| أثاث مصنوع من جريد النخل | "رئيس مجلس إدارة نادي الإسماعيلي يَعِد اللاعبين في حال الفوز بالدوري بمكافأة لكل لاعب تبلغ 15 ألف جنيه مصري، ورجل أعمال عضو بمجلس الإدارة يعد اللاعبين بنفس المكافأة في حال الفوز على الأهلي". خبر استرعي انتباهي قبل مباراة الأهلي والإسماعيلي بمسابقة الدوري العام المصري بأيام قليلة، لم أتوقف عنده كثيرا، لكن بعد قراءتي للخبر بيوم واحد، وبينما كنت أجلس أسمع من الدكتور حامد الموصلي الذي يحدثني بشجون عن مشروعه الذي يتعثر مرة ويقوم أخرى بسبب احتياجه لبضعة آلاف من الجنيهات، عندها قفز خبر الأمس إلى ذهني، لا أدري لماذا.. هل ربما لتحسري على مشروع يمشي بخطى السلحفاة لأن وضع عدة آلاف من الجنيهات في "شوطة قدم واحدة" أهم كثيرا من مشروع تنموي قد تفتح به بيوت مئات الأسر، أو يرزق منه مجموعة من الشباب العاطلين. المهم لم أتوقف كثيرا عند الخبر واللاعبين ورجال الأعمال، فمشروع "مركز تنمية الصناعات الصغيرة القائمة على المواد المتجددة" أبهرني بفكرته التنموية والثقافية في آن واحد. خشب من جريد النخل يحكي الدكتور حامد الموصلي، مؤسس مركز تنمية الصناعات الصغيرة القائمة على المواد المتجددة والأستاذ المتفرغ بهندسة عين شمس، أن الفكرة أساسا قائمة على ملاحظته للمواد المتجددة مثل (حطب القطن، وجريد النخيل، وأليافه، وخوصه، وقش الأرز، والألياف النباتية) التي يتم تداولها إنتاجا وتصنيعا واستهلاكا في دائرة المناطق الريفية، خصوصا مناطق الفلاحين الفقراء غير القادرين على إدراك أهمية هذه المواد، وفي نفس الوقت غير القادرين على عمل بحث علمي للاستفادة بشكل أكبر من هذه الخامات، وبالتالي –كما يقول الموصلي- كانت رسالة المركز هي التوجه أساسا للريف والمناطق البدوية، وخصوصا فقراء هذه المناطق للاستفادة بما يمتلكون من خامات ومواد متجددة، ومن أهمها البواقي الزراعية التي تبقى بعد الحصول على المنتج الأساسي من المحاصيل الزراعية مثل خشب القطن، ولوزة القطن غير المثمرة، وجريد النخيل، وعرجون النخيل، والليف والخوص، وغيرها. يضيف الموصلي: "الفلاح أغلب الوقت يجهز أرضه للمحصول التالي، وبالتالي فهو في فترة محدودة يحتاج أن يتخلص من هذه البواقي إما بالحرق أو البيع، ومهمتنا تكون على محورين؛ المحور الأول هو إعادة اكتشاف هذه الخامات المحلية برؤية علمية وتكنولوجية، ونحاول أن نوجد لها هوية جديدة معاصرة وإحلالها محل مواد أخرى مستوردة أو غالية الثمن". يضرب الموصلي مثالا فيقول: "جريد النخيل على سبيل المثال منذ مئات السنين الاستخدام الأساسي له هو صنع الأقفاص، دورنا في المركز هو إعادة خلق هوية جديدة له باستخدام البحث والتكنولوجيا، وبالفعل قمنا بعمل بحث عن تحويل جريدة النخيل إلى خشب كونتر، وبالفعل تم تنفيذ هذا البحث في الواقع ونجح بنسبة 100%". أما عن المحور الثاني الذي يقوم عليه المركز فهو التعرف على احتياجات فقراء الريف، وتوفير منتجات جديدة لهم تشبع احتياجاتهم من خلال منتجاتهم المحلية. وينوه الموصلي في هذا الإطار إلى أن مواد البناء التي يحتاج إليها الفلاح هي في الأساس مواد مستوردة غالية الثمن، مثل الخشب المستخدم في الأثاث، وبالتالي كان من المهم -على حد وصفه- إيجاد مواد بديلة من بيئة الفلاح تساعده على أن يبني بيته بتكلفة أقل، وبشكل مناسب لبيئته التي يعيش فيها. من البحث للتطبيق والجميل في مركز د. الموصلي أن الأبحاث التي أنتجها، سواء في المحور الأول أو الثاني، خرجت من الأدراج ليتم تنفيذها على الواقع، من بينها مشروع تحويل جريد النخيل إلى "خشب كونتر" تتم به صناعة الأثاث، حيث قام المركز بإنشاء وحدة إرشادية لصناعة "خشب الكونتر" بواحة الخارجة –بمحافظة مطروح- وقامت هذه الوحدة بإنشاء 150 مدرسة مجتمعية –وهي ما يعرف بمدارس الفصل الواحد- في محافظات أسيوط وسوهاج وقنا، وكان الأثاث المصنع بالكامل في هذه المدارس من "كونتر جريد النخيل" البديل عن "كونتر الخشب العادي". ويشير د. الموصلي إلى أن كفاءة هذا الخشب المصنوع من جريد النخيل تماثل كفاءة الخشب العادي بنسبة 100% طبقا للمواصفات والمعايير التي قيس بها الخشب الجديد المصنّع من جريدة النخيل. مشروع حطب القطن ومن الخشب الكونتر إلى الخشب الحبيبي يأتي المشروع الثاني للدكتور الموصلي الذي يعتمد على استخدام حطب القطن. ويوضح د. الموصلي أن مصر ومعظم البلاد العربية تقع في منطقة خالية من الغابات، وبالتالي | د. حامد الموصلي | تعتمد اعتمادا كليا على استيراد الخشب، والذي يرتفع ثمنه يوما بعد يوم لعدة أسباب، أهمها جهود جماعات المحافظة على البيئة العالمية التي تشن هجوما ضاريا على قاطعي الغابات، فضلا عن ارتفاع عدد السكان العالمي الذي يزيد معه الحاجة للأخشاب، والتي تعتبر في نفس الوقت موردا متجددا بطيئا، حيث تنمو الشجرة كل فترة طويلة، وبالتالي كان من المهم البحث عن بدائل للخشب من المواد المتجددة، خصوصا من البقايا الزراعية، و كان من بينها "خشب القطن". وينتج د. الموصلي من هذا المصدر الذي يحرق منه مليون طن سنويا خشبا حبيبيا بمواصفات عالمية، ويعتبر بديلا للخشب الموسكي المستورد بنسبة متانة70%. ومن الأبحاث الأخرى التي تصب في هذا الاتجاه تصنيع خشب الباركيه من نواتج تقليم أشجار الفاكهة، خاصة أشجار المشمش (طن نواتج التقليم يساوى 150 جنيها للطن، بينما خشب الموسكي يصل إلى 4 آلاف جنيه للطن). ويقول د. الموصلي: "هذا يجعلنا نعيد التفكير عند زراعة الفاكهة بأن نستهدف محصولا رئيسيا هو الفاكهة، ومحصولا ثانويا هو نواتج تقليم الأخشاب، حيث يتم تصنيع خشب منه بجودة ومتانة عالية". وعن خروج هذه الأبحاث كخشب الكونتر إلى مجال التطبيق يتحدث الدكتور الموصلي عن الحاج "عطية جهجة"، صاحب ورشة بالمحلة الكبرى، والذي طلب دراسة جدوى عن مشروع حطب القطن وتحويله إلى الخشب، فقدم له المركز دراسة جدوى كاملة استطاع معها "جهجة" أن ينتج كميات مناسبة من "خشب القطن" ذي كفاءة عالية، غير أن مشروعه يحتاج إلى ماكينات وتمويل لإنتاج كميات ضخمة من هذا الخشب لاستيفاء الطلبات. للبلاستيك نصيب
كدت أنهي حواري مع د. الموصلي بعد الحديث عن تجربة الحاج عطية جهجة، غير أني عندما رنوت بنظري داخل مكتبه وجدت بضعة أكياس مملؤة ببودرة وحبيبات شعرت أن وراءها قصة أخرى.. للوهلة الأولى ظننت أنها أعشاب كالتي عند العطارين، وأكد ظني هذه النباتات العشبية غير الكيميائية الموجودة أمامي على منضدة من "خشب الأرابيسك" في مكتبه. عندما التفت إليه أسأله ما هذه الأعشاب الموجودة بالأكياس ضحك قائلا: "إنها ألياف نباتية تستخدم في صناعة البلاستيك"!! وذكر د. الموصلي أن أهم مرحلة في صناعة البلاستيك هي مرحلة "التصلب" أو "تسليح البلاستيك" لتأهيله لكي يصبح صلبا يتحمل وضع الأشياء الثقيلة به، وهذه تتم بإضافة بعض المواد الكيميائية، والتي تسمى بالألياف الزجاجية. ويضيف قائلا: "هذه الألياف الزجاجية هي مواد غير متجددة وثقيلة، وتحتاج لطاقة تصنيع عالية، كما أنها تصيب الجلد والتنفس بحساسية، وبالتالي احتجنا في المقابل لمواد تكون متجددة وأرخص ثمنا، وتحتاج لطاقة أقل عند التصنيع، وتقوم إلى جانب ذلك بتحسين خواص البلاستيك، وبالفعل استطعنا أن نستبدل بهذه الألياف الزجاجية أليافا نباتية من بقايا المواد الزراعية، مثل قش الأرز وسرسة الأرز (القشرة التي تغطي حبة الأرز) وليف النخيل، وبالفعل أعطت نتائج عند البحث وصلت لكفاءة أكثر من50%، وأسميناها (المؤلفات الليفية البلاستيكية)". - الموضوع علي إسلام أون لاين.
|