السبت، 12 سبتمبر 2009

نقاد ساخرين: "حرام رمضان بدون مسلسلات"!!



Image
سوق الإعلانات يحاصر التلفزيون في رمضان
في المسرحية الأشهر للثنائي محمد صبحي وسعاد نصر.. "الهمجي"، كان المشهد الأكثر إضحاكا بالمسرحية يأتي حينما يجلسان في كشك صغير- أسمياه بيتهما- يشكران ربهما على نعمة الغداء بزيتونتين اثنتين، بعدها يتغزل صبحي في الهدوء القاتل الذي حبا الله به جيرانهما الأقربين.. فجأة وحينما يفتح الشباك الصغير يفاجئان بضوضاء قاتلة لا يسمعان معها حتى صوتيهما وهما يجلسان معا عن قرب.

لا أدري لماذا قفز هذا المشهد إلى ذاكرتي وأنا أمسك بجهاز "الريموت كنترول" في أول أيام رمضان أثناء تقليب القنوات التي صارت تربو على الـ400 قناة بقمر فضائي واحد، لمشاهدة بعض الأعمال الدرامية، لأفاجأ بعدها بتيار جارف من المسلسلات، وثلاثة أضعافها من البرامج، أما عن الإعلانات فحدث ولا حرج، لآخذ قرارا بعدها بمقاطعة هذه "الكائنات الفضائية".. على الأقل حتى إشعار آخر.

آراء من استطلعنا رأيهم من النقاد والمثقفين والمبدعين صبت في هذا الاتجاه، والذين رأوا أن ما يحدث الآن بالقنوات الفضائية لا يخرج عن إطار حملة منظمة من شركات الإعلانات لربط المنظومة الفنية بأكملها بـ"سوق الإعلانات"، يساندها في ذلك حكومات عربية تعمل على إيجاد حالة من "الإلهاء الفني"؛ تمهيدا لإخصاء ما تبقى من وعي في الشارع العربي.

كعكة الإعلانات

الناقد المتخصص في اقتصاديات الفن السيد السعيد، بدأ كلامه ساخرا مستدعيا مقولة أحد المخرجين العرب الخليجيين: "العرب لا تحتاج لا إلى السينما التقليدية، ولا إلى السينما المتطورة، وحرام رمضان بدون مسلسلات"، حيث هاجم السعيد هذا الإغراق الدرامي والذي اعتبره محاولة لاجتذاب الجمهور العربي بعيدا عن مشاكله السياسية والاجتماعية.

ويشير السعيد إلى أن هذا التنافس المغلف بإطار الازدهار الدرامي يحكمه بالأساس بعدان أحدهما اقتصادي؛ وهو التنافس على كعكة الإعلانات والتي يعد شهر رمضان هو الموسم الرئيسي لها، ومن ثم يتم إنفاق مئات الملايين من الدولارات لترويج سلع تافهة تعزز من تأصيل قيم المنظومة الاستهلاكية لدى المشاهد العربي، والتي تصب في النهاية -من وجهة نظره- لصالح مجموعة من الرأسماليين وأصحاب المصالح.

يضيف السعيد قائلا: "تقف شركات الإعلانات بشكل أساسي وراء عملية إيجاد هذا العدد الكبير من الأعمال الدرامية المسلوقة، والتي تخلو من أي محتوى ثقافي أو تاريخي أو فني يمكن ترويجه، الموجود فقط هو لخلق مساحة ما يمكن من خلالها إيجاد سوق إعلاني قوي، وبالتالي فسوق الدراما صارت مرتبطة بشكل مباشر بهذه السوق، لدرجة أنه يتم الاتفاق مع صناع المسلسل قبل نزوله على نسبة معينة من حجم الإعلانات لوضعها في ميزانية المسلسل، خصوصا مع ارتفاع أجور الممثلين بشكل فج".

الوعي العربي

البعد الآخر كما يقول السعيد، هو البعد الأيديولوجي؛ حيث تعمل المؤسسات الرسمية وبقوة على دعم الدراما، ليس لأجل صناعة دراما حقيقية، وإنما لخلق مساحة من التواجد على الساحة الإعلامية والثقافية؛ لتصبح بديلا عن المساحات السياسية التي انسحبت منها أو التي غطتها باستبدادها، إضافة لعمل تعبئة للجمهور العربي لإلهائه بكم كبير من مسلسلات تناقش مشاكل ساذجة، والعمل على إيجاد خريطة ضخمة من برامج المقالب والمسابقات تشارك في عملية وأد الوعي العربي.

شاركه في الرأي الفنان عبد العزيز مخيون، الذي هاجم بشدة المعروض حاليا على القنوات المصرية أو القنوات الفضائية سواءً دراما أو برامج، والتي اعتبرها مصنوعات إعلانية وليست فنية، مقاييسها بالأساس مقاييس عمل إعلاني خاضع بشكل رئيسي لتحكمات إمبراطوريات شركات الإعلان الممول الرئيسي لهذه الأعمال.

وأشار مخيون إلى أن القنوات المتخصصة في الدراما لو تم فصل الارتباط الإعلاني عنها فستغلق مباشرة، كما أن هذا العدد الكبير من الأعمال الدرامية الذي يناقش قضايا هامشية وسطحية -من وجهة نظره- يتنافى مع رسالة الفن التوعوية والتثقيفية.

الأمر الآخر الذي يضيفه مخيون: أن الحكومات العربية تقوم بدعم هذا الاتجاه؛ لأنه كما يقول: "يساهم بشكل كبير في محو الذاكرة الجمعية للأمة، ويعمل على تسطيح وعي الناس؛ وهو ما يصب في مصلحة الأنظمة بالمنطقة".

تشبع درامي

واعتبرت ماجدة موريس الناقدة الفنية التضخم الموجود الآن في الأعمال الدرامية المصرية نتيجة طبيعية لما حدث في السنوات الأخيرة من ترد نوعي وكمي في الدراما المصرية؛ حيث تشير ماجدة موريس إلى أن مصر كانت في البداية هي رائدة صناعة الدراما إنتاجا وتمثيلا وإخراجا، ثم تراجع الدور الإنتاجي لصالح رءوس الأموال العربية التي كانت تنتج المسلسلات المصرية وتأخذ الفريق الفني بأكمله من مصر، ثم تقدمت الدراما السورية، وفضل الخليج نوعا ما بعدها الدراما السورية على الدراما المصرية.

بعدها -كما تقول ماجدة موريس- تم المزج بين الدراما السورية والمصرية من ناحية الإنتاج، والاستعانة بممثلين أو مخرجين من هنا ومن هناك، وإن ظل الدعم الخليجي للدراما السورية ظاهرا بشكل كبير.

وتقول ماجدة موريس: "منذ ثلاث سنوات صارت المسألة معقدة؛ حيث بدأ في الخليج اتجاه لصناعة دراما خليجية تعبر عن الخليج بمشاكله وقضاياه، تصنع بواسطة فنانيه ومخرجيه، وصار المعروض في الخليج الآن أغلبه خليجي، ومعه على الجوار السوري والمصري، وبالتالي ظهر هذا الكم الضخم من الأعمال الدرامية العربية المتنوعة الذي نراه على القنوات الفضائية، ووصلت بعدها سوق الدراما إلى حالة تشبع".

هذا التشبع الدرامي الذي تتحدث عنه ماجدة موريس جعلها حتى وهي الناقدة الفنية التي لابد أن تشاهد أكبر كم من الأعمال لنقدها والكتابة عنها، لا تستطيع أن تتابع عمليا سوى ثمانية أعمال درامية من مجمل ستين عملا دراميا معروضا على الفضائيات والقنوات التلفزيونية الأرضية في شهر رمضان.

تلفت ماجدة النظر إلى أن هذه الكثرة من الأعمال الدرامية المصرية والسورية أوجد ركودا في توزيعها، خصوصا مع اتجاه المال الخليجي إلى سوقه الأصلي؛ مما جعل الدولة سواء في سوريا أو مصر تتدخل لشراء المسلسلات التي لم تستطع أن تسوق نفسها، وضربت ماجدة موريس مثالا بما حدث منذ سنتين حينما تدخل الرئيس الأسد بنفسه لجعل التلفزيون السوري يشتري 45 عملا دراميا، ومن هنا -والكلام لماجدة موريس- يظهر الصراع الموجود الآن على الساحة الفضائية لأعمال درامية كل منها يسعى لفرض وجوده، واحتلال مساحة ما لدى المشاهد العربي.

سلاح ذو حدين

من وجهة نظر ماجدة موريس فإن وجود هذا الكم من الأعمال الدرامية سلاح ذو حدين؛ فمن ناحية يجعلها تدخل في إطار حسبة "السوق" الذي يطرد غالبا السيئ والرديء، ويعطي مساحة كبيرة لمجموعة من المخرجين والممثلين وكتاب السيناريو الجدد، إضافة إلى أن ما يطرح في العمل الدرامي يكشف وبقوة نوعية الأفكار السائدة لدى المشتغلين بالفن في العالم العربي، ومدى التزام هذا الكاتب أو ذاك بالأفكار التي تعبر عن قضايا ومشاكل مجتمعه من عدمه.

لكن من ناحية أخرى ترى ماجدة موريس أن السلبية التي قد تتواجد من وجود هذا الكم الضخم من الأعمال هي حدوث بلبلة كما هو الحادث الآن، واحتمالية وجود ركود في توزيع الأعمال الدرامية.

حالة تشوش

أما المُنتج السينمائي هاني جرجس فوزي، فتحدث ضاحكا أنه مصاب ببلبلة منذ بداية الشهر، وأن رمضان هذا العام هو الشهر الوحيد خلال سنوات طويلة الذي لم يستطع فيه -لأول مرة- أن يتابع مسلسلا دراميا واحدا؛ نتيجة لتشوشه من وجود هذا العدد الكبير، سواء من المسلسلات، أو القنوات، أو البرامج، أو الإعلانات؛ وهو ما جعله يتابع فقط البرامج الخفيفة، وتأجيل متابعة الدراما إلى ما بعد رمضان.

هاني جرجس أشار إلى أنه يتوقع خلال الفترة القادمة أن يحدث اتجاه عام لدى النجوم من الممثلين بعدم عرض أعمالهم مرة أخرى خلال شهر رمضان على الأقل لعدة مواسم قادمة؛ نتيجة لهذه "الزحمة الدرامية" التي لن يستطيع أحد متابعة الأعمال فيها بشكل جيد خلال شهر الصيام بخلاف ما كان يحدث في الماضي، إضافة لدخول منافس قوي وهو مسلسلات "السيت كوم" والبرامج الخفيفة والكوميدية.

سلق المسلسلات

كاتب الخيال العلمي، ورئيس رابطة كتاب الخيال العلمي العرب رؤوف وصفي، أشار إلى أن الأعمال الدرامية المقدمة حاليا في رمضان خالية من البنية الهيكلية للحبكة الدرامية المعروفة، وأنها تعتمد إلى حد كبير على استدرار دموع المشاهدين بقضايا -كما يصفها- تافهة وساذجة.

ويشير رؤوف وصفي إلى أن الأمر ساهم في صنعه مجموعة من ورش كتابة السيناريو عديمة الخبرة والكفاءة، والتي تعمل بسرعة على "سلق" مسلسل لسد حاجة السوق الإعلانية والذي ساهم في رفع أسعار أجور الممثلين، لتصل لـ6 ملايين جنيه مصري للممثل النجم، والغرابة -كما يقول رؤوف- أن النجم الذي يتقاضي هذا الأجر هو نفسه النجم الذي يمثل أحيانا دور رجل كادح في منطقة شعبية أو عشوائية بالكاد يحصل على لقمة عيشه

التحقيق علي إسلام أون لاين

ليست هناك تعليقات: