزء المخصص لعرض منتجاتها "البارتشن" شهد إقبالا كبير اندهش منه حتى القائمون على المعرض، رغم اشتراكها لأول مرة. واستفادت نرمين منه كثيرا وكان نقطة لانطلاقها خارج المحيط الذي تقوم بالتسويق والبيع به.. ومن أبرز قنوات التسويق الجديدة أنها تعرفت خلاله على أحد منتجي الأثاث المنزلي، حيث كان لوجود جزء من منتجاتها على قطع الأثاث الخاصة به دور في جذب مجموعة من المشترين لمعروضاته. وتقول: "اتفق معي منتج الأثاث علي أن أورد له 100 قطعة في الأسبوع لتصبح منتجاتي جزءًا مكملا لأثاثه". أحلام لا تتوقف وتسوق نرمين منتجاتها بشكل أساسي في مناطق المنيل والأزهر بالقاهرة، ولا تتوقف أحلامها عند هذا الحد، فهي ترغب في توسيع إنتاجها، ولكن العائق الوحيد الذي يقابلها أنها تحتاج لتمويل أكبر. وتخطط بمجرد انتهائها من تسديد القرض الأول الحصول على قرض أكبر من الصندوق الاجتماعي للتنمية، لأنها تذوقت طعم النجاح والمكسب ولن ترضى عنه بديلا. واستطاعت نرمين بعد مرور شهرين من بداية المشروع تحقيق أرباح أربعة آلاف جنيه، فاقت قيمة القرض الذي بدأت به، وهو ألفا جنيه. بقي درس هام تلخصه قصتها عبرت عنه بقولها: "رغم أنني اليوم أعمل في مهنة ليس لها علاقة بدراستي، فإنني أؤمن أن من يعمل في ما يؤمن به ينجح جدًا ويكسب أكثر". |
تعليم الأطفال في اليابان..صناعة البشر
قبل 13 عامًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق