الاثنين، 2 نوفمبر 2009

بعد الأزمة المالية..المدير يصبح بواباً؟!

Image

لعنة البورصة بعد أحداث الأزمة المالية العالمية جعلت رجل الأعمال المصري يقتل زوجته وابنه المهندس وابنته المدرسة، ويحاول بعدها الانتحار لخسارته مليوني جنيه في البورصة، وليس لخسارته عمله أو تجارته.

بينما على الضفة الأخرى من العالم كان هناك "مارك كوبر" الذي كان يشعر بالسرور عندما يحصل على 12 دولارا مقابل العمل لساعة واحدة كبواب في شركة أحد أصدقائه، خلال ما يعرف بين العاطلين عن العمل.. بأنها «وظيفة سد رمق»، وذلك بشكل مؤقت حتى يحصل على وظيفة جديدة.

المفاجأة أن "كوبر" قبل 9 أشهر، كان يشغل وظيفة مدير أمني بإحدى الشركات الكبرى داخل الولايات المتحدة، وكان يشرف على ميزانية تبلغ 1.2 مليون دولار ويحصل على نحو 70 ألف دولار في العام.

الاختلاف البيّن بين الحالتين هل يمكن عزوه إلى الحالة الاقتصادية، أم إلى الحالة الاجتماعية، أم إلى الثقافة التي تختلف هنا في العالم العربي عن هناك في العالم الغربي؟ ويبقي السؤال الموجه إليك أنت شخصيا: لو كنت تشغل منصبا محترما، وتتقاضي مرتبا عاليا، وحدثت لك نفس ظروف "كوبر"، ولم تجد إلا وظيفة بواب لسد احتياجات عيشك؛ برأيك ماذا ستفعل؟

"في هذه الحالة أنا في حاجة لأن أبحث عن الطعام لي ولأولادي وعندها سوف أكون مضطرا لأن أقوم بأي عمل ولكني كنت سأقوم بتأسيس إحدى المشروعات الصغيرة".

هكذا كانت إجابة أحمد أبو مريم محاسب ببنك خاص، لكنه لا يستبعد إمكانية اللجوء لحل كوبر لو تعذر إنشاء هذا المشروع، ويقول: "هذا الواقع موجود في مصر، فالمشتغلون في بوفيه البنك الذي أعمل به من خريجي كليات الحقوق، والآداب، والحاسب الآلي"، ويضيف: "إنهم يساعدون آباءهم، ويعتمدون على أنفسهم، عكس مجموعة من الشباب المترف التافه".

البواب العربي والأمريكي

ويستعجب محمد أحمد محمد، موظف بمحافظة الجيزة من الحل الذي لجأ له "كوبر" ويقول: "أنا محاسب وأحصل على مرتب 450 جنيها في الشهر، أنا لو في مكانه أتحصل على مرتب 70 ألف دولار، كنت وفرت آلاف الجنيهات، وأسست بهم مشروعا أحسن من الوظيفة".

ويستصعب محمد أن يقوم مواطن عربي بنفس ما قام به "كوبر" مضيفا: "أين العمل الذي يتوافر للمواطن العربي، ويتقاضي فيه 12 دولارا بالساعة أو حتى جنيه، فأجر البواب اليومي لن يتعدى 10 جنيهات".

ويرى محمد أنه لكي تكون تلك الحلول واردة على الذهن العربي، لابد من رفع الأجور، وتحري الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والمساواة، وما إلى ذلك مما نفتقده في مجتمعاتنا العربية.

التربية والثقافة

ولا يستبعد عبد الرحمن مجدي -طالب بكية الإعلام- أن يقوم بذلك قائلا: "المنطق يحتم ذلك، وإلا فلن أستطيع أن أعيش، أكيد الموضوع غير سهل على اعتبار أن مديرا في شركة صعب عليه أن يكون عامل نظافة بين يوم وليلة، لكن لو لم أجد أمامي غير هذا الحل فسأقبل به، وخصوصا لو لدي بيت، وأسرة، وأولاد".

ويرى عبد الرحمن أنه من الصعوبة أن يقبل أحد في الوطن العربي بهذا الحل قائلا: "على الأقل لن يقوم بهذا العمل داخل بلده، يعني لو مدير شركة في مصر وتم تسريحه من عمله، مستحيل أن يعمل بالنظافة في أي مكان داخل مصر، لكن يمكن أن يقوم بهذا العمل بالخارج، لأنه سيشعر أن هذا الموضوع فيه إحراج له ولعائلته".

وتكمن المشكلة في رأي عبد الرحمن في التربية والثقافة حيث يقول: "كثير جدا من المواطنين في العالم العربي لم يتربوا على احترام قيمة العمل واحترام أصحاب الحرف، تربيتنا تقوم على أساس المظهر الاجتماعي الذي يتحصل عليه الفرد من عمله".

في النهاية يرى عبد الرحمن الحل في إصلاح التعليم والثقافة الجيدة ويضيف: "نحن كشباب نحتاج لنتربى على أن القيمة الحقيقية في العمل الشريف، ليس من المهم إن كان هذا العمل مدير شركة ولا سائق عربية كارو، مادام أنه يكسب رزقه بالحلال، طبعا مع عدم إلغاء الطموح".

الرزق مع المجازفة

وتتفق هداب أبو راس صحفية من غزة مع الرأي السابق، قائلة: "ما دامت الوظيفة شريفة فلا يهمني طبيعتها، ولا الأجر المقابل لها". ولكنها تستبعد إمكانية لجوء كثير من المواطنين العرب لهذا الحل، ويرجع ذلك لاختلاف العقلية العربية عن الغربية، مشيرة إلى أن العقلية الغربية تحب المجازفة بكل المجالات وتخوض في المغامرة أيا كانت نتائجها، وتقبل التحدي لتثبت ذاتها بأصعب الطرق. وتضيف: "أكيد لو فكرنا مثل تفكيرهم، وأضفنا طرقا جديدة، وقمنا بتطويرها لحللنا مشاكل كبيرة لدينا".

ولكن سعيد مطر "أردني"، كان له رأي مختلف تماما عن الآخرين حيث يقول: "لا أعمل في وظيفة أقل من وظيفتي السابقة حتى لو كان الأجر كبيرا، فكيف أقبل بوظيفة دونية بعدما كنت في وظيفة مرموقة، أعتقد أن هناك خللا في عقل هذا الشخص الأمريكي الذي قبل بهذه الوظيفة".

دكتور بدرجة سائق

رأي خبراء التنمية البشرية لم يختلف كثيرا، فالدكتورة غادة حماد مديرة التدريب والتطوير بإحدى الشركات تقول: "ما حدث في الغرب نسبة تحقيقه عندنا تكاد تكون منعدمة، الناس في الغرب لديهم دائما خطة (B)، بينما الخطة البديلة في المجتمعات العربية غير متواجدة، ومثال (كوبر) أكبر دليل على أن هؤلاء الناس يفكرون جيدا، فحينما ينعدم العمل المناسب تظهر القاعدة التي تقول (القدر المرن من التنازلات للقوت الضروري)".

ويصف محمد فتحي خبير التنمية البشرية والإدارية ما حدث بأنه ليس سلوكا فرديا قام به المواطن الأمريكي، بل هي ظاهرة عادية موجودة في المجتمع الغربي، والمجتمع الأمريكي على وجه الخصوص ويستشهد فتحي بمثال قائلا: "وكالة (ناسا الفضائية) لديها مجموعة من الموظفين الفنيين يعملون لمشروعات معينة، وعندما تنتهي تلك المشروعات، يرحل الفني ليعمل في مدينة للملاهي أو ما شابه، لدرجة أنه في نشرة اقتصادية تم رصد أعلى نسبة للبطالة في أمريكا وكانت في تلك الوكالة نتيجة لفقد هذه الوظائف".

وظاهرة "التدريب التحويلي" –كما يشير فتحي– معروفة في الولايات المتحدة بشكل طبيعي، حينما يريد موظف ما أن يغير من مهنته طوعا أو حينما يتم تسريحه من العمل.

ويقول: "هناك بعض الجامعات في الولايات المتحدة، حينما تقل أعداد الطلبة عن أعداد هيئة التدريس، يتم عمل تدريب تحويلي لأساتذة الجامعة هناك، لدرجة أن هناك أستاذا جامعيا طلب أن يعمل سائقا على شاحنة (لوري) حينما تم تقليص عدد الأساتذة بجامعة (إلينوي)، وبالفعل عمل فترة في هذه المهنة بدون أي غضاضة أو مشكلة مع مجتمع يقدس العمل وقبلها كرامة الإنسان وكرامته".

ويرى فتحي أن العكس موجود تماما بمجتمعاتنا العربية التي ارتبطت فيها قيمة المرء بقيمة وظيفته، حتى لو كان لا يؤدي شيئا ذا بال، لكنه يرى أن سوق القطاع الخاص سيقضي على الاتكالية التي كانت منتشرة أيام "القطاع العام" وأن سوق الخصخصة لا يرحم من ليس لديه مهارات كافية لوظيفته، أو مهنته.

وضع صعب

وتطرح نهى سلامة رئيسة فريق بداية للتنمية البشرية رؤية مختلفة، مشيرة إلى أنه من الصعوبة أن يتقبل المرء وضعية نزوله من مدير لبواب بسهولة حتى لو في المجتمع الغربي إلا تحت ظروف غاية في القسوة، بمعنى أنه لن يقوم فرد ما بعمل هذا الفعل لأجل المتعة أو للترفية لأجل أن يقال عنه إنه شجاع.

وتضيف: "تصور لو مدير فعلا رضي بعمل البواب فكيف ستكون نظرة المجتمع له، فضلا عن مرتب بواب كيف سيكفي مديرا ينفق منه على أولاده وعلى مدارسهم، البواب في بلدنا يعيش على البقشيش".

الموضوع علي إسلام أون لاين.

ليست هناك تعليقات: