بنفس الطريقة تم إيقاف مشروع آخر لا يقل في القيمة عن مشروع "عمرو خالد" غير أنه على مستوى أصغر، ويتخذ مسارا معرفيا وثقافيا.. ليتقاسم المشروعان النهاية ذاتها، وهي العراقيل التي تحول دون إتمام المشروع. فمن فكرة نماذج المحاكاة "الناجحة" التي انتشرت في الجامعات المصرية في الفترة الأخيرة ظهر نموذج "أبجد"، والذي قام بإنشائه مجموعة من طلبة كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، محاكين به مجمع اللغة العربية تحت شعار "نعيد العربية للحياة"، ويهدف إلى الحفاظ على اللغة العربية وإحيائها في الصحف والمجلات والفنون والمنتديات الثقافية، والأهم في الشارع بين الشباب والعامة، من خلال أدوات عدة، يأتي على رأسها استخدام اللغة المحكية والمشاهدة "الفنون" لخدمة "اللغة العربية" المقروءة والمكتوبة.
إلا أن المشروع لم يكد يحقق بعض أهدافه حتى وضعت أمامه العراقيل, يحكي أحمد أبو خليل صاحب الفكرة ورئيس النموذج قائلا: "يتبع أي نموذج محاكاة في أي كلية مراكز التدريب بالكلية، وليس رعاية الشباب، أو اتحادات الطلبة، كما هو الحال في نماذج المحاكاة الموجودة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة على سبيل المثال، إلا أننا فوجئنا أن الكلية ترفض استمرار "نموذج أبجد" من مركز التدريب وتقوم بنقله لاتحاد الطلبة، وهذا معناه القضاء فعليا على النموذج؛ لأن إلحاقه باتحاد الطلبة التابع للكلية يعني أن تقتصر عضويته فقط على الطلبة بالكلية، ومنع نشاط أي عضو من خارج الكلية، وأن يتم انتخاب رئيس النموذج وعضوية مجلس الإدارة به بعد انتخاب اتحاد طلبة، وهذه الأمر لا يحدث إلا في الفصل الدراسي من السنة، وهو ما يعني حصر نشاط "النموذج" في شهرين فقط من السنة؛ لأن هذا الوقت الفعلي لنشاط الطلاب بكلية دار العلوم، باستثناء ما هو معروف عن بقية الكليات الأخرى بالجامعة". ويضيف أبو خليل: "الأمر المفجع أكثر أن الميزانية التي يخصصها "اتحاد الطلبة" للأنشطة الثقافية سنويا تقريبا 75 جنيها (13 دولارا تقريبا)، وبالطبع "النموذج" لكي ينجح لابد من تمويله بآلاف الجنيهات، كما هو الشأن بنماذج المحاكاة في كلية الاقتصاد والعلوم سياسية التي ينفق بعض النماذج فيها 50 ألف جنيه سنويا، ونحن لم نطلب دعم الجامعة؛ إذ استطعنا بالفعل الحصول على رعاة لدعم المشروع؛ لكنهم توقفوا بعد أن أصبح النموذج تحت مظلة "اتحاد الطلبة". وعند طرح الموضوع مع الدكتور محمد صالح وكيل كلية "دار العلوم" أفاد بأن المشروع ما دام أنه سيصبح متحدثا باسم الكلية لابد أن تشرف عليه الكلية، وأنهم -أي إدارة الكلية- لن يسمحوا لمشروع أن ينطلق من الكلية بعيدا عن مسئوليتها وإشرافها. إلا أن أحمد أبو خليل يؤكد أنهم في المرحلة القادمة يحاولون إعادة بناء المشروع مرة أخرى، بحيث تصبح مؤسسة تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي؛ حيث يطمحون أن تصبح مؤسسة لغوية مستقلة، ويأملون أن يهتم المثقفون بها وكل الحريصين على اللغة العربية، لكن ما يوقفهم حتى الآن هو التمويل. مشروع نهضة تأتي أهمية النموذج كما يقول أحمد أبو خليل انطلاقا من المهمة التي اتخذها على عاتقه، وهي التوعية بقضايا اللغة العربية داخل الجامعة وخارجها، وخلق حركة شبابية رائدة تنطلق من وعاء اللغة إلى آفاق الثقافة والمعرفة، وذلك عن طريق التواصل بين جيل الأساتذة والمجمعيين المحافظين على نقاء اللغة والجيل الجديد الحامل لها في المستقبل. ويشير أبو خليل إلى أن النموذج من الناحية العملية له أكثر من فائدة أهمها التقريب بين الكلام النظري وسوق العمل، ويعطي صلاحيات أوسع للطلاب في الاعتماد على أنفسهم؛ حيث يقومون بالإبداع في مساحة أكبر بكثير من مساحة المحاضرة والسيكشن الطلابي ونشاط الكلية التقليدي. ويضيف دكتور أحمد أبو خليل قائلا: "نموذج أبجد يُعتبر أول مؤسسة لغوية شبابية على مستوى الوطن العربي، وربما أول مشروع نهضوي مختلف عما هو موجود في الشارع العربي، فلم نجد أحدا تقريبا يعمل على هذا المسار اللهم باستثناء مشاريع ضخمة وليست شبابية، والمسار اللغوي شكل من أشكال إكمال مسيرة النهضة على المستوي المعرفي؛ وهو أمر لابد منه لبناء أمة تهتم بالحفاظ على هويتها وثقافتها". وأضاف أبو خليل: "نحن لسنا جماعة أدبية، فالجماعات الأدبية -حقيقة في مصر– تعاني من "الشللية" و"العاجية"؛ وأعني بالعاجية أنهم حتى الآن لم يتواصلوا بلغتهم وأدبهم مع الشارع والمواطن العادي الذي تكون ثقافتة أفلام وأغان وبرامج ودراما وصحافة تعاني من الإسفاف اللغوي والثقافي". ويتكون النموذج من 3 لجان رئيسية، وهي: اللجنة الأكاديمية، والتنظيمية، والاستشارية، وتندرج فيها لجان فرعية، فاللجنة الأكاديمية كما تقول آيات أبو المجد، وهي طالبة بالفرقة الرابعة بكلية دار العلوم، تضم لجنة المراقبة والمراجعة اللغوية، وتهتم بمناقشة الأخطاء اللغوية الشائعة في الحديث المنطوق والمكتوب، والتدريب على تقويمها، وسبل نشر ذلك التصحيح على جميع المستويات المتاحة لأعضاء اللجنة، وفي شق تطوير التعليم تقول آيات أبو المجد: "في هذا الجانب قمنا بإنشاء مشروع "روضة الفصحى" لمساعدة الأطفال على التحدث باللغة العربية الفصحى؛ لأن اللغة بالتلقي؛ وهذا يجعل الأطفال أفضل منا تحدثا باللغة العربية الفصحى، ونسعى إذا توفر التمويل الكافي أن نقوم بإخراج "كتيب بسيط" نتناول فيه بعض أبواب النحو الأساسية، نشرحها بطريقة مبسطة، وبالألوان والصور؛ لسهولة توصيلها للطفل، وفي هذه اللجنة أيضا نهتم بطرق تدريس اللغة العربية في المراحل المختلفة، وهي من وجهة نظرنا العائق الأساسي لتواصل الطلاب مع اللغة العربية". الفن واللغة قديما كانت صورة اللغوي المعروفة لا تخرج عن نطاق الصورة الهزلية التي تتمثل في الأستاذ "حمام" في فيلم "غزل البنات"، أو صورة الرجل الذي يتحدث اللغة العربية بكثير من التكلف، ويحمل قواميس لغوية ضخة دائما تسقط من يديه، تشعر بالفرق تماما في صورة "اللغويين الجدد" حينما تشاهد فيلما قصيرا قام بإنتاجه وإخراجه نفس مجموعة "أبجد" عارضين من خلاله أول دورة تحضيرية لمشروعهم؛ حيث يرون في المسار الفني بالنموذج أهمية كبيرة لتصويب مسيرة اللغة عن طريق خلق حركة فنية تحافظ على مستوى الصحة اللغوية، وفي الوقت نفسه ترقى إلى مستوى الجمال اللغوي. يقول أحمد سمير عضو بنموذج أبجد: "قامت لجنة الأدب والفن بعمل مسرحية حازت الإعجاب الشديد في جامعة القاهرة، رغم أن المسرحية كانت كلها بالفصحى، كما تحدثت عن أهمية اللغة العربية وعن مرادفات بالعامية نستطيع بسهولة أن نستبدلها بمرادفات بالفصحى، ومسرحية أخرى بطلاها الخليل بن أحمد ونازك الملائكة، تتحدث المسرحية عن الشعر الحر، والشعر العمودي، واستطعنا أن نوصل عن طريقها للطلبة مفاهيم وقواعد مهمة بشكل غير تقليدي بالمرة". ويشير أحمد سمير إلى أن النموذج يحتوي على لجنة "الإبداع والنقد" ومهمتها هي الاطلاع على كل ما ينشر في الدوريات الأدبية من إبداعات شعرية وقصصية وغيرها، وانتقاء الجيد منها ونشره، ولها مهمة أخرى وهي تسجيل القصائد على أسطوانات ليزر"C.D" بشكل فني جيد، وبخلفيات موسيقية مثلا، ثم توزيع هذه الأسطوانات. الحوسبة واللغة ويرأس أيمن محمد لجنة هامة في النموذج وهي لجنة التعريب والترجمة، تقوم بعمل توعية بأهمية تعريب العلوم، خصوصا بين الأوساط العلمية والأكاديمية التي تتم الدراسة فيها باللغة الإنجليزية، كما تهدف إلى سد الفجوة بين "اللغة الفصحى" و"عصر المعلوماتية"،؛ لأنه كما يقول أيمن محمد: "يحدث تراكم ضخم جدا من الوثائق العلمية التي يتم إنتاجها يوميا على الضفة الأخرى من العالم، وبالتالي أنت تحتاج -فضلا عن كوادر مؤهلة للترجمة والتعريب- للحل التقني"، وهو من وجهة نظره يتمثل في ما يعرف باسم "اللغويات الحاسوبية"، وهي كما يقول "دارسة بينية تجمع بين علوم اللغة وعلوم الحاسب والهندسة، وهو علم لم يعرف في العالم العربي بعد". |
تعليم الأطفال في اليابان..صناعة البشر
قبل 13 عامًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق