| |||||
تمكن موقع اليوتيوب من تفعيل ذاكرة خلنا أنها قد ذهبت إلى غير رجعة إذ مجرد أن تبحث عن أغنية أو إعلان من سنوات الثمانينيات حتى تغرق في حالة حنين لطفولتك التي عايشت هذه الموسيقى المميزة, الجمعة الماضية 7-8-2009 -ربما برد الفعل الشرطي- غمرتني كل تلك الأحاسيس الثمانينية؛ وأنا أستمع لأول مرة وجها لوجه لحمزة نمرة بساقية الصاوي في الحفلة التي نظمتها شركة ماراثون للإنتاج الفني والتوزيع (مصر) بالتعاون مع شركة أوايكيننج للإنتاج الفني والنشر والتوزيع (بريطانيا)؛ حيث تحدث عن قيم العلمانية الشاملة التي غزت حياتنا ويحاول هو بغنائه مقاومتها ورفضها.. لكن بذكاء مبهر كانت الرسالة متوارية في أدائه الفني.. فكانت كالمخرج الذي لا يظهر لنا على الشاشة، لكن رؤيته تكتنف الفيلم بأكمله. المدهش أن أكثر الحضور اتفقوا على شيء واحد.. هو أن الفنان الذي يؤدي أمامهم شكل مختلف بالمرة عما سمعوه من قبل سواءً من المغنين التقليديين، أو المغنين الذين احترفوا "الغناء الديني"، أو المنشدين الإسلاميين.. حمزة نمرة لا يمكن وصفه إلا أنه "حالة" منفردة بذاتها مزجت ما بين الاحترافية والمهنية العالية، والأداء الرائع، والكلمات الإنسانية التي تضمنتها أغانيه. غناء ممتزج بـ"الأنسنة" في كلمات أغنيته "الحياة لها ألف صوت ويا بعض مشبكين" يحاول أن يأخذنا نمرة من حاضر يمتلئ بالانغماس في لقمة العيش، وطموح لا يهدأ، وقيم العولمة التي رسمت على حياتنا إطارا غريبا غير إنساني.
وقبل أن يغني نمرة هذه الأغنية، كانت كلماته التي عبر فيها بصدق عن محتوى جزءا من رسالته الإنسانية التي يحاول تقديمها من خلال فنه، يقول نمرة: "أشهر نظريات السوق (العرض والطلب) بدأت تكبر وتكبر كثيرا في حياتنا، حتى صارت فوق الجميع لدرجة أننا لا ندري المصير الذي يتوجه إليه هذا العالم، كل شيء في عالمنا صار يخضع للعرض والطلب، والبقاء فقط لمن يبيع أكثر، ويكسب أكثر، يبدو أن الإبداع، والقيمة، والتواصل الإنساني ليس لهم مكان في حياتنا هذه، إذا كانت نظرية العرض والطلب عنوان لهذا التقدم الذي يجتاح العالم، فنحن لا نريده". تقول كلمات الأغنية "الحياة لها ألف صوت ويا بعض مشبكين.. ندا الأدان جوا الجوامع يطفي نار الشقيانين.. يشد قلب المؤمنين.. ضحكة قلوبنا لما كنا صغيرين.. ويا العيال متجمعين.. حتى صوت الفاس في أرض.. لما كان يشق طين.. الحياة لها ألف صوت ويا بعض مشبكين". فنان مختلف
مجموعة كبيرة من الفنانين موجودة بحفلة حمزة نمرة، من بينهم وجيه عزيز أحد الذين تأثر بهم نمرة كثيرا، فهما تقريبا ينتميان لنفس المدرسة، مدرسة "الغناء المستقل" التي عبرت عنها بقوة فرق "إسكندريلا" و"وسط البلد" و"الحب والسلام" يقول عن نمرة: "لا تستطيع أن تحكم على حمزة نمرة سوى أنه فنان، نمرة أيضا لا تستطيع توصيفه فهو مغن شامل ومتنوع، يغني للإنسانية، وللحب، والتراث، والموال، فضلا عن حضوره الشخصي الملاحظ بشكل كبير، حمزة مختلف تماما في كلمات أغانيه وموسيقاه، كما أنه إنسان قبل أن يكون فنانا". مصطفى محمود منشد إسلامي، قال عن نمرة بأنه ليس مطربا غنائيا بالمعنى التجاري، وليس منشدا إسلاميا، حمزة نمرة امتداد المدرسة المستقلة التي لا تعتني بالسوق ولا يفرق معها كثيرا موضوع البيع والشراء، ما يهم هذه المدرسة هو الفكرة وتوصيلها بالموسيقى، وأحد رموز هذه المدرسة محمد منير وهاني شنودة. مصطفى محمود الذي اشتهر بأنه أحد أوائل المنشدين الإسلاميين الذين أدخلوا الموسيقى الغربية لأغانيهم ذات الطابع الإسلامي؛ قال عن نمرة: "أحد رموز الحالة الدينية الجديدة، لكنه استطاع أن يفعل ما لم يستطع المغنون ذوو الطابع الديني الغنائي أن يفعلوه، وساعدته كثيرا أفكاره، والدعم المادي الذي ساند كليباته". أحمد قاسم، عازف عود وملحن، علق على نمرة بأنه شخصية نادرة سواء من ناحية كلامه أو أغانيه، وأن نمرة له قدرة كبيرة على أن يصل للقلوب سريعا، نمرة كما يقول قاسم: "فنان بحق استطاع أن يتفرد بلون إنساني جديد غير موجود في كلمات لا نجدها عند غيره، يستطيع أن يصل بكلمات أغانيه البسيطة لأي شريحة عمرية صغيرة أو كبيرة". كاريزمية "نمرة" لا ينافس فن "نمرة" الغنائي سوى حضوره الطاغي على المسرح، نمرة ورغم مثاليات كلماته التي تتحدث عن الأمل، وحب الحياة، ومواجهة الصعاب، والذكريات الحلوة، أو حتى غنائه لأغان تراثية، أو مواويل، تشعر أنك تستمع لمغني "بوب".. برتم أدائه السريع، ونمط الموسيقى الغربي المصاحب لغنائه. لفت نظري فتاتان تحملان ملامح غير مصرية سألتهما بدهشة عن وجودهما في حفلة لمغن مصري، قالتا إنهما تحضران مع صديقات لهن مصريات، مونيكا وهي إسبانية، قالت إنها رغم عدم إجادتها للعربية، فإنها تفاعلت كثيرا مع لحن وأداء وحركات نمرة على المسرح، تضيف "يبدو أن هذا الرجل يمتلك كاريزما كبيرة". مارجريت أمريكية، وهي تعرف القليل من العربية قالت: "سمعت الكثير من الأغاني العربية، لكن هذا النوع من الغنائي الذي يتضمن قصصا اجتماعية، وإنسانية ، وسياسية لم أسمعه من قبل، فضلا عن موسيقاه التي لم أشعر فيها كثيرا بالغربة". نمرة و"التدين الجديد" كان الملمح الآخر الذي لاحظته في حفلة "نمرة" هذا الحضور المكثف لجيل تيار "التدين الجديد"، الجيل الذي تربطه ظواهر واحدة تتنوع بين الدعاة والمشايخ والمنشدين.. "عمرو خالد" و"مشاري راشد " و"مصطفى حسني" و"سامي يوسف"، بالأمس اكتشفت أن هذا التيار أضاف له اسما آخر هو "حمزة نمرة". "نمرة" يعبر وبشغف عن آمال تيار "التدين الجديد" الذين رأوا فيه نموذجا معبرا بمثالية عن طموحاتهم في فن راق بعيدا عن "فجاجة" ظهور الرسالة على الشكل المهني في غناء غيره من المغنين الذين احترفوا "الغناء الديني" فقط، أو من المنشدين الإسلاميين الكلاسيكيين الذين تحجروا في قالب واحد لم يخرجوا منه حتى الآن. ربما كلمات صحفية صديقة كانت تحضر معي الحفلة تعبر عن ذلك بشدة تقول هبة: "شبعنا كثيرا من حاجات لها معنى، لكنها كانت لا تبسطنا كثيرا، كان الواحد فينا يعصر على نفسه ليمونه من أجل سماع الرسالة المتضمنة فيها، كانت مجرد رسالة ليس أكثر، لكنهم لم يقدموا شيئا حلوا ومختلفا". تضيف هبة: "هنا مع نمرة كان الأمر مختلفا.. صفقنا وضحكنا وتمتعنا كثيرا، وفي نفس الوقت عشت مع أكثر من مائة رسالة إنسانية، هذه هي الرسالة التي أتمني رؤيتها، شيء لا يخشى المسيحي أو المسلم ذو الأيديولوجية المختلفة أن يسمعها بدون تحفظ؛ لأنه يسمع فنا وفنا فقط". كانت كلمات عمرو عراقي –طالب طب– متفقة مع كلمات هبة؛ حيث يقول: "حمزة يقدم صورة جميلة جدا للفن، يعبر عن أحاسيسنا وقيمنا ومبادئنا، يختلف تماما عن السابقين له الذين تشعر معهم أنهم يصلون في إنشادهم". |
تعليم الأطفال في اليابان..صناعة البشر
قبل 14 عامًا
هناك تعليق واحد:
like!
إرسال تعليق