الثلاثاء، 17 نوفمبر 2009

معامل" جيهان".. منتج يحيي حلم العلم


أحمد عبد الحميد


أطفال يستمتعون بالتعلم عبر معامل صغيرة مصرية الصنع

التقيتُها في أحد معارض الصندوق الاجتماعي للتنمية، كانت تتحدث بشغف عن مشروعها، تشد المستمع الذي يسمعها لأول مرة، لبساطتها التي تعبر بها عن مصرية أصيلة قادمة من أعماق الريف المصري، ومرة أخرى بكلامها الخالي من التكلف الذي تتحدث فيه عن حبها لبلدها، وأهمية التفاني في خدمته حتى لو لاقت في ذلك الصعوبات.

جيهان حماد شابة في العقد الثالث من عمرها، تزوجت من المهندس "وحيد عبد الحليم" من نفس بلدها قويسنا بالمنوفية (محافظة مصرية غرب القاهرة) بعد تخرجها في قسم الإلكترونيات بأحد المعاهد الفنية وتشاركا معا نفس الحلم، حيث آمنا أن التغيير والتنمية لن يتحققا إلا بنهضة صناعية وعلمية، وتعليم مهني وعلمي متميز، فقررا معاً في منتصف عام 1998 إنشاء مؤسسة صغيرة لإنتاج المعامل المدرسية التي تيسر للطلبة باختلاف مراحل تعليمهم تعلم المواد العلمية، بالإضافة لتصنيع المعامل الخاصة بالورش في المدارس والجامعات، ومراكز التدريب المهني، وأندية العلوم بمراكز الشباب، لتصبح كلها منتجات مصرية بنفس كفاءة وجودة المنتجات المستوردة.

نقاط تفوق

كانت العقبة الأولى التي وقفت أمامهما هي عدم وجود مشروعات تنتج وتعمل في هذا المجال في مصر، ليستطيعا التواصل معها والبناء عليها، لكنهما أدركا بعد فترة أن هذا الأمر في صالحهما، فلو نجح مشروعها فسيصبح أول مشروع من نوعه ليس في مصر وحدها، وإنما أيضا في العالم العربي.

الأمر الآخر الذي عرفاه أن المعامل الموجودة بالكليات العلمية والمدارس معظمها مستورد، ولا تقدم أغلب الشركات المستوردة التعليم أو خدمة الصيانة، وبالتالي أدركا أنه من الأهمية أن يصبح لمشروعهما نقطة تفوق على المنتج المستورد، في صيانة الأجهزة، وإعطاء الطلبة دورات مكثفة في كيفية تعامل واستخدام هذه المعامل.

تقول جيهان: "لم نكن نمتلك أي خبرة في هذا المجال، إضافة لعدم وجود ثورة تكنولوجية حينها كالموجودة الآن تساعدنا في تطوير مشروعنا، أو تعرفنا على مشروعات شبيهة بالخارج؛ لذا بدأنا في التراسل مع بعض الشركات لكي يرسلوا لنا كتالوجات إنتاجهم للتعرف عليها".

كانت للكتالوجات المرسلة من الخارج، بالإضافة للجزء العملي بمناهج كليات الهندسة والعلوم نواة لتكوين جزء معرفي ارتكز عليه الزوجان في محاولة صنع بعض الأجهزة البسيطة التي قد تكون بداية لتكوين معمل صغير.

أول منتج للمشروع

بدأ الزوجان في عمل دءوب استمر لمدة خمس سنوات في دراسة جيدة لأدوات المعامل الكهربية والإلكترونية، متوازية مع جهد كبير في فك وتركيب هذه الأجهزة والتعرف عليها، ومحاولة بناء نماذج مشابهة.

خلال هذه المدة كان الزوجان خصوصا بعد عام 2000 يقومان بتصنيع أشياء صغيرة مثل تلك التي تستخدم في مشاريع طلبة كليات الهندسة والزراعة والعلوم، وكانا يقومان أيضا بإعطاء طلبة هذه الكليات بعض "الدورات" التي تساعدهم في مناهجهم العملية ومشروعات التخرج.

أسفرت محاولات الزوجين عن صنع أول "تلفزيون تعليمي"، بل نجحا في توريد وبيع هذا المنتج لقسم "الكهرباء" بكلية هندسة شبين الكوم، وقسم "الإلكترونيات" بهندسة منوف- كلاهما ينتميان لجامعة المنوفية- كانا ذلك في سنتين متتاليتين، وكانت تلك الخطوة بمثابة تحقيق أول خطوة حقيقية في حلم تكوين شركة كبيرة تقوم بإنتاج هذه الأجهزة ومثيلاتها.

دورات تدريبية

بعد خطوة "التلفزيون التعليمي" بدأت تتوالي خطوات النجاح الأخرى في استكمال إنتاج أجهزة تصبح عماد معمل متكامل، حيث استطاعا إنتاج مجموعة كبيرة من الأجهزة، منها رسام القلب لكليات الطب، ومجموعات كبيرة ومتطورة من الدوائر الكهربية والإلكترونية، وأجهزة مولدات الطاقة والكهرباء وغيرها.

في هذه الفترة أيضًا قرر الزوجان القيام بتنظيم موضوع الكورسات والدورات التدريبية ليصبح مشروعًا علميًّا داعما للمشروع الصناعي، فقاما بعمل ورش للأطفال لتعليمهم الكهرباء والإلكترونيات بطريقة سهلة وبسيطة، وأنشآ سلسلة من "نوادي العلوم" في المدارس المصرية بأسلوب علمي جديد يتدرب الطالب فيه منذ الصغر على التفكير العلمي، والابتكار.

تؤكد جيهان أن الطالب في نادي المخترع يتعلم كيفية التعامل مع الإلكترونيات والكهرباء بطريقة بسيطة وسهلة وشيقة مثل الفك والتركيب، والمعامل الإلكترونية، والتعرف عمليًّا على خصائص عناصر الجدول الدوري ودورها في الصناعة، وهو ما أدى إلى اكتشاف كثير من الطلبة لمواهبهم وقدراتهم العلمية، وتشجيعهم على الدخول في الأقسام العلمية دون خوف أو رهبة من العلوم المختلفة، وأيضا الوصول بالطلبة إلى تطبيق اختراعاتهم في صورة منتجات بالمدارس يمكن أن تباع وتكون نواة لصناعات تكنولوجية.

تضيف جيهان: "الطلبة الذين تدربوا لدينا خصوصًا من كليات الهندسة استطاعوا أن يروا الفرق عن قرب بين التعليم النظري وبين التعليم العملي، ما قرءوه في الكتب استطاعوا إنتاجه على خط الإنتاج لدينا بمؤسستنا".

الطريف أن ولدها الصغير عبد الحليم الذي لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره هو المسئول عن تصميم المعامل والكتالوجات عن طريق الكمبيوتر، وحصل عبد الحليم على المركز الأول على مستوى الجمهورية في مجال البرمجيات وكان حينها لم يتجاوز الثامنة من عمره.

ريادة وجوائز

استطاع المشروع أن ينجح في التعاون مع كليات ومدارس شتى خلال الفترة التي بدءوها بأول منتج تعليمي لهم وهو جهاز "التلفزيون التعليمي"، حيث تعاونا مع أقسام كليات الهندسة بجامعة المنوفية، وعدة مدارس خاصة.

واشترك الزوجان في معارض عدة إنتاجية وصناعية، وحصل مشروعهما على أكثر من جائزة من جمعيات أهلية، ومن شركات ضخمة مثل شركة "شل" التي اختارت المشروع كأكثر المشروعات تمِّيّزًا على مستوى العالم العربي.

واختار المعهد البريطاني بالقاهرة "جيهان" من ضمن عشر سيدات رائدات في مجال غير تقليدي، وتم الحديث عنهما في جريدة بريطانية، واختيرت "جيهان" أيضا كسيدة متميزة في اليوم العالمي للمرأة، ثم نالت بعدها شهادة من المجلس القومي للمرأة الذي أنشأ لها موقعا خاصاً ضمن السيدات المتميزات في مجال التنمية.

البحث عن المتاعب

وكالقول المأثور "لا كرامة لنبي في وطنه" لاقت جيهان التي أخبرتني أنها قد عرض عليها وعلى زوجها من قبل أمير إماراتي أن يذهبا معه لتطبيق مشروعهما في بلده، لكنهما رفضا؛ أملا في تحقيق هذا المشروع على أرض بلدهما، لم يجدا من مسئولي هذا البلد إلا أذنا صماء، وأيدي غير ممدودة للمساعدة وفقط، بل تحاول تكبيل المشروع بعقد روتينية، عقدة تلو الأخرى.

كثيرا ما قابلت جيهان تجاهلا كبيرا من وزارة التربية والتعليم، التي لا تجد مدارسها ميزانية لشراء معملا صغيرا، فيما يتم إنفاق مبالغ أكثر من ذلك بكثير على الرحلات الترفيهية والحفلات.
تحكي جيهان قائلة: "وزارة التربية والتعليم يريد مسئولوها تطويرا شكليا في المناهج يتمثل في تغيير عنوانين وألوان الكتاب المدرسي، التطوير الحقيقي أنا أرى كمسئول وزاري ماذا تحتاج سوق العمل، وأقوم بالتطوير في مناهج التعليم بناء على ذلك".

تضيف: "تخيل أن مدير مدرسة حكومية أعجب بمشروع (نادي المخترع الصغير) لكنه طلب أولا موافقة جهاز أمن الدولة، فوجئت بعدها أن هذه الموافقة تتطلب على الأقل عامين".

وتختم حديثها بأسى: "عامان حتى أدخل بمشروعي في مدرسة حكومية، إذن يضيع من عمري عشر سنوات كي أدخل خمس مدارس حكومية على الأكثر..!!".

رصد التجربة علي إسلام أون لاين

ليست هناك تعليقات: