الخميس، 11 يونيو 2009

"الإمام والقس".. العلمانية ليست حلا للصراع الطائفي

مناقشة فيلم القس والإمام
القس والإمام تجربة ناجحة في حوار الأديان
-الموضوع علي إسلام أون لاين " هنا ".

"رغم إيماني الكامل بمبادئ ديني التي لن أتنازل عنها على الإطلاق ورغم اختلافنا، إلا أنني أهب حياتي وأضحي بها دفاعا عن كرامة أخي القس جيمس".

بهذه الكلمات ختم الشيخ محمد أشافة المشهد الأخير للفيلم الوثائقي الذي عُرض الإثنين 1-6-2009، ضمن إطار برنامج الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بكلية اقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، في الندوة التي حضرها بطلا الفيلم الوثائقي "الإمام والقس"، النيجيريان الشيخ محمد أشافة، والقس جيمس وييه، ومعهما مخرج الفيلم الفلسطيني عادل كرم، والأخير هو أحد مخرجي الفيلم، ومدير مؤسسة for the love of tomorrow (FLT) البريطانية والتي - كما يقول- تقوم بإنتاج أفلام لها بعد إنساني تتلخص في مجموعة رسالات أهمها عمل أفلام عن أحوال المجتمعات بعد الحروب، وأفلام تناقش التقريب بين الأطياف والأعراق المختلفة، والمحور الثالث من رسالتها هو إنتاج أفلام ترصد تجارب ناجحة في العمل التنموي.

ربما تلك الكلمات هي التي دفعت أحدى الحاضرات للتعليق بقولها: "الفيلم أثبت أن الشعوب ذات الهويات الدينية المختلفة تستطيع أن تعيش معا بدون الحاجة للعلمانية، التي يردد الكثيرون أنها العلاج الوحيد لمجتمع متعدد الطوائف والأديان، فالإمام والقس استطاعا رغم تدينهما الشديد أن يتعايشا سويا ويحترم كلا منهما الآخر، دون التنازل عن مبادئهما وقيمها الدينية" وهو ما لاقى استحسان المنصة والحضور.

وعرض المخرج عادل كرم في البداية لظروف إنتاج الفيلم قائلا: «كنا نبحث كشركة إنتاج عن قصة تعكس بشكل إيجابي العلاقة بين المسلمين والمسيحيين؛ حيث نسعى لردم الفجوة بين الشرق والغرب، خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ حيث أنتجنا مجموعة أفلام تدعو للتصالح والتسامح والتقريب بين الثقافات والأديان، ففكرنا في إنتاج ثلاث قصص في هذا الإطار، واحدة منهما عربية وأخريين أوروبية وبريطانية، ولم يدر في ذهننا أن نتجه لإفريقيا، ولإفريقيا السوداء بالتحديد، إلى أن التقينا القس جيمس وييه، والإمام محمد أشافة، في مؤتمر للسلام في سويسرا، ومن هناك انطلقت الفكرة لإعداد فيلم "الإمام والقس".

طالع أيضا:

استمع فريق شركة (FLT)إلى قصة الإمام والقس بالتفصيل، وذهبوا إلى نيجيريا؛ حيث تأكدوا من وقائع أحدث القصة، وبعدها قرروا إنتاج الفيلم.

ويضيف كرم قائلا: "الشيء الذي لم أتوقع حدوثه هذا الاهتمام الكبير على مستوى العالم؛ حيث جال الفيلم دولا مختلفة، وحاز على الجائزة الأولى في مهرجان فني في ميسوري في أمريكا، وفي مدينة لاغوس النيجيرية، كما تمت ترجمته ودبلجته إلى عدة لغات منها الفرنسية والألمانية والإسبانية والسويدية والإيطالية والروسية وأخيرا العربية، في النهاية هدفنا من إنتاج هذا الفيلم هو إيصال رسالة تسامح وسلام، خصوصا للعالمين الإسلامي والعربي".

نظرة المجتمع للرفيقين

وجاءت إجابة الإمام محمد إشافة عن الأسئلة التي طرحها الحضور عن نظرة المجتمع النيجيري المتدين، سواء الإسلامي أو المسيحي لهما بعد تصالحهما وعملهما معا معبرة عن الواقع؛ حيث قال: "المجتمع النيجيري انقسم في نظرته لنا إلى ثلاث فئات، فئة اتهمتنا بأننا خونة –أنا عند المسلمين والقس عند المسيحيين على السواء- وفئة ثانية ساندتنا وتمنت لنا حظا طيبا، وفئة ثالثة أخذت الموضوع بحذر، وترقبت خطواتنا وردود أفعال المجتمعات النيجيرية المتنازعة ناحية مشروعنا التصالحي الذي أسميناه مركز "الوساطة الإسلامي المسيحي".

وأجاب الشيخ إشافة عن سؤال وجه إليه، وهو كيف تنسى أرامل وأيتام فقدوا عائلاتهم وذويهم؟ ولماذا يستمعون إليكم؟ قال: "الإنسان إذا لم يسامح نفسه يخسر جوهر ذاته ومعنى وجوده؛ لأنه عندما لا نسامح يخسر الفرد الصلة بشجرة العائلة التي ينتمي إليها، وعندما نفشل بتسامح الآخرين في الوطن نخسر علاقتنا به، ومن ثم نخسر هذا الوطن، وعدم التسامح كالسم الذي يرتشفه الفرد متوقعا الموت لعدوه".

وأضاف الشيخ محمد أشافة قائلا: «الخطأ هو أن نقول للأجيال الصاعدة بأن فلانا شيطان وعلينا محاربته، وهذا ما قمت به عندما كنت زعيما دينيا، وهو ما أندم عليه اليوم، وكل مواقفي وما كتبته كمسلم في مهاجمة المسيحي الآخر، كان يجب أن أوجهها إلى الشخص الذي زرع بي كل تلك الأحقاد بحق المسيحيين".

وأجاب القس جيمس عن القوة الخفية التي تحرّك الحروب، قائلا: "الدين لا دخل له على الإطلاق بأي صراعات تحدث، الدين للأسف يوظف في الصراعات، التي تقوم إما على الموارد أو صراعات سياسية".

وأضاف القس جيمس: "هناك نقطة ثانية وهي أنني أجد بأن مسئولية المصالحة والسلام تقع بالدرجة الأولى على رجال الدين قبل السياسيين؛ لأن الناس تتوجه كل جمعة وأحد لسماع الخطبة أو العظة بلهفة، فإذا جاءت الكلمات مسمّمة فإنها تسمم الجموع، وإذا أتت حاملة لطروحات مفيدة فإنها على التوالي تعكس إيجابيا على الجموع، ورجال السياسة هم أيضا جزء من هذه الجموع، فهم يتوجهون إلى مراكز العبادة؛ لذا فإن خطبة الجمعة وعظة الأحد يجب أن تأتي كلماتها متطابقة للدين؛ لأن الإسلام هو دين السلام والمسيح هو رسول السلام".

التنوع والتعدد قوة

في حين أشارت الدكتورة إجلال رأفت رئيسة برنامج الدراسات المصرية الإفريقية بجامعة القاهرة إلى أنها أدركت شخصيا بعمق أهمية نشر الأفكار والمفاهيم عن طريق الميديا الجديدة؛ حيث عرض الفيلم عدة مفاهيم معقدة في شكل بسيط للغاية، واستطاع أن يصل لقلب المشاهد قبل عقله، ونوهت إلى أن الفيلم احتوى على إشارات ودلالات هامة؛ أهمها أن الدين الإسلامي والمسيحي مؤسسان على المحبة والتسامح، وأنه في الاستحالة أن يدعو الشيخ إلى الإسلام، أو أن يبشر القس بالمسيحية وفي قلب كل منهما كراهية وبغض للآخرين.

النقطة الثانية التي أشارت إليها "دكتورة إجلال" هي أن الفيلم أشار للثراء والتعددية الثقافية والدينية في نيجيريا، وأن التعددية والتنوع ليسا سبب النزاع في الأغلب، وإنما المشكلة -من وجهة نظرها– تكمن في إدارة هذا النزاع، وإدارة العلاقة بين هذا التنوع، وتضيف إجلال قائلة: "الإمام والقس أكدا على فكرة "التعايش"، وليس "الاندماج"؛ لأني أعتقد أن فكرة الاندماج فيها عنف كثير للطرفين؛ لأن الاندماج يعني فناء أحدهما مقابل الآخر، وهذا هو مسبب العنف، التعايش السلمي بداخلة فكرة "قبول الآخر".

أما النقطة الثالثة التي علقت عليها الدكتورة إجلال هي "فكرة الاعتذار"؛ حيث تعتبرها محورا هامة لرأب التصدعات بين الطوائف المتنازعة، وتطوي صفحة من الخلافات التي قد تكون دموية في بعض الأحيان، وضربت مثالا بفترة "الأبارتيد" فترة الحكم العنصري في جنوب إفريقيا؛ حيث اعتذر البيض للسود عن المعاناة التي وضع السود فيها لعقود طويلة، بعدها قال نيلسون مانديلا مقولته الشهيرة: "ما إن وصلنا للسلطة حتى اعتبرنا تنوع اللغات والألوان مصدرا للقوة".

كما نوهت الدكتورة إجلال رأفت إلى أن إفريقيا خصيصا تعاني من مشكلات عامة تعمق من التنازع والتناحر الطائفي، أهم تلك المشكلات تغليب الهوية الخاصة على الهوية العامة، وغياب العدالة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وارتباط كل ذلك بمدى قوة تأثير طائفة عن الأخرى، والارتباك الشديد في قبول الآخر، وأكدت دكتورة إجلال أنه رغم مجهودات الإمام والقس إلا أنه لا زالت هناك حوادث ونزاعات طائفية تتفجر كل فترة في نيجيريا، وهو ما دفعها لذكر أهمية تواجد مؤسسات العمل المدني والتي تحتك بالمشكلة على أرض الواقع، وأهمية تواجد مشروع كبير تشارك فيه مؤسسات الدولة بجوار مؤسسات العمل المدني والأهلي لترسيخ الانتماء لهوية الدولة

ليست هناك تعليقات: