الثلاثاء، 25 أغسطس 2009

أزمة الغذاء بالعالم ..تقتير هنا، وإسراف هناك



Image

برغم مرور عدة شهور على صدور كتاب "كشف النقاب عن فضيحة أزمة الغذاء العالمية" للكاتب البريطاني تريترام ستيورات، فإن النتيجة التي توصل لها تجعل عرضه ملائما في هذا التوقيت، ونحن نحتفل بشهر رمضان.

الكاتب توصل إلى أن الإسراف سواء في المياه أو الطعام، هو المتسبب في أزمة الغذاء، ووجه من خلال كتابه نداء للمستهلكين ما أحوجنا إليه في منطقتنا العربية، حيث قال: "من فضلكم لا تطعموا صناديق القمامة".

وسبق توجيه النداء عرض مفصل استعرض فيه الكاتب سلوكيات المستهلكين، ومضى عبر صفحاته موضحا أن المستهلك هو المستهلك، إن كان في الغرب أو الشرق، حيث يضرب أمثلة من خلال سفره من يوركشاير إلى الصين، ومن باكستان إلى اليابان عارضا نماذج سلبية في التعامل مع النفايات ومخلفات الغذاء والمحاصيل، واعتبر أن خط المواجهة ضد المجاعة يكمن في كيفية ابتكار أساليب جديدة للتعامل مع مخلفات الأغذية التي كانت أحد أسباب أزمة الغذاء العالمية الأخيرة.

وكشف الكاتب عن أن المستهلك البريطاني الذي يبتاع طعاما يذهب ثلثه إلى القمامة، كما ذكر أن إهدار إحدى المحلات الكبرى في بريطانيا تجاوز 125 ألف طن من الأطعمة كان مصيرها في الأغلب "مقلب القمامة".!

أما في السويد فإن العائلات التي لديها أطفال تلقي إلى النفايات نحو ربع كمية الغذاء الذي تقوم بشرائه، ويتخلص اليابانيون كل عام من حوالي 20 مليون طن من مخلفات الطعام، أي نحو خمسة أمثال المساعدات الغذائية العالمية للفقراء في عام 2007.

أما الولايات المتحدة -رائدة صناعة الوجبات السريعة- فهي تلقي إلى النفايات غذاء بقيمة 48.3 مليار دولار سنويا.

ويقول ستيورات: "كمية الطعام التي يتم إهدارها يوميا فقط في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية تكفي لإطعام كل الجوعى والذين يعانون سوء تغذية في العالم ثلاث مرات على الأقل".

ويشير ستيورات إلى أن هناك الكثير من محلات الأطعمة الغذائية خصوصا محلات الوجبات السريعة مثل "ماكدونالدز" وكنتا كي" والتي تمثل أحد أهم مصادر إهدار الغذاء التي يحتاج إليها فقراء العالم، ترسل أطنانا من الأطعمة يوميا إلى مقالب القمامة، ويلقي ستيورات اللوم على الإعلانات التجارية التي تروج للنمط الاستهلاكي الخاطئ.

كما ينوه إلى أسباب أخرى تؤدي إلى زيادة الفاقد في المحاصيل والأغذية حيث يشير إلى أن كثير من المحاصيل الزراعية تتلف في الغرب بسبب الانبعاثات الحرارية الناتجة من الغابات المحترقة، بينما يتم إتلافها في البلاد النامية بسبب قلة معرفة المزارعين بأساليب نقل المحاصيل الزراعية إلي السوق، وسوء تخزينها.

مشكلة السلاسل الكبرى

ورغم أن سلاسل المحلات الكبرى في بريطانيا -بلد مؤلف الكتاب- مثل محلات سينسبري تعطي جزءا من منتجاتها مجانا للجمعيات الخيرية فإن هذه النسبة كما يقول ستيورات لا تمثل إلا نسبة ضئيلة جداً من الأطعمة التي يتم إلقاؤها بصناديق القمامة، ويعزو ستيورات الأمر إلى أن شركات الغذاء الكبرى ومحلات التجزئة تفضل التخلص من هذه الأطعمة التي تحتاج لحيز ضخم من التخزين، على أن تعطيها مجانا للفقراء.

الأمر الآخر أن البائعين بهذه المحلات الكبرى لو قاموا بإعطاء هذه الأطعمة للفقراء بشكل مكشوف فسيسبب ذلك صدمة للمستهلكين العاديين الذي سيقلعون بعدها عن شراء "الساندويتشات" والأطعمة السريعة والجاهزة.

لكنه يلفت النظر أن بعض الشركات الغذائية الكبرى التي لها إستراتيجية في نشاط "البيزنس الاجتماعي" عالجت هذا الأمر حيث قامت بافتتاح فروع مخصوصة لمحلات توزع فقط أطعمة بدون مقابل.

ثقافة الادخار

"يستطيع معظمنا أن يتذكر وهو صغير، كيف كان الآباء يقولون لنا عند تناول وجبة الطعام: "لا تبق من وجبتك شيئا وتذكر الأطفال الذي يعانون من الجوع في إفريقيا".

كانت تلك النصائح تعطى للأجيال الصغيرة وخصوصا أثناء الحرب العالمية الثانية كما يقول ستيورات، عندما كان الغذاء شحيحا في أوروبا، لكن يبدو أن الأجيال الجديدة التي عاصرت عهدا وعالما آخر مبني علي السوق الحرة، وعصر الاستهلاك، وابتعاد الآباء قليلا عن رؤية أبنائهم، لم تجد من يلقنها هذه القيم التربوية سواء في البيت أو حتى في المدرسة.

ويرى ستيورات أن العلاج يكمن في "ثقافة الادخار" والبعد عن النمط الاستهلاكي؛ والذي بنظره غزا العالم بشكل كبير، ويلفت النظر بشكل كبير إلى التثقيف والتربية، ويعتبر أن هذه أثمن قيمة اكتشفها من خلال بحثه حول "نفايات الأغذية"، ويقول: "لن نكتشف قيمة امتنانا للحفاظ على الغذاء والطعام كثيرا باللوحات المعلقة على الجدران، لكن سنكتشفها بنصائح الآباء والأجداد".

كارثة نفايات الغذاء

ويستلهم المؤلف تجربة جماعات حماية البيئة مع أكياس البلاستيك ويطالب بتنفيذها مع الغذاء، ويقول: "على مدى السنوات العشر الماضية، وجماعات حماية البيئة قد نجحت في جعل المستهلكين يفكرون مرتين في كل مرة يحاولون فيها التقاط كيس من البلاستيك في المتاجر الكبرى، ووضع الصحيفة في الصندوق المخصص لإعادة تدوير الورق"، بهذا الشكل يريد ستيورات أن يفكر القائمون بأمور البيئة والصحة والغذاء في ابتكار ثورة من الأفكار لإيجاد حلول لموضوع "نفايات الغذاء".

ويضيف أيضا: "جرت العادة على التخلص من النفايات في مقالب قمامة حيث تتحلل وتنتج غاز الميثان الذي يسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري، وبالتالي فمن غير المقبول بيئيًّا واجتماعيًّا الصمت عن مشكلة كهذه".

ويشير ستيورات إلى أن إهدار هذا الكم الهائل من الغذاء في النصف الشمالي الغني لا يمكن تجنب أبعاده؛ التي تتمثل في كمية ضخمة من أراضي الغابات خصوصا في منطقة الأمازون، وجنوب شرق آسيا وإفريقيا يتم تجريفها لزراعتها، وتدهور التربة في أغلب مناطق العالم نتيجة لعمليات الزراعة المستمرة، كما أن الإهمال في إلقاء هذه الأغذية بالعالم الغني يدفع لزيادة أسعار السلع الغذائية خصوصا الأرز والحبوب، مما يجعل فقراء العالم أمام طريقين لا ثالث لهما هما الجوع أو التسول.

النسخة الأصلية علي إسلام أون لاين

ليست هناك تعليقات: